ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء في 29 يناير (كانون الثاني)، مع مبعوث روسيا إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، مسألة تعزيز "التنسيق العسكري" في سوريا لمنع حصول "احتكاك" بين جيشي البلدين، سوريا وإسرائيل.
هذا الخبر، الذي أعلنه مكتب نتنياهو، يبدو عاديّاً، بل ديبلوماسيّاً. لكن، في موعده ومضمونه كثيراً من الإشارات. فقد كشف البيان أن المباحثات تناولت "إيران والوضع في سوريا". ونقل عن لافرينتييف تأكيده "التزام روسيا الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي".
أضاف البيان أن نتنياهو أكد، في اتصال هاتفي في وقت سابق، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن "إسرائيل مصممة على مواصلة جهودها لمنع إيران من أن ترسخ وجودها العسكري في سوريا".
فاللقاء الروسي الإسرائيلي، الذي يأتي بعد أقل من أسبوع على قمة الرئيسين الروسي بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (23 يناير)، لم يفصله عن شن الجيش الإسرائيلي ضربات ضد ما اعتبره مواقع لفيلق القدس الإيراني في العاصمة السورية دمشق، سوى أسبوع وساعات قليلة.
وإذا كان لافتاً إعلان الجيش الإسرائيلي، في بيان، تنفيذه تلك الضربات، فإن ما يفسّر ذلك هو حرص البيان على تأكيد أن الضربات رد فعل على فعل. والفعل هو إطلاق قوة إيرانية من داخل الأراضي السورية صاروخ أرض- أرض، في اتجاه هضبة الجولان.
وروى البيان أنه "خلال الغارات أطلقت الدفاعات الجوية السورية عشرات الصواريخ أرض- جو، على الرغم من التحذير الواضح الذي نقل بعدم إطلاقها. عقب ذلك تم استهداف بطاريات دفاع جوي سورية".
واعتبر الجيش الإسرائيلي أن "الهجوم الإيراني دليل واضح على النوايا وراء التموضع الإيراني في سوريا والخطر الذي يشكله لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي". وتعهد بمواصلة "العمل في شكل قوي وصارم ضد التموضع الإيراني في سوريا".
أما الرد الإيراني، فعبّر عنه رئیس لجنة الأمن القومي والسیاسة الخارجیة في مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بیشه، الذي اتهم روسيا، وفق ما نُقل عنه، بالتواطؤ مع إسرائيل من خلال تعطيل منظومة الدفاع الصاروخي "إس 300" تزامناً مع كل هجوم إسرائيلي على سوريا. أضاف أنه لو كانت روسيا تفعّل منظومتها الجوية "إس 300"، لما تجرأت إسرائيل على القيام بهجماتها بسهولة.
قواعد جديدة
وسط هذا المشهد، يبدو أن اللقاء الروسي الإسرائيلي بمثابة طي صفحة إسقاط الطائرة الروسيّة في الأجواء السورية، في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، وما نتج منه من "منع" روسيا إسرائيل استباحة الأجواء السورية. بالتالي، هو، أي اللقاء وما وصلت إليه العلاقات الروسية الإسرائيلية، "يعطل" صواريخ "أس 300" التي نقلتها موسكو إلى دمشق للتصدي لهجمات تل أبيب، وربما يحيلها على التقاعد.
فاللقاء الذي يندرج في إطار "تعزيز التنسيق العسكري في سوريا لمنع حصول احتكاك بين جيشي البلدين، سوريا وإسرائيل"، يحيّد الجيش السوري، أو يسعى إلى ذلك، في أي ضربة إسرائيلية ضد إيران وحلفائها في سوريا. وبقدر ما يفعل ذلك، أي بقدر ما يحيّد الجيش السوري، بقدر ما يستهدف إيران وحلفاءها في سوريا. ويعني ذلك، أن الأمور، في ما يخص "المواجهة" الإسرائيلية الإيرانية على الأراضي السورية، عادت إلى قواعد الاشتباك التي كانت قبل سقوط الطائرة الروسية، أو ما يشبهها. أي أن إسرائيل عادت قادرة على مهاجمة الإيرانيين في سوريا، وبغض نظر روسيا. وفي المقابل، يمكن إيران أن ترد، لكن من دون أن تعلن مسؤوليتها، وتحت السقف المتاح.
والجديد في "قواعد الاشتباك" المتجددة، إضافة إلى "تعطيل" موسكو صواريخ "أس 300" في دمشق، هو أن الجيش الإسرائيلي الذي أعلن تنفيذه الغارات يسعى إلى دفع إيران إلى رفع مستوى التحدي الإعلامي وإعلان مسؤوليتها عما تفعله. وهو ما لا يحصل الآن ولم يحصل سابقاً حتى ردّاً على عمليّات إسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية مهمة وقادة إيرانيين وحلفاء.
والجديد في هذه المرحلة أيضاً، أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى "إذن مسبق" أو إلى ما يبرر أو يفسر أسباب هجماته. مثلما فعل في بيانه الذي يشرح فيه الأسباب الموجبة للغارات، ويؤكد فيه أنه كان يحيّد الجيش السوري، لكنه اضطر إلى استهداف بطارياته بعدما أطلقت صواريخ في اتجاه الطائرات الإسرائيلية.
ويمكن التوقف هنا عند لهجة البيان الإسرائيلي تجاه سوريا وجيشها. لقد جاء فيه أن "الجيش السوري مسؤول عما يحدث داخل أراضيه"، ويحذّر "من العمل أو السماح بالعمل ضد إسرائيل". ولهاتين العبارتين اللتين وردتا في البيان الصادر قبل اللقاء الروسي الإسرائيلي، معانٍ عدة، منها أنهما تحملان إلى سوريا وجيشها دعوة إلى الحياد، وإلى منع إيران من العمل ضد إسرائيل. ومن المعاني أيضاً، أن موسكو "شريكة" تل أبيب في هذه الرسالة، إذ إن إسرائيل لم تكن لتنفّذ ضرباتها على المواقع الإيرانية لولا موافقة روسيا.
فروسيا التي أشعلت بعد سقوط طائرتها في سبتمبر 2018 في الأجواء السورية ضوءاً أحمر في وجه الطائرات الإسرائيلية ونقلت إلى سوريا صواريخ "أس 300"، هي نفسها التي أرسلت بعد الغارات الجديدة موفداً إلى إسرائيل للقاء نتنياهو وقادة عسكريين. وها هي تكتفي بالتعليق على الضربات في دمشق، مطالبة إسرائيل بضرورة التوقف عن تنفيذ ما وصفته بالضربات الجوية العشوائية على سوريا.
ونشرت وكالة تاس الروسية "أمل" المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في "استبعاد أسلوب شن ضربات عشوائية على أراضي دولة ذات سيادة، وفي هذه الحالة نحن نتحدث عن سوريا".
في ضوء ذلك، يقلل محلل سياسي قريب من المحور الإيراني في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه، من حجم الضربات الإسرائيلية الجديدة وتأثيرها وأبعادها. ويشير إلى احتمال أن تكون مساعدة انتخابية من بوتين إلى نتنياهو. بالتالي، تغدو حركة نتنياهو ضد إيران في سوريا مؤقتة وتحت سقف قواعد الاشتباك، ولا يمكن نتنياهوالمبالغة بها لأنها قد تنقلب ضده أو تحرجه.
فخ إسرائيلي
في هذه الأثناء، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الثلثاء 29 يناير، أنه "بموجب التفاهمات مع روسيا، التي تم التوصل إليها بعد إسقاط الطائرة الروسية، أجري اتصال من مقر وزارة الأمن في تل أبيب بقاعدة حميميم (الروسية) في سوريا، لإطلاع الروس في شأن الهجوم الإسرائيلي من دون تعريض طائرات سلاح الجو الإسرائيلي للخطر".
أضافت أن الهجوم الإسرائيلي قد خطط له مسبقاً، وأن الصاروخ الإيراني لم يفاجئ الجهات الاستخبارية الإسرائيلية. وزعمت أن "الاستخبارات النوعية" في الجيش الإسرائيلي تمكنت من نصب مكمن ناجح، وجعل الإيرانيين يدفعون ثمناً جدياً في سوريا.
واعتبرت أن المعركة لم تنته. وخلصت إلى أن الإيرانيين سيحاولون الرد وبقوة بعد هذا "الفشل". ما يقتضي "تعزيز الدفاعات الجوية والقدرات الاستخبارية والقدرات الهجومية، وكذلك عملية ديبلوماسية مكملة مع الروس الذين تعهدوا بلجم إيران ولم يلتزموا ذلك".
وفي أجواء المعركة بين إسرائيل وإيران، اتهم نتنياهو، الثلاثاء 29 يناير، إيران بشن هجمات متكررة عبر الإنترنت على إسرائيل.
وقال خلال مؤتمر عن الإنترنت في تل أبيب إن "إيران تهاجم إسرائيل يومياً. نراقب هذه الهجمات ونحبطها طوال الوقت".
وتشير تقارير، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، إلى أن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) حذر من تدخل إلكتروني خارجي تشرف عليه إحدى الدول للتشويش على الانتخابات العامة المقبلة في 9 أبريل (نيسان).
وفيما دعت الأمم المتحدة إسرائيل وسوريا إلى التصرف بأكبر قدر من ضبط النفس لمنع التصعيد، استبعد قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إيشيل، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن تكون إسرائيل على حافة حرب مع إيران. وقال خلال المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب، إن "التصعيد في شكله الحالي لن يؤدي إلى مواجهة شاملة، لأن روسيا لن تسمح بذلك. ما سينشئ ميزان ردع متبادلاً بين إسرائيل وإيران". واعتبر أن العمليات التي تنفذها إسرائيل ضد إيران تهدف إلى تحريك عملية خلق ضغوط سياسية واسعة على إيران.
تابع الجنرال المتقاعد منذ 2017 "القدرات العسكرية الإسرائيلية لن تُخرج الإيرانيين من سوريا... الجهود الديبلوماسية فقط يمكنها فعل ذلك. وهذه الجهود لديها عنوان واحد، هو روسيا". وحذّر إيشيل من وجود احتمال كبير لانقلاب روسيا على إسرائيل.