حزمة المساعدات العسكرية الأميركية بين حلفاء الغرب ومعسكر الشرق

ردود فعل دولية متباينة قوبل بها قرار مجلس النواب الأميركي بالموافقة على تقديم حزمة مساعدات بنحو 95 مليار دولار إلى مناطق الصراع في أوكرانيا وقطاع غزة وتايوان، إذ رحب بها الحلفاء الغربيون في أوروبا وأميركا الشمالية وأوكرانيا وإسرائيل، بينما رفضها المعسكر الشرقي الذي تقوده روسيا والصين وإيران، وكذلك السلطة الفلسطينية.

وتوفر حزمة المساعدات العسكرية 60.84 مليار دولار لأوكرانيا، و26 مليار دولار لإسرائيل منها 9.1 مليار دولار للحاجات الإنسانية، و8.12 مليار دولار لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك تايوان.

ومن المقرر أن يتم تمرير برنامج المساعدات العسكرية التي وافق عليها مجلس النواب إلى الغرفة الثانية من الكونغرس الأميركي وهي مجلس الشيوخ وكذلك الرئيس جو بايدن.

دعم أميركي

وعقب التصويت قال بايدن في بيان إن المساعدات "تأتي في لحظة ملحة للغاية، إذ تواجه إسرائيل هجمات غير مسبوقة من إيران، وتواجه أوكرانيا قصفاً مستمراً من روسيا"، وإنها "رسالة واضحة في شأن قوة القيادة الأميركية حول العالم"، واعتبر أن النواب الأميركيين كانوا على مستوى تحديات "التاريخ"، حاضاً مجلس الشيوخ على المصادقة عليها في أسرع وقت.

وخلال مؤتمر صحافي قال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون "بكل صراحة، أفضل إرسال ذخائر إلى أوكرانيا على إرسال شبابنا للقتال".

المساعدات العسكرية التي أقرها مجلس النواب الأميركي تشمل أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا (أ ف ب)​​​​​​​

تلقف أوكراني

الحليف الأوكراني كان أكثر ترحيباً بسبب حزمة المساعدات الضخمة، إذ أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمساعدة من شأنها أن "تنقذ آلاف الأرواح"، و"تضع نهاية عادلة" للحرب مع روسيا و"يساعد أمتنا على أن تصبح أقوى".

وقال زيلينسكي في تصريحات إعلامية لوسائل إعلام متعددة إن المساعدات "سيشعر بها جنودنا على الخطوط الأمامية". وأشاد بدور "القيادة الأميركية" في الحفاظ على نظام دولي قائم على القواعد، وأضاف "سنستخدم بالتأكيد الدعم الأميركي لتقوية أمتنا ووضع نهاية عادلة لحرب يجب أن يخسرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

رغبة أوكرانية في امتلاك الألوية الجديدة المعدات العسكرية (أ ف ب)

وأكد الرئيس الأوكراني أن أنظمة الدفاع الجوي والأسلحة الطويلة المدى أولويات قصوى، وأضاف أن إقرار مشروع القانون سيوجه رسالة قوية إلى الكرملين مفادها أن الولايات المتحدة ستظل مع كييف وأنها لن تكون "أفغانستان أخرى".

وأردف زيلينسكي "أعتقد أن هذا الدعم سيعزز حقاً القوات المسلحة الأوكرانية وستكون لدينا فرصة للانتصار"، مشيراً إلى أن بعض قواته "منهكة" أيضاً، وقال "نحن في حاجة إلى استبدالهم، لكن هذه الألوية الجديدة يجب أن تمتلك المعدات العسكرية".

وقال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال على تطبيق "تيليغرام" إن الولايات المتحدة أظهرت "القيادة والتصميم" في النضال من أجل السلام والأمن.

رفض روسي

رد الفعل الروسي هو الآخر كان فورياً متضمناً أن المساعدات الأميركية الجديدة "لن تغير شيئاً" على الأرض، إذ أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن قرار توفير مساعدة لأوكرانيا "سيزيد الولايات المتحدة ثراءً وأوكرانيا دماراً بقتل مزيد من الأوكرانيين بسبب نظام كييف".

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن من الواضح أن الولايات المتحدة تريد من أوكرانيا "القتال حتى تضحي بآخر أوكراني"، وأضافت "تعمق واشنطن أكثر وأكثر في حرب بكل الوسائل ضد روسيا سيتحول إلى هزيمة نكراء ومهينة للولايات المتحدة على غرار ما حدث في فيتنام وأفغانستان"، وتابعت أن الأوكرانيين العاديين "يجبرون على التضحية بأرواحهم واستخدامهم كأدوات في الحرب"، ومع ذلك لم تعد الولايات المتحدة تراهن على أن أوكرانيا ستنتصر على روسيا.

ترحيب إسرائيلي

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الغارق في حرب غزة والصراع مع "حزب الله" اللبناني وتبادل القصف مع إيران، وجد أن المساعدات طوق نجاة لمواصلة الحرب، ووصف التصويت الأميركي بأنه بمثابة "دفاع عن الحضارة الغربية".

روسيا توعدت أوكرانيا بالنصر عليها حتى بعد الدعم الأميركي (أ ف ب)

وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس هو الآخر على منصة "إكس" أن هذا التصويت "يثبت العلاقات الوثيقة والشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويوجه رسالة قوية إلى أعدائنا".

ضحايا فلسطينيون

لم يكن وقع قرار مجلس النواب الأميركي بارداً على الأراضي الفلسطينية، إذ وصفت الرئاسة الفلسطينية القرار بأنه "عدوان على الشعب الفلسطيني"، وقال المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نبيل أبوردينة، إن الأموال أرقام "ستترجم على صورة آلاف الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة"، معتبراً ذلك "تصعيداً خطراً".

من جهتها، دانت حركة "حماس" الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل بمليارات الدولارات، واعتبرته بمثابة "ضوء أخضر للعدوان" على الفلسطينيين.

وقالت الحركة في بيان إن هذا الدعم الذي تم إقراره السبت "مخالف للقانون الدولي"، معتبرة أنه "رخصة لحكومة المتطرفين الصهاينة للمضي في العدوان الوحشي على شعبنا".

ورأت الحركة في بيانها أن الخطوة الأميركية تعد "تأكيداً للتواطؤ والشراكة الرسمية الأميركية في حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الفاشي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".

إيطاليا ومجموعة السبع

التصويت التشريعي الأميركي جاء قبل ساعات من انعقاد قمة قادة دول مجموعة السبع في إيطاليا، لكن وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني الذي ترأس اجتماعاً وزارياً لخارجية المجموعة قال إن حزمة المساعدات تشكل "منعطفاً حاسماً"، وكتب على "إكس" أن "بعد اجتماع مجموعة الدول السبع في كابري برئاسة إيطالية، بات اتحاد الشركاء خلف كييف أقوى".

وترأس وزير الخارجية الإيطالي اجتماعاً مع نظرائه في مجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة واليابان وكندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا) استمر حتى الجمعة في كابري قرب نابولي (الجنوب) خصص لأبرز الأزمات في العالم.

وتعهد وزراء خارجية الدول السبع في ختام الاجتماع "بتعزيز سبل الدفاع الجوي" لكييف.

إشارة أوروبية

ورحب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بقرار مجلس النواب الأميركي، معتبراً أنه "يوجه إشارة واضحة إلى الكرملين"، مفادها أن "من يؤمنون بالحرية وبميثاق الأمم المتحدة سيواصلون دعم أوكرانيا وسكانها".

أثر مساعدة إسرائيل يظهر على صورة الدمار وآلاف الضحايا الفلسطينيين (أ ف ب)

فيما كتبت ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة "إكس"، "أوكرانيا تستحق كل الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه في مواجهة روسيا، والآن ندعو مجلس الشيوخ الأميركي إلى التصويت في أسرع وقت ممكن لأن هناك أرواحاً على المحك، والحلفاء عبر الأطلسي متحدون في دعم الحرية والديمقراطية".

تفاؤل ألماني

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك رحبت بالقرار ووصفته بأنه "يوم يبعث على التفاؤل بالنسبة إلى أمن أوكرانيا وأوروبا"، وكتبت على منصة "إكس"، "تم تجاوز عائق كبير أمام المساعدة الأميركية لأوكرانيا، إن الولايات المتحدة وأوروبا هما معاً إلى جانب الحرية ضد حرب بوتين الإرهابية".

استعداد تايواني

وفي وقت لم يصدر فيه تعليق من الصين، عبرت وزارة الدفاع التايوانية عن الشكر لمجلس النواب الأميركي على الموافقة على الحزمة التشريعية قائلة إن هذا يظهر الدعم الأميركي "القوي" لتايوان، وأعلنت أنها ستناقش مع الولايات المتحدة كيفية استخدام التمويل المقدم للجزيرة.

وأضافت وزارة الدفاع التايوانية أنها "ستنسق استخدامات الموازنة ذات الصلة مع واشنطن من خلال آليات التبادل القائمة، وستعمل جاهدة على تعزيز قدرات الاستعداد القتالي لضمان الأمن القومي والسلام والاستقرار في مضيق تايوان".

إشادة "الناتو"

وأشاد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ بالمساعدة الأميركية معتبراً أنها "تعزز أمننا جميعاً في أوروبا وأميركا الشمالية".

وكتب ستولتنبرغ على منصة "إكس" أن الموافقة على برنامج مساعدة جديد مهم لأوكرانيا "يظهر دعم الحزبين المستمر لها"، لافتاً إلى أن كييف "ستستخدم الأسلحة التي يقدمها الحلفاء في حلف شمال الأطلسي لتدمير القدرات القتالية الروسية".

المعهد الأميركي

ونوه المعهد الأميركي لدراسات الحرب بأهمية عدم توقع تغيير فوري في ميزان القوى في القتال، وكتب المعهد في تقريره الأخير أن "الخدمات اللوجيستية لنقل المعدات الأميركية إلى خط المواجهة في أوكرانيا ستعني على الأرجح أن المساعدات الجديدة لن تبدأ بالتأثير في الوضع على خط المواجهة قبل أسابيع".

مايك جونسون عقب التصويت على القرار (أ ف ب)

وتابع أن الوضع "سيستمر في التدهور خلال هذا الوقت على الأرجح لا سيما إذا كثفت القوات الروسية هجماتها للاستفادة من المهلة المحدودة قبل وصول المساعدات الأميركية الجديدة"، متوقعا شهراً ونصف الشهر من المعارك لمصلحة الروس.

مستقبل الصراعات

حزمة المساعدات العسكرية سعى إليها الرئيس جو بايدن كثيراً، دعماً لحلفاء واشنطن الذين يواجهون تحديات في أوكرانيا وقطاع غزة ومضيق تايوان، ربما تحمل معها استمراراً للصراع يودي بحياة كثير من المدنيين من دون الوصول لسلام أو وقف إطلاق النار قبل انطلاق السباق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويتوقع أن يكون استمرار الحرب والنزاع مؤثراً في عملية التصويت للاختيار بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن وغريمه الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، إلا أن دوي الرصاص والمدافع وأثار القصف ستتوالى على مدى أشهر عدة من دون معرفة مصير الملايين في هذه المناطق وهو ما ستوضحه الأيام المقبلة.