تأمل السعودية على غرار مبادرتها بتدشين "مركز الثورة الصناعية الرابعة" عبر بوابة "منتدى دافوس 2021" لرسم خريطة طريق لعام 2024 في الوقت الذي تزعزع فيه الاضطرابات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية المعقدة استقرار العالم الملتهب بالنزاعات، حين تستضيف للمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاماً مجتمع الاقتصاد العالمي الذي ولى وجهه من دافوس سويسرا نحو العاصمة الرياض.
ويعتبر مراقبون أن "دافوس الرياض" يمثل طوق نجاة لاقتصادات العالم ونزاعاته، بخاصة حين طغت على جلسات يومه الأول الأصوات المنددة بالحرب في غزة، ومنها، مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قال إن "أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني" ستحدث في حال صدقت الأنباء عن هجوم إسرائيلي محتمل على مدينة رفح جنوب القطاع.
فيما حذرت السعودية من تداعيات الحرب التي تدخل شهرها السابع على الاقتصاد العالمي، ومن أن الوضع الجيوسياسي قد "يشكل أكبر مصدر للقلق بالنسبة للاقتصاد العالمي"، الذي يعاني بالفعل من تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
ويقام المنتدى في وقت بدأت فيه أسعار النفط في الشرق الأوسط بالتأثر بعد ارتفاعها إلى أكثر من 90 دولاراً للبرميل، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على معدلات التضخم ليصل سعر الذهب، وهو واحد من الملاذات الآمنة للاستثمار، إلى مستوى قياسي في شهر أبريل (نيسان).
العالم يمر بمفترق طرق
وتعليقاً حول أهمية "دافوس" وتوقيته، وتحذيرات الرياض من تفاقم الأزمة الاقتصادية يقول المهندس فارس القضيبي وهو عضو في جمعية الاقتصاد السعودية لـ"اندبندنت عربية"، إن المنتدى يأتي في وقت "يمر العالم بأزمة حقيقية ومفترق طرق"، بخاصة "ما بين التعاون للسيطرة على التضخم ودعم نمو الاقتصاد العالمي، وما بين وضع حد للتوترات الجيوسياسية والانقسامات في الأنظمة العالمية والتي تقود إلى التأثير في النظام الاقتصادي العالمي".
ويمضي الاقتصادي السعودي بالقول إنه "في الوقت الذي ظن فيه العالم الخروج من شبح كورونا الذي ألقى بظلاله على اقتصادات العالم، تبدأ كرة اللهب بالتدحرج من قلب أوروبا إلى الشرق الأوسط". ويضيف "يعيدنا منتدى دافوس إلى بداية الأزمة الروسية- الأوكرانية حينما ازداد السخط الشعبي في الدول الأوروبية بسبب التضخم، بحيث تطورت الأحداث تدريجاً وأصبحت أزمة أمنية في بعض الدول، وهو الأمر الذي دفع بقادة الدول الكبرى إلى الرياض لما تحظى به من موثوقية عالية في إيجاد حلول لمثل هذه الأزمات".
ويشير إلى أن "الاقتصاد العالمي منهك تماماً من تسارع الأحداث الجيوسياسية والظروف الوبائية في السنوات الأربع الماضية، وهذه معطيات تدفعنا لمصير مجهول تماماً ما لم يكن هناك تعاون دولي حقيقي لإيقاف هذا النزيف". ولهذا يكتسب "دافوس الرياض" أهميته الكبرى لدى قادة العالم. ويتنبأ القضيبي بقوله إن الرياض قد تبادر "بوقف الخفض الطوعي لإنتاج النفط لمواجهة التضخم مقابل وضع حد للتوترات الجيوسياسية التي مزقت المنطقة". وهو حل تسعى له الرياض لـ"وقف نزيف العالم والمنطقة".
وزير الطاقة السعودي الأمير #عبد_العزيز_بن_سلمان خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بـ #الرياض: نحن نؤمن في #السعودية بأننا يجب أن نلجأ إلى كل الخيارات البديلة المتاحة ونحن نعتقد أن العالم سوف يحتاج إلى كل مصدر للطاقة
اطلعوا على أحدث أخبار المنتدى https://t.co/4ypb2WHB3i… pic.twitter.com/WdkpxUtUsE
— Independent عربية (@IndyArabia) April 28, 2024
تعيد حرب غزة والتوتر الإيراني- الإسرائيلي مخاوف الاقتصاديين لعودة شبح التضخم بسبب تأثر محتمل لإمدادات الطاقة في المنطقة بسبب تداعيات الحرب. لكن التضخم ليس هو الأمر الأسوأ الذي يخشى عودته الاقتصاديون، كما يقول القضيبي، "بل الركود التضخمي حيث ما زالت البنوك المركزية تحاصر التضخم جراء الحرب الروسية- الأوكرانية بمعدلات فائدة عالية جداً الأمر الذي أعاق نمو العديد من الشركات العالمية نتيجة الكلفة العالية للتمويل من دون استشراف مرحلي لإمكانية ظهور ظروف وبائية أخرى أو نشوب توتر سياسي آخر يشتعل معه التضخم مجدداً، وهذا ما حدث بحيث أشعلت حرب غزة في منطقة لا يمكن التنبؤ بتبعات الحرب فيها".
ويرى الاقتصادي السعودي أن "الطاقة عامل مؤثر جداً في مسار التضخم العالمي وعليه تتجه الأنظار إلى المنتدى الاقتصادي في الرياض على أمل الخروج بقرارات تحد من ارتفاع أسعار الطاقة الأمر الذي ينعش النمو العالمي في مواجهة شبح التضخم الذي أعطى إشارات واضحة في إمكانية العودة لمستويات مرتفعة مجدداً في التقارير الصادرة منذ عدة أسابيع.
ولا يندفع السعوديون لمطالبات الدول التي تقودها مصالحها لزيادة الإنتاج، وفق القضيبي "بل أنها تتعامل بحكمة مع تطور الأحداث حيث توازن بين الحفاظ على مستويات إمداد كافية؛ الأمر الذي يضمن استمرار إمدادات الطاقة لهذه الدول، وفي الوقت نفسه تحافظ على مستويات سعرية مشجعة تضمن تطوير صناعة النفط، الذي يؤمن مستقبل هذه الصناعة ويعزز النمو الاقتصادي للمملكة مع الإبقاء على كميات إنتاج النفط كأداة لتطويع الأزمات المختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراجع موقت
ولا يخفي جون روانجومبوا محافظ البنك المركزي خلال مشاركته في المنتدى العالمي توقعاته حول اقتصاد العالم، بقوله "إنهم يتوقعون حدوث تراجع موقت في النمو الاقتصادي، وذلك نتيجة للسياسات المالية والنقدية الضيقة التي تتطلبها الظروف الراهنة، ومن المتوقع أن يكون الاستهلاك الخاص والاستثمار هما المحركين الرئيسيين للنمو على المدى المتوسط".
وهو أمر تعتبره نوف الغامدي المستشارة في التنمية الاقتصادية "متوقعاً"، بخاصة في ظل الأزمات التي تعصف بـ"عصب التجارة والنفوذ" في مياه البحر الأحمر وباب المندب. وتضيف الغامدي بالقول إن التهديدات المباشرة للتجارة العالمية تؤثر سلباً في تدفق البضائع وتزيد من تكاليف الشحن، وهو ما يؤثر بالتبعية في الاقتصادات المحلية والعالمية". لكن المنتدى سيوفر وفق قولها منصة للدول المعنية لمناقشة هذه القضايا والبحث عن حلول مشتركة".
استمرار التضخم العالمي
وتتوقع المستشارة الاقتصادية أن يستمر التضخم العالمي لفترة أطول مما كان متوقعاً وفي ما يتعلق بمسار السياسة النقدية لهذا العام. وأضافت "لا ينبغي اعتبار خفض الفائدة أمراً محسوماً إذ تتزايد التهديدات الجيوسياسية، وقد يكون ما شهدناه من هجمات الحوثيين مجرد بداية لمزيد من التوترات التي قد تؤثر في قناة السويس وتزيد من الأسعار.
منصة للحوار
ومنذ تأسيسه عام 1971 على يد رجل الأعمال الألماني كلاوس شواب يحتضن منتدى دافوس الاقتصادي العالمي سنوياً الشخصيات البارزة من مختلف القطاعات، بما في ذلك رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ومديرو الشركات العالمية ونشطاء المجتمع المدني والأكاديميون، وهو منبر حيوي لتبادل الأفكار والرؤى وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الشامل. ويعد هذا الحدث العالمي البارز منصة هامة لمناقشة ومعالجة التحديات العالمية الرئيسية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي والمجتمعات.
وتتناول جدليات المنتدى القضايا المتنوعة مثل التغير المناخي، والتنمية المستدامة، والابتكار التكنولوجي، والتحول الرقمي، والعدالة الاجتماعية، والتعليم، والصحة. وبفضل مبادراته المستمرة وبرامجه المتنوعة طوال العام، يسعى المنتدى إلى تعزيز التغيير الإيجابي وتعزيز التعاون العالمي للتصدي للتحديات العالمية.