Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الـ"بريك دانسينغ"... معجزة الفقراء في ساحة الـ"كونكورد"

انتقل من الأحياء الأميركية المتواضعة إلى أنحاء العالم الذي ينتظر ظهوره الأول كرياضة ضمن "أولمبياد باريس"

القصص الدرامية التي صنعت تاريخ رقص الشوارع في العوالم ربما تجعله أكثر من مجرد رياضة للياقة البدنية واستعراض للمهارات (أ ف ب)

ملخص

من الأحياء المهمشة والفقيرة جاء الـ"بريك دانسنيغ" ليخطف اهتمام مشاهير الفن ويجد مكاناً أيضاً في كبرى المحافل الرياضية في العالم

الطواحين والقفزات الانتحارية والدوران على الرأس، أسماء عدد من أشهر حركات الـ"بريك دانسينغ" (Breakdancing)، بمعنى رقص الأكروبات أو الرقص البهلواني المعتمد على فكرة القواطع، لكن عند ترجمتها إلى صورة مرئية سيتضح أن الأمر أكبر من مجرد رقصة، إذ إن الخطورة عامل أساسي في هذا النوع من الفن الرياضي الذي سيكون العالم على موعد مع ظهوره الأول في دورة الألعاب الأولمبية بباريس، التي تنطلق نهاية يوليو (تموز) المقبل، بعد أن شارك راقصو الـ"بي" بالفعل في أولمبياد الشباب في بيونيس آيرس 2018.

 

 

إنها رقصات التجمد والدوران والتوقف الفجائي ثم الالتفاف من دون أية هنات، التي نشأت بحسب المتداول في أحياء نيويورك الفقيرة في سبعينيات القرن الماضي على وقع أنماط متداخلة من الموسيقى. لكن مهما كانت درجة خطورتها فإنها في الأقل كانت منفذاً للهرب من عالم العصابات والجريمة المنظمة وتجارة المواد الممنوعة التي كانت تعصف بحي "برونكس" القابع في الفقر والبؤس شمال مانهاتن، إذ كان شباب الحي يتساقطون وهم في مقتبل أعمارهم ضحايا لهذه الفوضى، وبالطبع كان غالبيتهم من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الفن الذي روض وشذب على مراحل منحه ملك البوب الحقيقي مايكل جاكسون جواز المرور العالمي مع أغنيته "بيلي جين" عام 1983، حينما أدى بها رقصته الأكثر شهرة "مشية القمر" ليصيب جمهوره بالجنون حينما بدا وكأنه يتقدم إلى الأمام، بينما يعود المغني الأسطوري للوراء بتوازن وخفة ودقة. الآن ارتبط هذا الفن أيضاً بموسيقى الـ"هيب هوب" وأغنيات الـ"بوب" الكوري، باعتباره فن الانطلاق والحيوية والشباب وكسر القيود. وأخذ مكانه من الشارع إلى كبرى المنصات والمسارح، وأخيراً وبعد نصف قرن من ظهوره وصل إلى أهم المحافل الرياضية بعد أن كان مرتبطاً بالمهمشين وسكان الشوارع.

أبناء الهامش

اللياقة البدينة التي تمكن راقصي الـ"بريكينغ" (Breakdancing) أو الرقص الحر من القيام بتلك الحركات بثبات وتميز جعلتها دوماً محط الأنظار، لكن طوال الوقت كان ينظر إليها على أنها مجرد "رقصة"، ولم يدخل روادها في منافسات مهمة إلا في السنوات الأخيرة. مع ذلك فالرقص الحر تابع منذ زمن للاتحاد العالمي لرياضة الرقص (WDSF) الذي تأسس عام 1957. والآن جاء موعد إنصاف هذا الفن الذي طوره شباب الأحياء المحرومة من الخدمات قبل عشرات السنوات، إذ كانوا يحاولون التغلب على قلة فرص العمل المشروع، وعلى مشاعرهم المختلطة والمربكة ناحية معارفهم الذين يتحولون مع الوقت إلى رجال عصابات، مفضلين حياة الخطر على البطالة حتى وإن قضوا نحبهم. وهكذا قرروا تشكيل فرق للرقص في محاولة لتناسي قسوة الواقع الذي يعيشونه، وكان محبو الفنون في الشوارع يتنافسون في تقديم الحركات الأكثر تناسقاً والأكثر خطراً وعنفاً وتعقيداً للتدليل على مهاراتهم وقدراتهم البدنية أيضاً خلال الاستراحات الموسيقية لأغنياتهم المفضلة، وعلى الأرجح فإن أصل التسمية جاء من هذا الارتباط "Break" وتعني استراحة، و"dancing" بمعنى الرقص.

 

 

وفي وقت تعالت صيحات الاستهجان بسبب استبعاد رياضات أساسية لا لبس أو خلاف عليها مثل الـ"كاراتيه" والـ"بيسبول" من المنافسات الأوليمبية تم إقرار التسلق الرياضي وركوب الأمواج والتزلج على الأمواج في أولمبياد طوكيو قبل أربع سنوات، إضافة إلى اعتماد الـ"بريك دانسينغ" هذا العام، واللافت أنه منذ أكثر من 10 سنوات بدأ الحملات الملحوظة التي تنادي بإدراج مثل تلك الفنون التي تحمل طابعاً رياضياً في الألعاب الأولمبية باعتبارها من ركائز الثقافة الشعبية في أنحاء أوروبا، وإن كانت تلك الدعوات لقيت صداها لكن يبقى وجود الرقص الحر في البطولة هشاً، باعتباره حديث العهد بالأولمبياد، والسنوات المقبلة ستحدد مدى رسوخه.

الساحات تحتفل

محبو الرياضة الآن على موعد مع الـ"بريك دانس" كأحد أقسام المنافسات في الدورة الأولمبية التي ستقام نسختها المقبلة بالعاصمة الفرنسية من الفترة من الـ26 من يوليو (تموز) إلى الـ11 من أغسطس (آب)، وخلال أيامها الأخيرة سيتنافس الراقصون الذين سيقع عليهم الاختيار للمشاركة في ساحة الـ"كونكورد" المخصصة لرياضات الشوارع. ووفقاً للموقع الرسمي للأولمبياد من المقرر أن ينافس بالمسابقات 32 رياضياً من الفتيات والفتيان، "16 بي جيرلز و16 بي بويز"، ويجب ألا يسبق تاريخ ميلاد المشاركين الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2008، فمهما كانت مهارة الراقص وقوته البدينة فإنه ليس من حقه أن ينافس في البطولة إذا كان مولوداً بعد هذا التاريخ.

 

 

قبل انطلاق المسابقة الرسمية هناك موجات من التصفيات المؤهلة يخوضها الراقصون، إذ ستقام في محطة شنغهاي بالصين خلال الفترة من الـ16 إلى الـ19 من مايو (آيار) المقبل. أما منافسات محطة بودابست في المجر فستقام في حرم "لودفيكا" الجامعي في الفترة من الـ20 إلى الـ23 من يونيو (حزيران) 2024، بحسب ما جاء على موقع الأولمبياد الرسمي. وعلى رغم الشعبية الكبيرة التي تحظى بها رياضة الـ"بريك دانسينغ" في العالم العربي، بخاصة بين فئة المراهقين، إذ تنتشر مراكزها التدريبية في أنحاء المدن الكبرى بكثير من الدول العربية وتشهد إقبالاً ملحوظاً، فإن قائمة الرياضين الذين تأكدت مشاركتهم في تلك المنافسات لا تضم حتى الآن سوى ثلاثة من العرب، هم شكيب وزو من الجزائر، وتوفيق من المغرب، فيما يشارك رياضيون كثر من بقية أنحاء العالم مثل اليابان وإيطاليا وهولندا والمكسيك وجنوب أفريقيا وبلجيكا وأستراليا، إضافة إلى فرنسا بالطبع، التي تعتبر الموطن الثاني لهذا الفن، إذ كانت ضواحيها الأكثر تواضعاً من أوائل المناطق التي انتشر فيها الـ"بريك دانسينغ" بعد الولايات المتحدة الأميركية ومنها إلى بقية أوروبا، ثم لم تعد حكراً أبداً على طبقة معينة بل أصبحت محط اهتمام مراهقين من المستويات الاجتماعية كافة.

هرباً من الخطر

لأصول رقص الشوارع ونشأته أكثر من قصة، بعضها يثير الحماسة والإثارة، وأخرى تثير الأسى والحزن وتفجر نقاشات حول التمييز والتهميش ومعاناة الفئات الأقل حظاً والأكثر معاناة، فالمساحة الزمنية الفاصلة ما بين ارتجال الخطوات والانتشار التدريجي في الساحات لهذا الفن الرياضي، وبين وصول هذا الإبداع وثيق الصلة بالشارع إلى نوادي الرقص الشعبية ثم تلك الأكثر رفاهية وصولاً إلى المؤسسات الرياضية الشهيرة ومن ثم الدورات الأولمبية، تضمنت أشواطاً وحكايات. وربما يكون المهاجر الجمايكي كول هيرك (68 سنة) من أبرز الأسماء التي لمعت في عالم الـ"بريك دانسنغ" إذ حظي كمنسق أغنيات بشعبية كاسحة وكانت اختيارته تلهم محبي الموسيقى من الشباب لاسيما من ذوي الأصول الأفريقية، الذين يبحثون عن فنون أكثر حيوية بعيداً من التقليدية. كانوا يتدربون بشكل شاق من أجل التركيز على حركاتهم في الديسكو والنوادي الليلية في نيويورك السبعينيات والثمانينيات ويقفزون في الهواء ثم يقفون على رؤوسهم وينزلقون لإثارة الإعجاب وتفريغ الطاقة.

 

 

لكن لا أحد يمكنه أيضاً أن ينكر تأثير وبصمة أفريكا بامباتا، واسمه الحقيقي لانس تايلور، بخاصة أن حكايته كانت أكثر حزناً على رغم نجاحه الكبير، فالموسيقي الذي ولد عام 1957 في جنبو حي برونكس (يقترب عدد سكانه حالياً من مليون ونصف مليون نسمة)، ونشأ في صباه وهو يلمس عن قرب مشكلات الحي المكتظ من بطالة وجريمة وحرمان من الفرص اللائقة وحتى من الأحلام، كانت نقطة التحول في حياته متعلقة بفقدانه صديق بسبب إطلاق نار بعد أن انخرط في عالم العصابات. حينها قرر أن يسهم في إنقاذ من حوله وأن يبتعد تماماً عن أي مصير مشابه وأي طريق قد يجمعه بقدر على هذا النحو. ثم وجد ضالته في الموسيقى حتى لقب بجد الـ"هيب هوب"، وأسهم في تطوير إيقاعات وألحان الـ"بريك دانسينغ"، وذاع صيته كمنتج ومؤلف أغنيات ومغني وعازف، بخاصة أنه قضى وقتاً في البحث والمقارنة والدراسة ليخرج بمقطوعات يعبر من خلالها الشباب عن أنفسهم استماعاً ورقصاً، وكانت رسالته الدائمة هي "الفرح والسلام والمحبة"، فيما هناك رواد صنعوا أسماءهم بحركاتهم وإبداعهم في هذا النوع من الرقص، بينهم زولو كينجز، ومستر ويجلز، وتوني تاتش.

مصدر إلهام سينمائي

مثلما اهتمت السينما بالفنون الرفيعة ذات الجمهور النوعي مثل الباليه، فإن رقص الشوارع كان أيضاً له مساحة هائلة لا سيما أن قصص رواده تكون عادة ذات أبعاد شديدة الإنسانية وتتقاطع مع أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية، بالتالي فهي دراما مثالية وملهمة على قدر بهجتها تماماً. ومن بين هذه الأعمال "Breaking Point"  الفيلم البريطاني الذي عرض العام الماضي، وتدور أحداثه حول شقيقين لديهما موهبة فذة في الرقص الحر، ويسعيان إلى المشاركة في المسابقات الكبرى التي تهتم بهذا الفن، لكن تتنازعهما دوماً ذكرى مربكة وأليمة تخص حادثة مقتل والدتهما، وهو من إخراج الأميركي ماكس جيوا، الذي يهتم كثيراً في أعماله بعالم الاستعراض والحركات الأكروباتية، إذ قدم أيضا فيلم "Street Dance" (رقص الشوارع)، بجزأيه خلال عامي 2010 و2012، والقصة الأساسية تدور حول رقص الشوارع، إذ تضطر الفرق إلى التدريب في مركز خاص برقص الباليه الكلاسيكي مما يفجر مفارقات درامية متنوعة، وقد يكون من أشهر تلك الأعمال فيلم "Step Up" (2006) من بطولة تشانينج تاتوم وداميان رادكليف وجينا ديوان، وإخراج آن فيلتشر. إذ يتحول البطل من شاب منبوذ بحكم أصوله ونشأته والطبقة التي انحدر منها إلى شخص آخر محط إعجاب الآخرين، بسبب موهبته الجبارة في أداء حركات رقص الشوارع بمهارة ولياقة، وحقق الفيلم إيرادات اقتربت من 115 مليون دولار أميركي، بينما لم تتجاوز موازنته 12 مليوناً.

المزيد من منوعات