بعد أدائه العاطفي والمسلّي والوداعي، على طريقته الخاصة المعهودة ، بما في ذلك ربطة عنقه المزخرفة بشكل فاقع من نوع فان بك ، وقف نواب المعارضة مصفقين طويلاً لرئيس مجلس العموم جون بيركو بحرارة وحماس.
لم يكن غريباً أن الغالبية العظمى من أولئك الذين كانوا على مقاعد المحافظين لم يحذوا حذو نواب المعارضة لجهة الحفاوة ببيركو. فالمحافظون جلسوا مكتوفي الأيدي عموماً ، وبرغم تبادل مجاملات قليلة بين الرئيس المستقيل ومايكل غوف عضو مجلس الوزراء الذي يرأسه جونسون ، كان البرود الذي ساد مقاعد المحافظين مفهوما.
ربما لن يخطر في بالك على الإطلاق أن غوف حاول بنشاط ، قبل وقت غير بعيد ، التخلص من بيركو. لكن هكذا يجامل أعضاء مجلس العموم بعضهم بعضاً، لأن الرئيس قد خدع المحافظين وبوريس جونسون، هذا إذا كنت لاستخدم عبارة غير برلمانية نوعا ما لتوصيف فعله.
إن أحد المرغبّات بإجراء انتخابات مبكرة، بالنسبة لجونسون، هو أنها ستتيح لمجلس العموم المقبل انتخاب رئيسه الجديد. وإذا فاز المحافظون بأغلبية كبيرة، فسيسمح لهم ذلك باختيار رئيس أكثر توافقًا وتعاطفًا معهم، وأقل ميلًا للسماح لأعضاء مجلس العموم بالسيطرة على شؤونه. كما سيسمح لهم باختيار شخص أكثر استعدادا للسماح للوزراء بممارسة صلاحياتهم المعتادة ، أو بعبارة أخرى ، من سيكون مجرد عميل لجونسون.
لكن من خلال التنحي في وقت سابق للموعد الذي ينبغي به حتماً أن يترك العمل، وتوقيت رمزي لأنه يصادف اليوم المفترض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، يكون بيركو قد حرص على انتخاب بديل له من قبل المجلس الحالي المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر إلى أن العرف يقتضي تناوب الأحزاب الكبيرة على انتقاء رئيس البرلمان وأن بيركو كان من حزب المحافظين (من الناحية الشكلية)، يبدو أن أحد أعضاء حزب العمال سيكون مؤهلاً بصورة جيدة ليحل محلّه، وربما يكون البديل أحد نائبي بيركو الحاليين ليندسي هويلي أو كريس براينت. وسيكون براينت هو الأكثر جرأة والأقرب توجها لبيركو بين هذين المرشحين، كما أنه لا يمكن انتقاده لأي أسباب موضوعية.
كان من المقرر أن يتنحى بيركو قريبًا على أي حال، وكان من الطبيعي أن يعلن عن استقالته خلال اجتماع برلمان جديد في غضون أسابيع. لكنه بتنحيه في هذا الوقت منع أعداءه في مجلس النواب، وهناك عدد منهم بالفعل، من انتخاب شخص مناقض له تماماً رئيساً للمجلس، مثل نايجل إيفانز، وهو نائب سابق لرئيس مجلس النواب، أو حتى الوزير جاكوب ريس موغ، الذي تراجعت مكانته إلى حد ما في الأيام الاخيرة.
أما بالنسبة لسجل بيركو، فكما يقال التاريخ يكتبه المنتصرون. إن البرلمان لم يشهد منذ الحقبة الإدواردية مثل هذه التجارب والضغوط التي شهدها في السنوات القليلة الأخيرة. فخلال الشطر الأكبر من ولايته التي ناهزت عقدا من الزمن، أشرف الرئيس الحالي على تعليق البرلمان في مناسبات عدة وكذلك على التصدعات التي أحدثها مشروع الخروج من الاتحاد الاوروبي.
لا بد من القول إن المهرجان يتواصل، وأن الديمقراطية البرلمانية البريطانية لا تزال تعمل نوعا ما، وذلك ربما يكون من أعظم إنجازات بيركو الكثيرة كرئيس للبرلمان.
حجبت أحداث الفترة الهامة الأخيرة إصلاحاته الأخرى في مجلس العموم، علما أنه كان أشد حماسة للإصلاح من معظم رؤساء البرلمان السابقين. كما ساعدت جهوده، مع أنها لم تكن كلها ناجحة تمامًا، على استعادة بعض من هيبة النواب التي ضاعت بعد فضيحة النفقات.
سيبقى بيركو في ذاكرة مشاهديه التلفزيونيين عبر العالم أيضا بنبرات كلامه الرنانة وخطابه المنمق، المستوحى ربما من روايات جين أوستن. ومع ذلك، فإن "السيد المزعج"، كما يسميه منتقدوه السخيفين والمهووسين أحيانًا، سيظل شخصية مثيرة للجدل لفترة طويلة بعد تقاعده. إنه على الأقل يستحق الراحة.
© The Independent