ملخص
كيف يرى المراقبون هذه المبادرة وإمكان إحداثها اختراقاً يؤدي إلى وقف هذه الحرب، خصوصاً أن أوساطاً تعتقد بأنها تلقى قبولاً من المجتمع الدولي؟
في وقت تقترب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" من إكمال عامها الأول مخلفة 14 ألف قتيل وتدمير نحو 70 في المئة من البنى التحتية، فضلاً عن نزوح نحو 8 ملايين شخص داخل البلاد، ولجوء أكثر من 1.7 مليون منهم إلى دول الجوار، ظهرت على الأرض مبادرة (وثيقة) لإخماد نيران الحرب السودانية تحمل عنوان "مقترح الحل السياسي لإنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية"، ضمن مساعٍ للمضي قدماً في طريق بسط الديمقراطية في البلاد خلال مرحلة ما بعد الحرب، بما يرسي لتأسيس الدولة الجديدة.
لكن كيف يرى المراقبون هذه المبادرة وإمكان إحداثها اختراقاً يؤدي إلى وقف هذه الحرب، خصوصاً أن أوساطاً تعتقد بأنها تلقى قبولاً من المجتمع الدولي؟
جهد مطلوب
الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء أمين اسماعيل مجذوب قال إن "كل جهد يؤدي إلى وقف الحرب مطلوب ومرحب به، وهذه الوثيقة المقترحة تشمل نقاطاً إيجابية عدة يمكن البناء عليها، وأخرى تحتاج إلى نقاش حولها وتعديل من قبل القوى السياسية والقوات المسلحة. لكن المقترح لم يطالب بخروج الدعم السريع من منازل المواطنين التي احتلها، وإنما تحدث عن تجميد القوات في المواقع الحالية، مما قد يضعف المقترح أو ينسفه من الأساس".
وأردف أن "تزامن الإجراءات العسكرية مع إطلاق عملية سياسية بعد 21 يوماً، أمر غير عملي ولا يساعد على بناء الثقة بين جميع الأطراف، والمنطقي إكمال إجراءات الشق العسكري ومتطلباته التي قد تأخذ من ثلاثة إلى ستة أشهر تشمل وقف إطلاق النار، وتجميع القوات العسكرية لجميع الأطراف خارج الأعيان المدنية والمنازل والمواقع الحكومية، وإجراءات الدمج وإعادة التسريح DDR، وتكوين جيش نظامي موحد، ثم يبدأ المسار السياسي من دون إقصاء لأن الحرب أوجدت واقعاً جديداً يختلف عن الواقع في أبريل (نيسان) 2019".
وبيّن أن "الفترة الانتقالية يجب ألا تزيد على 18 شهراً تجري في نهايتها الانتخابات لأن طول الفترة الانتقالية سيجعل الأجواء مهيأة للخلافات السياسية وربما نشهد انقلابات عسكرية أخرى. ففترة الأعوام الأربعة للحكومة الانتقالية السابقة قادت إلى الحرب، ناهيك عن الأعوام الـ10. كما أن ربط المقترح بشخصية معينة فيه ظلم لتلك الشخصية وهي أصلاً مكان جدل ما بين مؤيد بشدة، ومخالف بشدة، وكذلك ربط المقترح أيضاً بمجموعة سياسية معينة باسمها يعيد إنتاج الاتفاق الإطاري الذي كان سبباً في التوترات والخلافات التي أدت إلى الحرب، فالتفاوض يتم لمعالجة جذور الأزمة السودانية وليس على أساس مكاسب الحرب، وهذه لم يعالجها المقترح بصورة واضحة".
وأوضح مجذوب أن "عقدة كيفية مشاركة المكون العسكري في الفترة الانتقالية ما زالت تراوح مكانها، وتجربة الشراكة ما بين (2019 و2023) دلت على خطأ وعدم منطقية هذا النظام الذي ينتج الخلافات مجدداً، والأنسب الاختيار بين نموذج 1964 (مجلس سيادي مدني كامل) أو نموذج 1985 (مجلس عسكري كامل)".
أوراق اللعبة
من جانبه، أكد المتخصص في الاقتصاد السياسي بالجامعات السودانية حسن بشير محمد نور أن "هذه الوثيقة لم تخرج عن روح الوثيقة الانتقالية لعام 2020 والاتفاق الإطاري 2022 إلا بإضافة ما فرضته وقائع الحرب الراهنة، لكن بصورتها الراهنة كأنها تضع العربة أمام الحصان لأنها لم تستوعب كيانات فاعلة في المشهد السوداني، منها أحزاب سياسية مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث الأصل وربما حزب الأمة، وفقاً للبيان الثلاثي الأخير الذي ورد فيه رفض الشراكة مع المكون العسكري (الجيش والدعم السريع)، إضافة إلى الجزء الأعظم من لجان المقاومة، كما ذكرت شراكتها مع حركات اتفاق جوبا وعدم الاتفاق مع حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور".
وتابع أنه "بذلك تشبه هذه الوثيقة في مصيرها الإعلان الذي وقعه رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك مع قادة الانقلاب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 بدليل رد الفعل من أوساط مهمة سمّت هذه الوثيقة ’وثيقة خيانة الشعب‘. ففي نظري أكبر مشكلة في هذه الوثيقة قبول الشراكة مع الجيش والدعم السريع مع استبعاد القائدين في القوتين ومنح الحصانة لهما، وهذه مشكلة تضرب مبدأ العدالة لأن المشكلة ليست في شخصين وإنما في مجمل المؤسسات والجرائم الجسيمة المرتكبة التي غالباً الحصانة حولها لن تجد القبول من قطاعات فاعلة بعد ما ارتكب من جرائم منذ عهد النظام السابق وصولاً إلى جرائم الحرب الراهنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف محمد نور أن "الإشارة إلى القوى الواقعة خارج أطراف الاتفاق التي تضم الجيش والدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) وحركات اتفاق سلام جوبا، لن تكون مفيدة للاتفاق نسبة إلى عدم مشاركتها في وضع هذه الوثيقة، ولرفض معظم تلك المكونات الشراكة مع المكون العسكري بما في ذلك معظم حركات اتفاق جوبا التي أيدت انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وشاركت في الحرب مع أحد طرفيها، لذلك أتوقع أن تجد هذه الوثيقة رفضاً كبيراً من تلك الأطراف".
وقال "في تصوري أن الأطراف التي وضعت هذه الوثيقة على قناعة بأنها تمثل الطريق الواقعي الوحيد الذي يؤدي إلى إيقاف الحرب والحفاظ على وحدة السودان نسبة إلى توازن القوة في البلاد، إذ إن الأطراف المتحاربة التي تمتلك أوراق اللعبة هي التي يقف وراءها فاعلون إقليميون ودوليون، لذا على القوى السياسية المعارضة القبول بالأمر الواقع والعمل على بناء نفسها خلال الفترة الانتقالية استعداداً للانتخابات، فضلاً عن أن هذه الوثيقة مدعومة بقوة من أطراف فاعلة على المستويين الدولي والإقليمي من ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ودول الإقليم ودول الجوار وغيرها، وإلا لما كانت رأت النور من أساسها، كما أن تلك الأطراف هي التي يمكنها ضمان تطبيق الاتفاق والمساعدة الفاعلة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب".
وختم المتخصص في الاقتصاد السياسي أنه "يبقى على تلك الأطراف الدخول بصورة فاعلة وإيجابية في إقناع المعارضين لمبادئ هذه الوثيقة، لضمان أكبر إجماع يمكن أن يساعد في تشكيل حكومة انتقالية قابلة للحياة، وقبل ذلك إيقاف الحرب وتقديم المساعدات للملايين الذين يموتون جوعاً ومرضاً، إضافة إلى القتل المباشر من طرفي الحرب".
وقف العدائيات
هذه المبادرة التي يقف خلفها رئيس وزراء السودان السابق عبدالله حمدوك و"تجمع المهنيين السودانيين"، استندت إلى الجهود التي بذلت سابقاً في إطار وقف الحرب عبر إعلان جدة الموقع في الـ11 من مايو (أيار) 2023، وخريطة طريق "إيغاد" والاتحاد الأفريقي و"إعلان المبادئ" الموقع في المنامة بتاريخ 20 يناير (كانون الثاني) 2023.
وتتضمن الوثيقة دعوة إلى وقف الأعمال العدائية بين طرفي النزاع السوداني لمدة 60 يوماً وتشكيل حكومة انتقالية مدنية وجيش موحد خلال فترة تستمر 10 أعوام، وهي تتألف من ثلاثة أقسام تشمل مبادئ وأسس الحل الشامل ووقف العدائيات (الأعمال العدائية) والمساعدات الإنسانية، إضافة إلى العملية السياسية.
وتذكر المبادرة أن الأزمة السودانية دخلت منعطفات مفصلية ربما تعصف بوحدة السودان وتماسكه وتهدد الأمن الإقليمي والدولي، وأنها "تستهدف إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية، وهي موجهة إلى جميع القوى الراغبة في السلام والتحول الديمقراطي، كجهد وطني خالص نأمل في أن يؤدي إلى سلام شامل ومستدام في البلاد".
وتشدد المبادرة التي تأتي كوثيقة من المفترض أن يوقع عليها طرفا النزاع الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، على "ضرورة رفع المعاناة عن كاهل شعبنا والتوصل إلى حلول للأزمة السودانية تنهي الحرب التي بدأت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 والتي يستلزم وقفها تكاتف أبناء الشعب السوداني بمختلف مكوناته وانتماءاته".
الأسباب الجذرية
وتشير إلى أنه ينبغي النظر إلى الأزمة السودانية منذ الاستقلال على أنها أزمة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة يجب الاعتراف بها وحلها حلاً جذرياً، موضحة أن الحرب الحالية سببت خسائر مروعة في الأرواح ومعاناة إنسانية لم يسبق لها مثيل من ناحية اتساع النطاق الجغرافي، وأنها دمرت البنى التحتية للبلاد وأهدرت مواردها الاقتصادية، لا سيما في الخرطوم ودارفور وكردفان.
وتؤكد الوثيقة الرغبة الصادقة في تسوية النزاع المستمر بصورة عادلة ومستدامة عبر حوار وطني ينهي جميع الحروب والنزاعات في السودان بمعالجة أسبابها الجذرية، والاتفاق على إطار للحكم يضمن لكل المناطق اقتسام السلطة والثروة بعدالة، ويعزز الحقوق الجماعية والفردية لكل السودانيين، مع إيمان راسخ بأن الشعب هو المالك الأصيل للسيادة والمصدر الأساس للسلطة.
وقبل أيام، حذرت الأمم المتحدة في وثيقة من أن 5 ملايين سوداني قد يواجهون في غضون بضعة أشهر "انعدام أمن غذائي كارثياً" بسبب الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم منذ قرابة عام.
وتقيس وكالات الأمم المتحدة حالات انعدام الأمن الغذائي في العالم على سلم يضم خمس مراحل أقصاها هي حال المجاعة. وتحتل حال الطوارئ الغذائية على هذا السلم المرتبة الرابعة، أي إنها أدنى بمرحلة واحدة فقط من الحال القصوى.
وبحسب آخر تصنيف أممي لحال الأمن الغذائي في السودان، فإن عدد الذين يعانون حال طوارئ غذائية (المرحلة الرابعة) في هذا البلد يقدر بنحو 4.9 مليون شخص، أكثر من 300 ألف منهم يعيشون في وسط دارفور وأكثر من 400 ألف آخرين في غرب دارفور. وحتى الآن لم يتم تصنيف أحد في السودان في المرحلة الخامسة، أي "المجاعة".
والوضع الغذائي في السودان خطر عموماً، إذ إن ما يقارب 18 مليون سوداني يعانون انعدام أمن غذائي خطراً (المرحلة 3 وما فوقها)، وهو رقم "قياسي" خلال فترة الحصاد، ويزيد بمقدار 10 ملايين عن الفترة نفسها من العام الماضي.