ملخص
حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية من مخطط الصين لشن عملية قرصنة واسعة النطاق تهدف إلى تدمير شبكة الكهرباء وخطوط الأنابيب والنفط وأنظمة المياه في الولايات المتحدة
قبل انتخابات الرئاسة الأميركية 2016، التي تنافس فيها دونالد ترمب، ضد هيلاري كلينتون، هاتف سيد البيت الأبيض باراك أوباما، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، منذراً ومحذراً من مغبة التدخل في أعمال الانتخابات الرئاسية الأميركية عبر العمليات السيبرانية.
بعد ثلاثة أيام، أي في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) عينه، لم يطف على سطح الأحداث أي دليل قاطع على أن اختراقات سيبرانية تدخلت في آلات التصويت أو غير ذلك من الآلات المستخدمة في الانتخابات.
لم تكن هذه هي الحقيقة المطلقة، فقد حدث تأثير ما على الناخبين في ثلاث ولايات رئيسة، زعم مراقبون أن وراءها أياد روسية، وقد خلفت تأثيراً كبيراً على العملية السياسية.
بعد نحو شهر من إعلان فوز ترمب، حلقت في الأفق اتهامات رسمية لترمب، بأنه كان على صلة قوية بالروس، وأنهم تدخلوا بشكل رسمي في عملية الاقتراع، وذلك انتقاماً من هيلاري كلينتون، التي كانت وصفت إعادة انتخاب فلاديمير بوتين عام 2012، بـ"المزورة وغير الشرعية".
بدأت القصة تدور حول اختراق الروس أجهزة الحواسيب الخاصة بحملة هيلاري، والوصول إلى معلومات تفيد بأن موسكو سربت للرأي العام الأميركي، المؤامرة التي جرت وقائعها وراء الكواليس الديمقراطية، بهدف استبعاد المرشح الديمقراطي بيني ساندرز، مما شق الصف الديمقراطي بقوة، وأفرز في نهاية المشهد فوزاً كبيراً لترمب.
لماذا أعيد هذا المشهد مرة ثانية هذه الأيام؟
باختصار غير مخل، يبدو أن انتخابات 2024 ستكون ساحة للحرب السيبرانية، ومحاولة للتأثير من جانب روسيا التي تلقى رئيسها بوتين إهانات جسيمة من نظيره الأميركي.
أما التساؤل الأكثر إثارة: هل روسيا وحدها صاحبة المصلحة في إثارة الفوضى في الداخل الأميركي خلال هذه الانتخابات، أم إن هناك أطرافاً دولية أخرى لها الهدف ذاته؟
حكماً تبقى الصين واحدة من الدول الكبرى ذات الإمكانات السيبرانية القوية الكفيلة بالتدخل في انتخابات تشوبها الفوضى حتى قبل أن تبدأ.
من أين لنا أن نبدأ في سرد وعرض مشهد الهجمات السيبرانية القائمة والقادمة تجاه الولايات المتحدة في زمن الانتخابات الرئاسية؟
الهجمات الروسية
الهجمات السيبرانية الروسية، بحسب الادعاءات الأميركية، التي تنكرها موسكو على الدوام، وتلقي بالجرم في غالب الأمر على جماعات القراصنة المجهولين، لم تتوقف منذ الانتخابات الرئاسية 2016.
لكن الملاحظ أن انتخابات 2020 بين ترمب وبايدن شهدت هدوءاً سيبرانياً نسبياً، ما لبث أن عاد يشتعل مرة جديدة في انتخابات التجديد النصفي عام 2022.
في أوائل نوفمبر 2022، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن حسابات مزيفة بدأت حملة للتأثير في نتائج الانتخابات النصفية الأميركية، وأعادت التذكير بما جرى في انتخابات 2016.
تقرير الصحيفة الأميركية الشهيرة، ذكر أن تلك الحسابات شنت حملات تشويه واسعة ضد الرئيس الأميركي جو بادين وغيره من الديمقراطيين البارزين وبشكل فاضح.
استخدمت هذه الحسابات أيديولوجيا للتأثير في الناخبين الأميركيين، فقد تلاعبت بعواطفهم حين عبرت عن أسفها لاستخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين لدعم أوكرانيا في حربها ضد القوات الروسية.
وأعلن التقرير أن مصدر تلك المعلومات هو "وكالة أبحاث الإنترنت" الروسية القائمة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية الشهيرة، التي انطلقت منها كذلك عمليات التشويش على انتخابات الرئاسة 2016.
كان الهدف الواضح للروس هو تأجيج نار الغضب بين الناخبين المحافظين، وتقويض الثقة في النظام الانتخابي الأميركي ومساعدة العسكرية الواسعة لإدارة بايدن لأوكرانيا.
كان الهدف "قطع المساعدات الأميركية عن أوكرانيا"، والعهدة هنا على أليكس بليتساس، مسؤول عمليات المعلومات في البنتاغون.
والثابت أنه قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي عام 2022، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البيئة التحتية، تحذيراً من تهديد المعلومات المضللة التي تنتشر من طريق "قنوات وسائط الويب، والمجلات عبر الإنترنت، وتطبيقات المراسلة، والمواقع الإلكترونية المخادعة وسائل البريد الإلكتروني"، ويمكن أن تتضمن المعلومات المضللة مزاعم بأن بيانات أو نتائج التصويت قد تم اختراقها أو تزويرها.
تواصلت الهجمات الروسية، ففي يونيو (حزيران) 2023، أعلن مسؤول أميركي كبير للصحافيين أن قراصنة ناطقين بالروسية كانوا وراء الهجوم السيبراني الذي تعرضت له الوكالات الحكومية.
وأضاف المسؤول الأميركي، نقلاً عن تقديرات خبراء، أن مئات الشركات والمنظمات في الولايات المتحدة إلى جانب الوكالات الحكومية، تأثرت حكماً بالهجوم الإلكتروني.
ولعل المثير في تلك الهجمات أن الذين قاموا بها، لم يطلبوا فدية كما حدث قبل نحو أسبوع من قبل قراصنة آخرين أصابوا شركة "شل" وولايتي منيسوتا وإلينوي ووزارة الطاقة الأميركية، مما يعني أن الهدف الرئيس كان الحصول على المعلومات وليس الأموال.
وثيقة الأمن الوطني
هل بدأت واشنطن تستعد بالفعل لمواجهة سيل الهجمات السيبرانية في زمن الانتخابات الرئاسية؟
يبدو ذلك، لا سيما بعد أن أذاعت شبكة "ABC NEWS" بعضاً من محتويات وثيقة أعدتها وزارة الأمن الداخلي الأميركية، عن المخاوف التي تترقب أميركا في شأن الأنشطة السيبرانية التي يمكنها أن تهدد شرعية الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ما الذي تشير إليه هذه الوثيقة؟
من المؤكد أن "التلويح للخطر المقبل يشير إلى ما هو أبعد من الأمن في مراكز الاقتراع المحلية، بدءاً من محاولات تخويف العاملين في الانتخابات أو مسؤولي الانتخابات، إلى الهجمات السيبرانية المحتملة على البنية التحتية الانتخابية أو الحملات أو المرشحين أو المسؤولين العموميين أو المنظمات السياسية"، وتأثير الأجانب والعمليات "المصممة لتقويض المؤسسات الديمقراطية، وتوجيه السياسة للتأثير في الرأي العام أو زرع الانقسام بين الأميركيين وبعضهم البعض".
ووفقاً للنشرة الداخلية لوزارة الأمن الأميركي، فإن المخاوف من هجمات روسيا السيبرانية هذه المرة، تتجاوز فكرة المعلومات المؤدلجة ذات المسحة السياسية والحزبية، إلى حيز التحفيز على العنف المتبادل. وفي الوثيقة أنه "قد تصبح الجهات المهددة العازمة على إيذاء الأميركيين من خلال استخدام العنف، أكثر عدوانية مع اقتراب يوم الانتخابات، وقد تسعى إلى الانخراط في أعمال عنف أو التحريض عليها في مواقع الاقتراع أو المرافق الحكومية أو الاجتماعات العامة أو مواقع صناديق الاقتراع أو مواقع البائعين في القطاع الخاص، التي تدعم الانتخابات".
هل هناك مخاوف أميركية داخلية حقيقية هذه المرة؟
حكماً هذا ما يقطع به جون كوهين، رئيس الاستخبارات السابق في وزارة الأمن الداخلي، الذي يعتبر أن أميركا تتجه نحو عاصفة شديدة الخطورة.
كوهين يضيف "لا ترجع التهديدات فقط إلى حقيقة أن جهات التهديد الأجنبية والمحلية، ستسعى إلى استغلال هذه الانتخابات لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والجيوسياسية، بل يمكننا أيضاً أن نتوقع أن يصبح الخطاب السياسي المرتبط بهذه الانتخابات، أكثر استقطاباً وأكثر غضباً وأكثر إثارة للانقسام".
أما إليزابيث نيومان التي كانت مساعدة وزير الأمن الداخلي خلال السنوات الأولى من رئاسة ترمب، فترى أن "هناك وابلاً من التهديدات المقبلة وأنها ليست مجرد آلة تصوير، بل هناك أجزاء متعددة تثير القلق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
روسيا وفرصة للانتقام
في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نشرت السلطات القضائية الأميركية، لائحة اتهامات محكمة في سان فرانسيسكو في حق مواطنين روسيين، بدعوى الإقدام على "حملة قرصنة للشبكات المعلوماتية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا، لمصلحة الحكومة الروسية".
وزارة العدل الأميركية من جهتها، قالت إن المتهمين قد يكونون في روسيا، وهم متهمون بشن "حملة قرصنة للشبكات المعلوماتية في الولايات المتحدة، استهدفت موظفين حاليين وسابقين في قطاع الاستخبارات ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية، ومقاولين في مجال الدفاع وبنية تحتية لوزارة الطاقة، في الأقل بين أكتوبر 2016 وأكتوبر 2022".
هنا السؤال المثير: هل تخطط موسكو لجعل انتخابات الرئاسة التي يسعى فيها جو بايدن لإعادة انتخابه، فرصة طيبة للإيقاع لا بالرجل، ولا بحزبه فقط، بل بعموم الجمهورية الأميركية؟.
بحسب المحلل السياسي الروسي المعروف ديمتري بريجع، تعد العلاقات مع روسيا من الملفات الحساسة التي تلقي بظلالها على الانتخابات الأميركية.
ويقدم بريجع رؤية تحليلية مثيرة، لا تبدو فيها موسكو مهمومة من الانتقام من بايدن فحسب، بل إن احتمالات فوز ترمب بولاية رئاسية جديدة أمر يقلق روسيا، ويكاد يعتبر تحدياً لسياستها، ذلك أن ترمب على رغم الجدل في شأنه وانقسام الرأي من حوله، كان له تأثير كبير على الساحة الدولية بسبب سياسته غير التقليدية، التي كانت في بعض الأحيان تتعارض مع مصالح روسيا.
لكن بريجع نفسه يستدرك أن سياسات ترمب كانت في كل الأحوال أفضل من سياسات بايدن والديمقراطيين، ويعد ترمب شخصية قوية في العالم السياسي والتجاري، وهذا ما يجذب الروس لدعمه على رغم الاعتبارات السياسية الأخرى.
ويقر المحلل الروسي أنه بصورة عامة، يتجه الروس لدعم المرشح الذي تظهر لديه قوة وقدرة على التعامل مع القضايا الدولية بحزم وذكاء... هل يمكن للقارئ هنا أن يتفهم الخيار الروسي هذه المرة؟
المؤكد جداً أنه في حال استمرار النزال الانتخابي بين بايدن وترمب، فإنه من دون أدنى شك، سيضحى ترمب الخيار الروسي الأفضل، مما قد يعني بشكل من الأشكال إمكانية تفعيل الدعم السيبراني الروسي لصالحه هذه المرة، لا سيما أنه الرجل الذي يتحدث عن حتمية وقف الصراع الدامي في أوكرانيا، ومع حفظ كاف لماء الوجه الروسي، وهو الذي لا ينفك يرى في بوتين رئيساً قوياً وفاعلاً، ويكاد يحمل الديمقراطيين أعباء الأزمات المتصاعدة من موسكو إلى واشنطن والعكس.
ولعله من الثابت كذلك، أن الدوافع وراء تفضيل الروس لترمب، قدرته على تعزيز العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية، وتقليل التوترات الثنائية، واستغلال الفجوات والانقسامات السياسية الأميركية لصالح روسيا.
لا تتوقف قصة الهجمات السيبرانية على الولايات المتحدة عند هذا الحد، ذلك أن هناك منافساً أيديولوجياً آخر رابضاً خلف الباب، راغباً في التسيد على العم سام... ماذا عن هذا وصولاته وجولاته في الحل والترحال؟
الصين واختراق حكومات أجنبية
هل تسعى الصين بدورها لأن تضحى خنجراً في خاصرة أميركا خصوصاً، وعديد من دول العالم عموماً، لا سيما إذا اعتبرنا بكين قطباً قادماً وبقوة، حجز بالفعل له مكانة ثالثة في قطار العولمة المنفلت؟
قبل بضعة أيام، ترددت في وسائل الإعلام الأميركية أنباء حول تمكن شركة صينية لأمن التكنولوجيا من اختراق حكومات أجنبية وقرصنة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة كمبيوتر شخصية.
اخترقت "آي سون"، وهي شركة خاصة كانت متعاقدة مع الحكومة الصينية، أنظمة عشرات الحكومات ومنظمات مؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وحلف شمال الأطلسي، وفق شركتي "سنتيال لابز" و"مالوير بايتس" للأمن السيبراني.
تظهر هذه المعلومات الرغبة الصينية في استخدام هذا السلاح ضمن سياقات التحدي والتصدي، وأطر المواجهة القطبية القائمة مع الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، لا سيما بعد الأمر التنفيذي الأخير الذي وقعه الرئيس بايدن، والذي يعد نوعاً من أنواع الخنق ضد الحكومة الصينية، لا سيما على أصعدة الحوسبة الحكومية، والرقائق الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي.
هنا أدركت الصين أنها بلا شك في مواجهة حصار تكنولوجي عالي المستوى، وعليه كان القرار بالتجسس الاصطناعي قبل العسكري في الداخل الأميركي، حيث تعرف الصين بقدراتها الفائقة في عالم الجاسوسية الاقتصادية.
على أن أحداثاً بعينها في الأسابيع الأخيرة تظهر أن هناك توجهاً صينياً سيبرانياً لإحداث قلاقل في البنية التحتية الأميركية، وما من شك في أن أنفع وأرفع أوقات يمكن من خلالها لبكين أن تتلاعب بالداخل الأميركي بشراً وحجراً هو وقت الانتخابات الرئاسية... فهل من تفاصيل؟
البنية التحتية الأميركية
هل تسعى الصين لإحداث خطر كبير بالولايات المتحدة الأميركية في زمن الانتخابات الرئاسية من طريق غير ذلك الذي تتعبه روسيا؟
في الأول من فبراير (شباط) الجاري، حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية راي كريستوفر، من أن الصين تخطط لشن عملية قرصنة واسعة النطاق تهدف إلى تدمير شبكة الكهرباء وخطوط الأنابيب والنفط وأنظمة المياه في الولايات المتحدة، لا سيما في حالة نشوب حرب مع تايوان ومساندة أميركا لتايوان.
وبدا التساؤل مخيفاً أمام لجنة فرعية في مجلس النواب الأميركي، ذلك أنه طالما وضعت الصين المخططات بالفعل، فإنه من الوارد أن تمارس بعضاً منها خلال فترة الانتخابات، وبنوع خاص في حال حدوث فوضى في الداخل الأميركي، مما يشابه ما جرى يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، حين حاول أنصار ترمب احتلال الكونغرس. ففي ذلك الوقت رفعت القوات المسلحة الصينية درجة الاستعداد لأعلى درجة بعدما بلغت بها الشكوك بإصدار ترمب قرارات تقضي بمهاجمة الصين.
وبحسب تصريحات راي، فإن المتسللين الصينيين يتمركزون في البنية التحتية الأميركية استعداداً لإحداث الفوضى والتسبب في ضرر حقيقي للمواطنين والمجتمعات الأميركية، وذلك عندما تقرر الصين أن الوقت قد حان للضربة.
فهل كانت تصريحات راي هي الأولى من نوعها؟ قطعاً لا، ففي مايو (أيار) الماضي، حذر مسؤولون أميركيون الشركات والحكومات المحلية والحلفاء الأجانب من أن الصينيين لديهم تنظيم سيبراني يستهدف قطاعات البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة.
فهل لهذا السبب أعلن الرئيس بايدن قبل أيام توقيعه مرسوماً يهدف إلى تعزيز الأمن السيبراني في الموانئ الأميركية، بغية مواجهة تهديدات صينية محتملة؟
تقول كبيرة مستشاري البيت الأبيض لقضايا الأمن السيبراني آن نوييرغر، "اليوم توظف الموانئ الأميركية 31 مليون شخص، وتسهم بمبلغ 5.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، وهي نقطة الدخول الرئيسة للسلع إلى الولايات المتحدة".
بدوره يلفت الأدميرال وقائد أنشطة الأمن السيبراني في خفر السواحل الأميركية، جون فان، إلى أن "الرافعات الصينية العملاقة تهيمن على السوق العالمية، وتمثل ما يقارب 80 في المئة من الرافعات المستخدمة في الموانئ الأميركية، كما أنه يمكن التحكم بهذه الرافعات وإدارتها وبرمجتها عن بعد، مما يجعل الرافعات الصينية عرضة للخطر".
وقدر فان عدد هذه الرافعات الصينية العاملة في الولايات المتحدة بما يزيد قليلاً على 200. وأشار إلى أن 92 في المئة منها فحصها خفر السواحل الأميركي للتأكد من خلوها من العيوب والتهديدات للأمن السيبراني.
هل يعني ذلك أن واشنطن في كل الأحوال ليس أمامها سوى انتظار العاصفة السيبرانية الصينية، وسواء ضربت الموانئ أو محطات الطاقة والنقل والواصلات، وغيرها من البنية التحتية الأميركية؟
"فولت تيفون" تترصد أميركا
يكاد المتابع لخطوات الصين السيبرانية تجاه الولايات المتحدة الأميركية أن يدرك أن الصينيين بالفعل حاضرون في قلب أميركا، سواء كان حضورهم حقيقياً أو عبر كابلات الإنترنت الممتدة حول العالم.
في أواخر مايو الماضي، كانت شركة "مايكروسوفت" الأميركية تؤكد رصدها "نشاطاً سيبرانياً" تنفذه مجموعة صينية، تتسلل لاختراق شبكات المعلوماتية الأميركية، وتعرف المجموعة باسم "فولت تيفون"، التي تحظى برعاية رسمية من السلطات الصينية.
ما تخطط له جماعة "فولت تيفون"، يتجاوز إلحاق الأذى بالبنية التحتية الأميركية، لتهدد عملياتها باضطرابات في البنى التحتية الحيوية للاتصالات بين الولايات المتحدة والمنطقة الآسيوية في الأزمات المستقبلية".
ولعل ما جعل المخاوف تتزايد وقت انتخابات الرئاسة الأميركية، هو استنتاج "مايكروسوفت" أن "السلوك المرصود يشير إلى أن الجهة الفاعلة تنوي التجسس والحفاظ لأطول فترة ممكنة على قدرتها على ولوج بيانات البنى التحتية من دون أن تُكتشف".
ما الذي يسعى إليه الصينيون في الداخل الأميركي؟
توضح "مايكروسوفت" في بيانها أن مجموعة "فولت تايفون"، تنشط منذ منتصف عام 2021 في استهداف مؤسسات البنية التحتية، التي تشمل مؤسسات تعمل في قطاع الاتصالات والصناعة والمرافق العامة والنقل والبناء والبحرية والتعليم.
وحددت ممارسات هذه المجموعة بأنها تعمل ضمن أربعة تكتيكات:
الأول: جمع البيانات بما فيها بيانات الأنظمة المحلية والشبكات المرتبطة بها.
الثاني: وضع هذه البيانات في ملفات أرشيفية متسلسلة.
الثالث: استخدام هذه البيانات المسروقة وإفساح الطريق أمامهم للوصول إليها.
الرابع: دمج أنظمتها ضمن نطاق عمل الشبكات في المؤسسات التي تخترقها، وتوجيه حركة مرور البيانات عبر معداتها التي تستخدم أنظمة مفتوحة المصدر لتسهيل الولوج إليها وقت الحاجة.
هل ستتدخل الصين في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024؟
يبقى من الطبيعي في ظل مثل تلك الشبكات العميقة في الداخل الأميركي، أن تقوم الصين بما يحلو لها من أعمال تجسس وتدخل بشكل منفرد، بما يحقق لها مصالح وأهداف استراتيجية عميقة.
لكن الأكثر ترهيباً وترعيباً إن جاز التعبير، هو أن تكون هناك خطة صينية – روسية ما، لتوجيه ضربات للعمق الأميركي، ضربات تستغل حالة الاستقطاب المجتمعي من ناحية، والانقسام السياسي من ناحية أخرى، لإدخال الأميركيين في فوضى الصراع المجتمعي، وتفعيل العنف وصولاً إلى الحرب الأهلية.
غير أنه على الصعيد الرسمي، فإن الصين كما دائماً، تنكر الاتهامات الأميركية كافة، فقد ذكرت شبكة "سي أن أن" الأميركية أن الرئيس بايدن أثار هذه المسألة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال اجتماعهما في نوفمبر الماضي، ورد الأخير بأن بكين لن تتدخل في الانتخابات الأميركية العام الحالي.
وبحسب الشبكة الإخبارية الأميركية الأشهر، فإن وزير الخارجية الصيني وانغ بي، كرر هذا التأكيد لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أخيراً.
هل يمكن للصين أن تلتزم هذه التعهدات؟
بالطبع تبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الاتجاهات، غير أنه وفي كل الأحوال، يبقى "الفخ السيبراني فاغراً فاه تجاه الولايات المتحدة، ومتحولاً إلى عاصفة قد لا يطول انتظارها في عام المفاجآت الحاضر".