Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عطيل" كازانتزاكس يزور الإسكندرية ويلقى مصيره

المخرج المصري محمد عطا غير نهاية النص اليوناني واحتفظ بأسئلته الفلسفية

من مسرحية "هاملت يعود" في مكتبة الاسكندرية (خدمة الفرقة)

ملخص

من المعروف أن الكاتب اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس وضع مسرحية تراجي – كوميدية وحيدة هي "عطيل يعود"، وقد اقتبسها المخرج محمد عطا وقدمها بالعامية المصرية على مسرح مكتبة الاسكندرية. لكنّ عطا بدّل النهاية بحسب ما يتماشى مع رؤيته الدرامية.

في مسرحيته الكوميدية المأسوية الوحيدة "عطيل يعود" لا يكف الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازانتزاكيس (1883-1957) عن إثارة أسئلته الفلسفية التي تتعلق بمصير الإنسان ومآلاته. هل يستطيع الإنسان تعدي دوره المرسوم له؟ هل كل ما يفعله، وما لا يفعله أيضاً، داخل في الدور الذي كتب له؟ وأين تنتهي الحقيقة، وأين يبدأ السراب؟ أين تنتهي العبودية، وأين تبدأ الحرية؟

كل هذه الأسئلة وغيرها، حافظ عليها المخرج محمد عطا في العرض الذي أعده وقدمه على مسرح مكتبة الإسكندرية، بالعنوان نفسه "عطيل يعود".

كتب صاحب "زوربا اليوناني" و"المسيح يصلب من جديد" وغيرهما من الأعمال الروائية والمسرحية فائقة الجمال، هذا النص المسرحي الذي نشر بعد وفاته بخمسة أعوام، إثر ترجمته لمسرحية "عطيل" لوليم شكسبير ومسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للكاتب الإيطالي لويغو بيراندللو، واستطاع توظيف الأول، والاستفادة من تقنية الآخر بحذق ومهارة، في نص آخر يخصه ويبث أفكاره ويطرح أسئلته من خلاله.

وإذا كان كازانتزاكيس استدعى "عطيل" من شكسبير في صورة أخرى عصرية، واستدعى كذلك بعض الشخصيات التي تريد بعثها من جديد، مثل كليتيمنيسترا ودكتور فاوست، فقد استدعى أيضاً من بيراندللو أسلوبه المعروف بالمسرح داخل المسرح، أو المسرح في الحياة والحياة في المسرح.

كان السؤال الرئيس الذي يخص عطيل شكسبير، هو أليس ثمة أمل في أن يتغير ياغو وعطيل، هل يمكن أن يغير كل إنسان قدره، وإذا حدث وتغير هذان البطلان فكيف يمكن أن تمضي بهما الحياة؟.

في نص عرض "عطيل يعود" نحن أمام فرقة مسرحية، يريد مديرها (أحمد جابر) أن يقدم عرضاً جديداً، يكون مشوقاً وجاذباً للجمهور، لكن أفكاره تعصاه، ولا يجد موضوعاً يكتب فيه نصاً يجلب الجمهور إلى مسرحه. يتقدم إليه مؤلفون بنصوص لا تعجبه، فيلجأ إلى مكتبته لعلها تعينه في القبض على موضوع فيه من الإثارة والمتعة ما يجعل عرضه جماهيرياً ناجحاً.

في المكتبة تخرج إليه بعض الشخصيات التي تريد منه أن يبعثها من جديد. كليتيمنيسترا تريد أن تعود لتؤدب غريمتها، ودكتور فاوست سمع عن طبيب جديد اسمه فورنوف أصبح أشهر منه، يريد أن يعود هو الآخر ليرى ما قدمه هذا الطبيب وتفوق به عليه. لكن مدير المسرح يرى أن مثل هذه الشخصيات لا تصلح هنا والآن، ولن تكون مصدر إثارة يرجوه لنص عرضه الجديد.

شخصية فاترة

وسط حيرة هذا المدير يخرج إليه عطيل بعد أن قابل شكسبير في القبر، وعلم منه أن ديدمونة لم تخُنه. هو يريد أن يعود للحياة مجدداً ليكفر عن ذنبه تجاهها، ويأخذها إلى الريف وينجب منها أطفالاً، ويقوم بزراعة الكرنب، ويعيش معها في هدوء بعيداً من قيادة الجيش والصراعات ومؤامرات ياغو التي جعلته يقتلها، ظناً منه أنها خانته.

هذه الوضعية الجديدة التي أراد عطيل أن يُبعث عليها، لا تعجب مدير المسرح الذي رأى أن شخصية عطيل هنا ستكون فاترة، ولن تثير اهتمام الناس. ولأن المسرح له التزامات، قرر أن يقدم هذه المأساة في ثوب جديد، ويسند الأدوار إلى ممثلين في فرقته، يعيشون ظروفاً حياتية تجعلهم أقرب إلى شخصيات شكسبير.

ثلاث شخصيات لها نفس ظروف مأساة عطيل. ميتسو الذي سيلعب دور ياغو، هو نفسه يحب ماريا، ولا يكف عن مغازلتها ومطاردتها، وهي زوجة زميله في الفرقة أليكو الذي سيقوم بدور عطيل. يدرك المدير أن أليكو (عطيل) لن يستطيع الفصل بين حياته الخاصة ودوره في المسرحية، مما سيجلب مزيداً من الإثارة والتشويق، ويجعل عمله ناجحاً. وبالفعل تحدث مواقف كثيرة لا يستطيع من يقوم بدور عطيل التفريق فيها بين دوره في المسرحية وحياته مع زوجته ماريا التي تؤدي دور ديدمونة.

وكلما قرر أليكو/ عطيل الانسحاب من المسرحية، تأتيه الإجابة من مدير المسرح "دورك مرسوم ولن تستطيع أن تتعداه". حتى ميتسو تأخذه الشفقة بزميله، ويحاول أن يبرئ ماريا/ ديدمونة من تهمة الخيانة، لكن أليكو/ عطيل يشك في صدقيته قائلاً "أخشى أن تكون لعبة جديدة من ألعابك" ويمضي في شكه، ليكون مصيره الهلاك بعد ذلك.

لقد كانت ماريا/ ديدمونة بريئة من تهمة الخيانة، ولكن الورقة التي لعب بها مدير المسرح كانت خطاباً منها إليه تطلب منه أن تخون زوجها في المسرحية، رغبة منها في خوض هذه التجربة التي لم تخُضها في الحياة مع زوجها الذي تحبه وتخلص له.

مأساة مزدوجة

ينتهي الأمر بتقديم المسرحية، ويقوم أليكو/ عطيل بعدما استبد به الشك بخنق ماريا/ ديدمونة في مشهد صاخب، وفي النهاية يقدم مدير المسرح الشكر للمشاهدين، راجياً أن تكون المسرحية نالت استحسانهم، مؤكداً أن ماريا/ ديدمونة لم تمُت، وأنها كانت مجرد لعبة. يطلب من ماريا أن تقوم لتقديم تحيتها إلى الجمهور، لكنها لا تقوم، فقد قتلت بالفعل.

في نص كازانتزاكيس لا تموت ماريا، لكن المعد هنا أراد أن يذهب أبعد من كاتب النص الأصلي ليجعل المأساة مضاعفة،  مما يمكن أن يكون محل خلاف. المبالغة لم تكن مطلوبة، خصوصاً أن الرؤية كانت قد اكتملت والأسئلة تواترت والإثارة بلغت مداها. هو أراد أن يقول إن عطيل سيظل عطيل وإن مصيره لن يتغير، حتى لو كان الأمر مجرد لعبة مسرحية تتماهى فيها حياة الممثل مع دوره على الخشبة. وما عطيل هنا إلا نموذج الرجل الذي لا يصدق الحقيقة ويمضي في ضلاله حتى الهلاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أياً كانت نقاط الخلاف مع النهاية التي ذهب إليها الإعداد، فقد صاغ المخرج عرضه بحساسية ورهافة، موازناً بين الكوميديا والمأساة، من دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، وكان حريصاً على اختيار ممثليه بعناية، فعطيل (قام بدوره إسلام عيسى) كان قريباً إلى المواصفات الجسدية نفسها التي صورها شكسبير للقائد المغربي، ومدركاً للمأساة المزدوجة التي يعيشها، داخل المسرحية وخارجها، مما مكنه من أداء الدور بإتقان وإقناع، وكذلك ياغو (محمد عطا) بتمزقه بين غيرته من عطيل وإشفاقه عليه، وأحمد جابر( مدير المسرح) الذي لا تأخذه الشفقة بممثليه من أجل تقديم عرض يرضي الجمهور، ومي ربيع (ديدمونة) الممزقة هي الأخرى بين العمل في المسرحية أو المغادرة مع زوجها الذي تحبه، ومواجهة مصيرهما البائس بعيداً من المسرح، وفي الأدوار الأخرى زينب وحيد وتقى علي وآية مازن ومحمد الجمسي ونسمة علي. ديكور العرض (تصميم مريم زهران) توخى البساطة والتقشف، وكذلك أجواء البروفات التي تجرى على الخشبة. مسرح شبه خالٍ إلا من بعض الأدوات البسيطة التي استخدمت، منضدة وبضعة مقاعد ومنصة، وفي العمق مستوى مرتفع عبارة عن مدرجات، وبعض الموتيفات التي استعلمت بذكاء، ومرآة يرى الجمهور فيها نفسه وكأنها إشارة إلى تماهيه هو الآخر مع شخصية عطيل.

حرص المخرج كذلك، وكأنه يتمثل شخصية مدير المسرح في النص الذي يريد إمتاع الجمهور وتشويقه، على إضفاء نوع من البهجة من خلال الفرقة الاستعراضية التي كانت تجري بروفاتها هي الأخرى استعداداً للمشاركة في العرض. ربما لو استغنى عنها ما تأثرت الدراما، ولكن يبدو أنه أراد، فضلاً عن إمتاع الجمهور، وضع هذا الجمهور في أجواء واقعية لبروفة عرض مسرحي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة