أفاد علماء بأنّهم اكتشفوا هيكلين ضخمين "يُشبهان البالون" في وسط مجرتنا درب التبانة التي تنتمي إليها الأرض والشمس وبقية المجموعة الشمسيّة.
ويُلقي زوج الفقاعات الشاسعة- وهما يمتدّان على بعد مئات السنين الضوئيّة- إشارات راديو، ويشكّلان بعض أكبر العناصر على الإطلاق في وسط مجرتنا.
إنهما ضخمان جداً لدرجة أنهما يُقزّمان الهياكل الراديويّة الأخرى كافة حول منتصف مجموعة المجرّات القريبة من درب التبانة.
وقال الباحثون إنّ التكوينين ربما تشكّلا بعد انفجار ضخم مفعم بالطاقة حدث قرب الثقب الأسود الهائل الذي يطفو في مركز درب التبانة.
وتحدّث في هذا المجال إيان هيوود من جامعة "أكسفورد" البريطانيّة، وهو الباحث الرئيس في مقالة علميّة نُشرت في مجلة "نيتشر" البريطانيّة، وقال إنّ "مركز مجرّتنا هادئ نسبياً مقارنة بالمجرّات الأخرى ذات الثقوب السوداء المركزيّة النشطة جداً.
على الرغم من ذلك، يحدث أن يصبح الثقب الأسود المركزيّ في درب التبانة، من وقت إلى آخر، نشطاً بشكل استثنائي، آخذاً في الاضطراب فيما يلتهم كتلاً ضخمة من الغبار والغاز بشكل دوريّ. يُحتمل أنّ حدثاً ضخماً كهذا تسبّب بثوَرانات هائلة ضخّمت هذين الجسمين اللذين لم يلحظهما العلماء سابقاً".
رَصد الهيكلين الضخمين تلسكوب "ميركات" مرصد الفلك الراديويّ في جنوب أفريقياSARAO، الذي استخدمه البروفيسور هيوود وفريقه لرسم خريطة للمناطق الموجودة في وسط مجرّتنا. حقّقوا ذلك عبر البحث عن انبعاثات راديويّة بطول موجيّ محدد جداً، يمكن استخدامها لإيجاد مناطق حيويّة تحديداً في الفضاء، من خلال النظر في السحب الكثيفة التي تمنعنا عادة من رؤية مركز المجرّة عبر البحث عن الضوء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باستخدام تلك التقنيات بغية إلقاء نظرة على الفقاعتين الضخمتين، من ثم دراسة حجمهما وشكلهما واستكشاف أنّهما تبدوان متطابقتين تقريباً، عثر الباحثون على أدلة تشير كما يقولون إلى أنّهما تشكّلتا في خضم ثوران كثيف. يبدو أنّ ذلك حدث على مدى فترة زمنيّة قصيرة، ولكنه كان قوياً جداً لدرجة أنه اخترق مادة الفضاء.
في سياق مماثل قال ويليام كوتون، عالم الفلك في "المرصد الوطني لعلم الفلك الإذاعيّ" في شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا الأميركيّة، وباحث مشارك في الدراسة، "إنّ شكل الفقاعتين وتطابقهما يُوحيان بقوة بأنّ حدثاً ضخماً مدهشاً وقع قبل بضعة ملايين من السنين قرب الثقب الأسود المركزيّ في مجرّتنا".
أضاف، "ربما نشأ الانفجار جراء كميات هائلة من الغاز البينجميّ (المادة الأولية لتكوّن النجوم) كانت تتساقط في الثقب الأسود، أو انفجار هائل في تشكيل النجوم أرسل موجات ارتجاجية تتحرّك عبر مركز المجرّة. وفي الواقع، ملأ ذلك الفقاعتين المتضخِّمتين بالغاز الساخن المؤين بالقرب من مركز المجرّة، ماداً إياه بالطاقة ومولِّداً موجات راديو يمكننا رصدها في نهاية المطاف هنا على الأرض".
ويختلف الفضاء المحيط بالثقب الأسود للمجرّة عن ذلك الموجود في أي مكان آخر في درب التبانة، وهو أكثر اضطراباً ونشاطاً من أي جزء آخر من المجرّة. وإلى ذلك، تتميّز تلك المنطقة بأنها غامضة جداً، لأنّ ملاحظتها قد تكون متعذّرة للغاية، إذ ثمة خيوط مجريّة (أكبر البنيات في الكون وتكون خالية من المجرّات لذلك تبدو كأنها فقاعات سوداء) ضخمة وطويلة وضيقة لم يرصدها العلماء في أي مكان آخر، ولا يفهمونها حتى الآن.
وفي مقدور البُنيتين المُكتشفين حديثاً أن تساعدا في إلقاء الضوء على تلك الخيوط. كلاهما تشكّلتا من الحدث الغامض النشط نفسه.
وقال فرهاد يوسف زاده من جامعة "نورث وسترن" في مدينة إيفانستون في ولاية إلينوي الأميركية، وهو باحث مشارك في الدراسة إنّ "الفقاعتين الراديويّتين اللتين اكتشفهما مركز "ميركات" تُلقيان الآن الضوء على أصل الخيوط المجريّة. وجميعها تقريباً التي يتجاوز عددها مئة خيط محصورة في الفقاعتين الراديويّتين".
حتى الآن، كانت رؤية الهيكلين غير ممكنة لأنهما كانا يتموضعان وراء وهج الإشارات الساطعة المقبلة من مركز المجرّة. ولكن تمكّن العلماء من استخدام تقنيات حديثة للنظر في تلك الانبعاثات المبهرة ورؤية التشكيلين الجديدين البارزين.
وقال فرناندو كاميلو من مرصد SARAO في مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا وباحث مشارك في الدراسة، إنّ "الفقاعتين الهائلتين محجوبتان حتى الآن بسبب وهج انبعاثات راديو فائقة السطوع مقبلة من وسط مجرّة درب التبانة".
وأضاف، "كان اكتشاف الفقاعتين على الرغم من الضوضاء الخلفية عملاً فذاً فنيّاً، لم يتحقّق إلا بالخصائص الفريدة لمرصد "ميركات" وموقعه المثاليّ. مع هذا الاكتشاف المفاجئ، نشهد في درب التبانة مظاهر جديدة لتدفقات المادة والطاقة على نطاق مجرّة، يحكمها الثقب الأسود المركزيّ في نهاية المطاف".
ونُشر البحث الجديد في مجلة "نيتشر"، وتولى كتابته 15 باحثاً من مؤسسات مختلفة. وهذه الدراسة هي الأولى التي تقدِّم تفاصيل عملية البحث التي أنجزها مركز "ميركات" على نطاق واسع منذ إطلاقها العام الماضي.
© The Independent