ملخص
أعلنت الحكومة الأميركية، العام الماضي، عن جوائز بقيمة 3.5 مليار دولار للمشاريع التي تعد بسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ويستكشف صناع السياسات أيضاً أنواعاً جديدة من الهندسة الجيولوجية عبر التلاعب المتعمد والواسع النطاق بالأنظمة الطبيعية للأرض.
يستمر تغير المناخ بفرض صورة قاتمة تقودنا إلى كوكب أكثر سخونة، وآخر الأخبار الصادمة جاءت من مرصد "كوبرنيكوس" لمراقبة تغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي الذي أفاد بأن درجات حرارة الهواء والمحيطات في العالم سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق الشهر الماضي، ليضيف أن الأشهر الـ12 المنتهية في مارس (آذار) الماضي صنفت أيضاً على أنها الفترة الأكثر سخونة التي سُجلت على كوكب الأرض في التاريخ.
المسبب الرئيس لهذه الظاهرة معروف منذ عقود، فقد أدت مركبات الوقود الأحفوري ومحطات الطاقة وإزالة الغابات والممارسات الزراعية غير المستدامة، إلى إطلاق كمية من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تفوق ما تستطيع أنظمة الأرض إزالته بشكل طبيعي، وهذا ما يتسبب بارتفاع حرارة الكوكب.
وهنا يأتي دور الهندسة الجيولوجية، التي تهدف من الناحية النظرية إلى استعادة هذا التوازن إما من طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون الزائد من الغلاف الجوي أو عكس الطاقة الشمسية بعيداً من الأرض، ودعماً لهذا الغرض أعلنت الحكومة الأميركية، العام الماضي، عن جوائز بقيمة 3.5 مليار دولار للمشاريع التي تعد بسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ويستكشف صناع السياسات أيضاً أنواعاً جديدة من الهندسة الجيولوجية عبر التلاعب المتعمد والواسع النطاق بالأنظمة الطبيعية للأرض.
إدارة الإشعاع الشمسي
تقوم إدارة الإشعاعات الشمسية أو كما يسميها العلماء "الهندسة الشمسية" على استراتيجيتين وهما "تبييض السحب البحرية" و"حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير"، وتهدفان نظرياً إلى عكس الطاقة الشمسية بعيداً من سطح الأرض.
يكون "حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير" عبر زرع الغلاف الجوي العلوي بمليارات من الجزيئات الصغيرة التي تعكس ضوء الشمس مباشرة إلى الفضاء، أما "تبييض السحب البحرية" فيكون عبر زيادة انتشار السحب الأكثر سطوعاً والأقل مستوى، التي تعكس ضوء الشمس، من طريق رش مياه البحر في الهواء لزيادة تركيز بخار الماء.
وبحثاً عن حلول مبتكرة، اقترح بعض العلماء المضي قدماً بفكرة طموحة تقضي بتركيب صفائف من المرايا الفضائية التي يمكن أن تقلل درجة الحرارة العالمية من طريق عكس الطاقة الشمسية بعيداً قبل أن تصل إلى الغلاف الجوي.
وعلى رغم أن إدارة الإشعاع الشمسي قادرة من الناحية النظرية على تبريد الكوكب، فإنها يمكن أن ينتج منها آثار جانبية جذرية من خلال تغيير أنماط الدورة الجوية العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الظواهر الجوية المتطرفة، وتوقعت دراسة أجريت عام 2022 ونشرت في المجلة العلمية "نايتشر" أن يغير حقن "الهباء الجوي الستراتوسفيري" أنماط هطول الأمطار العالمية ويقلل الإنتاجية الزراعية.
أما المرايا الفضائية الموضوعة بين الشمس والأرض فيقول العلماء إنها يمكن أن تحجب اثنين في المئة من الإشعاع الشمسي وتثبت درجة الحرارة العالمية، لكن هذه التكنولوجيا لا يزال أمامها ما لا يقل عن 20 عاماً من التطوير، وسوف تكلف تريليونات الدولارات، والأهم من ذلك يبقى أن التأثير العالمي الشامل لتظليل سطح الأرض غير معروف إلى حد كبير.
إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء
تحمل تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون بصورة عامة أخطار أقل من التعامل مع الإشعاع الشمسي، وتتمحور حول احتجاز وإزالة ثاني أكسيد الكربون من محطات توليد الطاقة والمصانع وتخزينه تحت الأرض في خزانات جيولوجية عميقة، وقد ثبت أن هذا أمر محتمل، لكنه يثير مخاوف من تسبب التسربات بتلوث طبقات المياه الجوفية والإضرار بالصحة العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يزال الالتقاط المباشر للهواء المصمم لسحب الكربون في مراحله المبكرة، ولكنه يوفر ميزة القدرة على تقليل المستويات الحالية لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ويؤكد العلماء أن هذه العملية ستكون مكلفة، حيث ستصل كلفتها إلى 600 دولار لكل طن متري يتم احتجازه من ثاني أكسيد الكربون.
مشاريع عملاقة لاحتجاز الكربون
في عام 2021، افتتحت شركة "كلايموركس" السويسرية في أيسلندا منشأة "أوركا" التي تستخدم المرشحات لاستخراج أربعة آلاف طن متري من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي كل عام، وتقوم بتسخينه لتكثيفه وتخزينه تحت الأرض.
وتعمل الشركة السويسرية على تكثيف عملية "احتجاز الكربون"، من خلال منشأة جديدة تسمى "ماموث" من المقرر أن تبدأ عملياتها في أيسلندا هذا العام، وستكون منشأة "ماموث" قادرة على التقاط 36 ألف طن متري سنوياً وتخطط للوصول إلى سعة غيغا طن بحلول عام 2050.
وتبني شركة "أكسيدنتال بتروليوم" الأميركية منشأة "ستراتوس" الأضخم في العالم لالتقاط ثاني أكسيد الكربون المباشر بقدرة خمسة ملايين طن متري سنوياً وتخطط لتشغيلها العام المقبل، وستستخدم الشركة مراوح عملاقة تنفخ الهواء عبر الماء الذي تمت معالجته لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم تضيف المواد الكيماوية لعزل ثاني أكسيد الكربون وخلطه مع الماء ليصار بعدها إلى ضخه تحت الأرض.
وعلى خط مواز، تعتزم شركة "كربون كابتشر" الأميركية الشروع في مشروع "بيسون" ضمن ولاية وايومنغ لإزالة خمسة ملايين طن متري من الكربون من الهواء سنوياً بحلول 2030، وهذا يعادل محو الانبعاثات السنوية لأكثر من 12 محطة لتوليد الطاقة تعمل بالغاز الطبيعي.
وتقوم شركات مثل "شيفرون" بتطوير تكنولوجيا لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من المداخن، بينما تستثمر شركات أخرى مثل "مايكروسوفت" في الشركات الناشئة التي تعمل على إخراج الغازات الدفيئة من الهواء مباشرة.
ويتزامن كل ذلك مع تقديرات للعلماء تشير إلى أن العالم سيحتاج بحلول منتصف القرن إلى إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي سنوياً للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى آمن نسبياً يبلغ 1.5 درجة مئوية، وتقاس القدرة العالمية حالياً لإزالة الكربون بآلاف الأطنان سنوياً، من هنا تنبع الحاجة إلى الاستثمار في هذه التكنولوجيا على نطاق واسع.
تجربة الهندسة الشمسية
وفي ما يتعلق بتجارب "الهندسة الشمسية" أطلقت مجموعة من العلماء الأميركيين بداية الشهر الجاري تياراً من جزيئات الملح المجهرية إلى السماء من على سطح حاملة طائرات خرجت من الخدمة في ألاميدا، على الشاطئ الشرقي لخليج سان فرانسيسكو.
ويستخدم هذا المشروع المسمى "البحوث والمشاركة في الهباء الجوي الساحلي" (CAARE)، والذي تشرف عليه جامعة واشنطن، رشاشات مصممة خصيصاً لإطلاق تريليونات من جزيئات ملح البحر في السماء في محاولة لزيادة كثافة السحب البحرية والتمكن من تحقيق قدرة انعكاسية لأشعة الشمس، وستستمر التجربة حتى نهاية مايو (أيار) المقبل، وفقاً لنموذج تعديل الطقس الذي قدمه العلماء إلى الجهات التنظيمية الفيدرالية.
ويأتي المشروع مع استمرار الحرارة العالمية في طمس سجلات درجات الحرارة الشهرية والسنوية ووسط اهتمام متزايد بتعديل الإشعاع الشمسي من ممولي وادي السيليكون وبعض المجموعات البيئية.
ويأتي ذلك أيضاً بعد إنهاء تجربة لجامعة "هارفرد" الشهر الماضي كانت تهدف لحقن الهباء الجوي العاكس في طبقة الستراتوسفير قرب السويد قبل أن يتم إلغاؤها بعد معارضة من مجموعات السكان الأصليين.