في غضون اليومين الماضيين، تكثّفت حملة الضغوط والانتقادات على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، لثنيه عن الدفع باتجاه مغادرة البلاد من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وتسلّحت هذه الحملة بتطوّرين، أوّلهما قرار محكمة الاستئناف الاسكتلندية، الأربعاء 12 سبتمبر (أيلول)، اعتبار تعليق عمل البرلمان "غير شرعي" وبالتالي "لاغ وباطل"، وثانيهما نشر وثائق تحذّر من أن خروجاً من دون اتفاق يهدّد باضطرابات أهلية ونقص في الأغذية والأدوية في البلاد.
فقد نشرت الحكومة البريطانية على مضض، الأربعاء، تصوراً لأسوأ التوقعات إذا انفصلت البلاد عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وحذّرت الوثائق السرية، المعروفة باسم عملية "يلو هامر" (عملية المطرقة الصفراء)، من أن المملكة المتحدة قد تشهد تشابكات على طرق التجارة مع أوروبا وتعطّل إمدادات الأدوية والأغذية الطازجة، بالتزامن مع انتشار الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من ذلك، تعهّد رئيس الوزراء، الخميس، بأن تكون بريطانيا مستعدة للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، مؤكّداً أن الحكومة "تسرّع بشكل هائل" استعداداتها لذلك. وصرّح جونسون للصحافيين "ستكون جميع القطاعات المهمة مستعدة لبريكست من دون اتفاق". وأضاف "ما نراه (في الوثائق) هو مجرد استعدادات منطقية - سيناريو أسوأ الحالات - والتي يُتوقع من أي حكومة القيام بها".
استعدادات محدودة
وتمثّل التوقعات الواردة في تقرير "عملية المطرقة الصفراء"، الذي أُعدّ قبل ستة أسابيع وبعد أيام من تولي جونسون رئاسة الوزراء، أساساً للتخطيط الحكومي للخروج من دون اتفاق. وأجبرت الحكومة على نشر هذه التصورات بعد موافقة البرلمان على طلب نواب اتهموا الحكومة بإخفاء التداعيات المدمّرة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
ورجّح التقرير أن يكون الاستعداد لسيناريو كهذا محدوداً على المستوى الشعبي ومستوى قطاع الأعمال، لأسباب منها التشوّش السياسي. وقال إنه من المحتمل أن تضطرّ الشاحنات في البداية للانتظار فترة تصل إلى يومين ونصف اليوم لعبور القنال الإنجليزي. وأضاف "ستقلّ إمدادات أنواع معينة من الأغذية الطازجة. وثمة خطر أن يحدث إقبال على الشراء بدافع الخوف، ما يسبّب في اضطراب الإمدادات الغذائية أو تفاقم هذا الاضطراب... وستحدث احتجاجات واحتجاجات مضادة في مختلف أنحاء بريطانيا"، قد تصل إلى ثلاثة أشهر.
وتقول وثائق "عملية المطرقة الصفراء" إن تدفّق حركة السير عبر القنال الإنجليزي قد تقلّ بما يصل إلى 60 في المئة في اليوم الأول، وإن طوابير السيارات قد تؤثر في تسليم شحنات الوقود وتعطّل الإمدادات في لندن وجنوب شرقي إنجلترا. ومن المحتمل أيضاً أن تتأثر الخدمات المالية وعمليات تبادل المعلومات بين الشرطة والأجهزة الأمنية.
ما يحدث "غير مسبوق"
وأثارت هذه الأنباء مخاوف بين النواب من أن يكون "بريكست" من دون اتفاق فوضوياً وكارثياً. وقالت نائبة حزب العمال المعارض هيلاري بين "من العجيب أن هذه الأمور يمكن أن تحدث بسبب سياسة الحكومة". وأضافت "في العادة عندما تقوم بتحضيرات للحماية من أمور كهذه تكون هذه التحضيرات للاستعداد لكارثة طبيعية أو أمور لا يمكنك التحكّم بها".
كذلك اعتبر النائب دومينيك غريف، الذي طُرد من حزب المحافظين الحاكم الأسبوع الماضي بسبب تصويته ضدّ الحكومة، أن ما يحدث "غير مسبوق". وأضاف "حتى لو كنا مستعدين للخروج من دون اتفاق، فإن الأمر سيتسبب في اضطرابات ويكلّف البلاد الكثير".
الحكومة تعمل على تحديث الفرضيات
في المقابل، أكّدت الحكومة أنها تقوم بـ"تحديث الفرضيات" الواردة في التقرير، الذي قالت إنه "ليس تقييماً للتأثيرات ولا توقعاً لما يرجّح أن يحدث". وفي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قال وزير الدفاع بين والاس "نحن ننفق المال على القيام بكثير من الأمور لتخفيف هذه الافتراضات"، مشيراً إلى أن اجتماعات يومية تُعقد للاستعداد للخروج من دون اتفاق.
كما قال بول كارتر، زعيم السلطة المحلية لمقاطعة كنت، جنوب شرقي البلاد، التي يُخشى أن تشهد أزمات حادة في حال "بريكست" من دون اتفاق، إن حكومة جونسون حققت "تقدماً حقيقياً" أخيراً في هذا الإطار. وأضاف "أنا واثق تماماً أن بإمكاننا تجنّب حدوث فوضى في كنت".
جونسون يرفض اتهامه بالكذب على الملكة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان جونسون، الذي تولى رئاسة الحكومة في يوليو (تموز) الماضي، وعد بتحقيق خروج بريطانيا من التكتّل الأوروبي بحلول 31 أكتوبر، حتى من دون اتفاق. إلا أنه واجه سلسلة هزائم قد تمنعه من تحقيق وعده، إذ خسر الغالبية في البرلمان وأصدر هذا الأخير قانوناً يُجبر الحكومة على طلب إرجاء الخروج من الاتحاد لثلاثة أشهر إضافية إذا لم تتمكّن من التوصّل إلى اتفاق. وفيما لجأ جونسون إلى تعليق عمل البرلمان حتى 14 أكتوبر، لجأ النواب إلى تقديم العديد من الطعون القانونية في قراره.
وفي هذا السياق، أصدرت محكمة الاستئناف الاسكتلندية، الأربعاء، حكماً يقضي باعتبار قرار جونسون تعليق عمل البرلمان "غير شرعي" لأنه يرمي إلى "تعطيل عمل البرلمان"، وهو بالتالي "لاغ وباطل". غير أن الحكومة سارعت إلى الطعن بالقرار، وسيبقى البرلمان مغلقاً بانتظار قرار المحكمة العليا في لندن الثلاثاء المقبل. ونفى جونسون بدوره أن يكون كذب على الملكة إليزابيث بشأن تعليق عمل البرلمان.