كل من يقف اليوم خارج المحكمة الدستورية العليا حاملاً يافطة كتب عليها "أوقفوا بريكست" أساء كلّياً فهم الأسباب التي دفعتني إلى رفع قضية ضد الحكومة كما أساء فهم جوهر هذه القضية.
فهي أهمّ من بريكست بكثير. لأنها تتعلق بنهج الحكم الذي نعيش في ظلّه وبحماية حرياتنا الديمقراطية القديمة وهي محاولة مستميتة لمنع وقوع سابقة خطيرة تهدّد بإضعافنا جميعاً من النواحي الدستورية والسياسية والاقتصادية.
لذا دعوني أبدأ بتصحيح مغالطتين منتشرتين حول قضيتي.
أوّلاً، إنتشرت تلميحات تقول بأنّ المحكمة العليا "ردّت" قضيتي منذ أسبوعين. هذا غير صحيح. فما حصل هو أنّ القضاة اعتبروا المسألة في غاية الأهمية بالنسبة لنا جميعاً لدرجة أنها تستحق التحويل الفوري والمباشر إلى المحكمة الدستورية العليا. ولو لم تحمل القضية أية أهلية لما مُنحت حق الاستئناف، ولما حصلت القضية على الامتياز النادر بـ"القفز" بهذه العجلة نحو أعلى محكمة قضائية في المملكة المتحدة.
كما قيل إن الحكم سيصدر اليوم. وهذا أيضاً غير صحيح. سوف تُعرض القضية يوم الثلاثاء بدون شك ولكن يمكن ألا يصدر الحكم قبل انقضاء عدة أيام، أو أكثر بعد.
نستهين بالقضية إن اكتفينا بالقول إنها مهمّة فحسب. فتوازن القوى بيننا نحن الناخبون من جهة وبين السلطة التنفيذية التي انتخبناها كي تمثّلنا من الجهة الأخرى، يمكن أن يتأثر بشكل لا رجعة عنه وفقاً لنتيجة هذه القضية.
والأكيد هو أنّ جونسون لا يحاول أن يمكّن أي منا. بل ما نواجهه فعلياً بسببه هو خطر يتربص بدستورنا ويقوّض ديمقراطيتنا النيابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فلنتخيل أن بوريس جونسون، أو أحد خلفائه في رئاسة الوزراء، قرر أن يعيد العمل بضريبة الرؤوس المفروضة على الجميع أو المادة 28 المعادية للمثليين أو أن يعيد عقوبة الإعدام إلى الدستور. لا بد أن الموضوع سيلاقي هجوماً وانتقاداً ولكن على الرغم من ذلك سوف تطبّق هذه القرارات بسهولة إن أتيح لجونسون الآن الحصول على مراده.
فتعليق البرلمان، إن لم نتصدى له، يمثّل حق رئيس الوزراء بفعل كل ما يشاء مهما كانت حدّة المعارضة لتصرّفه أو شراستها.
وما نشهد عليه الآن هو محاولة تاريخية تقوم بها السلطة التنفيذية لانتزاع النفوذ من الشعب. يريد جونسون بصفته رئيساً للوزراء، أن يضع نفسه فوق القانون. ويريد أن يتخلى عن الضوابط والموازين الدستورية التي تراكمت عبر قرون من الزمن وجعلت من نظامنا البرلماني الحالي آلة مستقرة ودقيقة، تحظى باحترام الشعب البريطاني وبإعجاب العالم أجمع بسبب ثباتها ومصداقيتها.
وما يسعى إليه جونسون ببساطة هو قلب المؤسسة الدستورية كلياً كي تحصل السلطة التنفيذية على مرادها على الرغم من مخاوف النواب الجدية بشأن السياسة العامة. ليس هذا العمل مستهترا فحسب بل هو غير محافظ تماماً.
ولهذا تتّحد ضدّه كل الأطراف السياسية، بغض النظر عن خيارها في استفتاء الاتحاد الأوروبي. ولهذا صاح النواب بأعلى صوتهم وقالوا "عارٌ عار" مع بدء عملية تعطيل البرلمان رسمياً الأسبوع الماضي.
كان بإمكان أي رئيس للوزراء قبل جونسون أن يقدم على هذا التصرف بسبب ضعف دستورنا من جهة أنه غير مدوّن. لكن لحسن الحظّ أنّ لا أحد قبله تحلّى بهذا القدر من التعجرف والمكر كي يتلاعب بإجراءات ديمقراطيتنا النيابية من أجل تحقيق رغبات السلطة التنفيذية في الشأن السياسي العام.
لطالما تقيّدت الملكة بالأعراف الدستورية كاملة طبعاً. فهي السبب الرئيسي الذي جعل من هذا الحكم الملكي حكماً طويلاً ومستقراً وناجحاً. ولكن يبدو أن جونسون لا يأبه لهذه الأعراف نفسها.
في وقت سابق من هذا الشهر في المحكمة العليا، لم يُعطى فريقي القانوني الماهر بقيادة اللورد بانيك سوى يوم واحدٍ كي يعرض قضيّته. وربّما لم يكن الوقت حليفنا لكن القانون والحقيقة كانتا حليفينا وحتى عندما اقتصرت الحجج القانونية على نقاط لا أكثر، لم تفقد من قدرتها على الإقناع.
وعرض اللورد بانيك القانون بهدوء ومنطق، وهو الرجل نفسه الذي كان من حسن حظي أنه مثّلني خلال طعني القضائي الناجح في محاولة حكومة تيريزا ماي الهيمنة على السيادة البرلمانية.
ولذا، بعيداً عن الدخول بالمسائل السياسية، توزعت حججه ضد تعليق البرلمان على ثلاث نقاط. أولاً، لم يدم تعليق البرلمان أكثر من ثلاثة أسابيع فقط خلال الأعوام الأربعين الماضية؛ وثانياً، تعدّ نصيحة رئيس الوزراء للملكة "إساءة لاستعمال السلطة"؛ وأخيراً، يحصل هذا الانتهاك للسيادة البرلمانية خلال فترة "زمنية حسّاسة" أي قبيل الموعد النهائي لحصول بريكست في 31 أكتوبر (تشرين الأول).
وفي المقابل، بدت الحجج التي قدمها محامو جونسون مقتطفات سياسية أكثر منها محاولة جدية بالتفاعل البنّاء. فخلال هذه المحنة الوطنية، يمكن تلخيص القضية بانها تأخذ بالاعتبار مشاعر أقلية على حساب الأكثرية.
في هذه الأثناء، على القضاة أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: هل ما يفعله جونسون منطقي؟
(جينا ميلر ناشطة في شؤون الشفافية وسيدة أعمال)
© The Independent