ملخص
كشفت رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الراحل، النقاب عن صفحات من مذكرات والدها أثناء وجوده في السجن بين الأعوام 2003 - 2006.
انتهزت رغد صدام حسين ذكرى ميلاد والدها في الـ28 من أبريل (نيسان)، الذي كان يعد يوماً سنوياً واحتفالاً لعائلتها وللحكم قبيل عام 2003، لتنشر ما وصفته بـ"المذكرات الخاصة" التي كتبها أثناء وجوده في "المعتقل الأميركي" بالعراق بين الأعوام 2003 - 2006.
وكانت القوات الخاصة الأميركية اعتقلت صدام حسين في الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) 2003 في قضاء الدور بتكريت مسقط رأسه بوشاية من مرافق قريب، وأعدم في الـ30 من ديسمبر 2006.
وفي إطار تبريرها نشر المذكرات على منصة "إكس" اشتكت رغد لأبيها من أن "العراق ليس بخير"، لكن وعدته أن "يكون بخير". كما أنها اشتكت من أن دور النشر لديها "محاذير من نشرها".
خط يده
الملاحظة البارزة عن تلك المذكرات أنها آثرت نشرها كما وردتها من والدها من الصليب الأحمر بخط يده، والتي سبقها كثير من الكتابات والمذكرات التي اتهمتها بالتحريف والاجتهاد في الصياغة ولم تجعلها ترتقي إلى الأمانة في نقل التفاصيل التي عاشها في سجنه الذي أمضى فيه منذ لحظة اعتقاله حتى إعدامه ما يزيد على 3 سنوات تخللتها محاكمة طويلة أدت إلى إعدامه.
ويبدو أنها فضلت نشر المذكرات كما وصلتها من أبيها من دون أن تتدخل في تحرير الصفحات وطباعتها، في مؤشر على أنها ربما تعتقد على أن نشرها بهذه الطريقة سيكون له تأثير أكثر لدى جمهوره في العراق والعالم العربي.
ولكون رغد الابنة الكبرى للرئيس العراقي الراحل بعد مقتل ولديه عدي وقصي في الموصل، أضحت الناطقة باسم العائلة على رغم وجود والدتها السيدة ساجدة خير الله طلفاح المقيمة في الدوحة، والزوجة الثانية لصدام حسين السيدة سميرة الشهبندر، المعتكفة حالياً في منفاها واعتادت أن لا تصرح بأية معلومات عن زوجها منذ خروجها إلى سوريا ولبنان واختفائها الاختياري، مما مهد لرغد صدام حسين بحكم تكوينها القيادي ممارسة دور الوريثة الأولى لوالدها، وتحظى بالطاعة من أسرتها الصغيرة والكبيرة معاً بعد أن فوضها والدها التصرف بمذكراته، وها هي ذي تنشر الجزء الرئيس منها بخط يده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استهلت المذكرات بحلم
بدأت رغد بنشر الرسالة الأولى لوالدها بدءاً من الخامس من شهر مايو (أيار) 2004 على صورة حلم يرويه لابنته يحمل في طياته طرفة. وفي تفاصيل الحلم بحسب المذكرات أنه كان وقت صلاة الصبح، حيث رأى وكأنه يجتمع مع عراقيين وفجأة سقطت "صرة من قماش من داخل بنطاله".
وأوضح أن "الكومة كانت عبارة عن بيجامة كاملة وداخلها فانيلة"، وعندما رآها أحدهم علق "كيف تتحمل كل هذا داخل بنطلونك ولا تتضايق"، ويشير إلى أنهم ضحكوا وبعدها استيقظ للصلاة.
ويكمل لابنته كيف جاء طبيبان أميركيان ليعاينا حالته، وعلق على أحدهما "كان متعجباً كيف أتصرف بهدوء"، بينما يشكو مرضى آخرون من أبسط الأعراض"، موضحاً "ابتسمت ولم أعلق بشيء".
وفسر صدام حسين الحلم الأول على أنه يدل على دخوله المستشفى أو احتمال إجراء عملية جراحية لإزالة "شيء مؤذ من جسمه"، وتبين لاحقاً صحة رؤيته، إذ تم نقله إلى المستشفى وتشخيص وجود حصى في المرارة تهدد الكبد والمعدة، مما استدعى تدخلاً طبياً.
نقله إلى المستشفى
وفي مذكرات اليوم التالي يروي علاقته بالأطباء الأميركيين لا سيما طبيب اسمه "جورج" أبدى اهتماماً بمجيئه أو غيابه وكيف خضع لعلاج ورافقه قلق الأطباء قبيل إجراء عملية له من دون أن يحدد طبيعتها. ثم يواصل الكتابة عن تفاصيل حديثه مع الأطباء لتشخيص حالته الصحية، وإبلاغهم إياه أنه سيتم نقله إلى المستشفى بطائرة مروحية حفاظاً على سلامته، مما دفعه إلى الاستنتاج أن "المقاومة نشطة وقادرة على الوصول إلى أهدافها".
وتمضي رغد في سرد مذكرات والدها الذي بدا مدركاً لأزمته في السجن، واعتلال صحته وتدهورها التي تتطلب علاجاً ليس كما كان يتوقعه وهو على عرش بغداد ومستشفى ابن البيطار المجهز بأهم الأطباء العراقيين والأجهزة الحديثة، فهو الآن تحت رحمة أطباء لا يعرفهم ولا يثق بهم لكنه مضطر إلى الخضوع لفحوصاتهم وأدويتهم، على رغم تأكيد الطبيب جورج وتطميناته، وبات يفكر بآلام المرارة وحصى الكبد: "عدت أدقق في شكوك الأطباء حول المرارة واحتمال وجود حصى فيها، والكبد واحتمال إصابته، ولكن قياساً إلى النشاط الذي أنا عليه بما في ذلك ري الحديقة مرتين في اليوم (...) لا يوحي بإمكانية مرض كامن". وتساءلت صدام حسين إن كانت آلامه بسبب "الضرب" الذي تعرض له في أنحاء جسده وأن ذلك أثر في صحته.
الصحة والنظافة
وينشغل صدام طويلاً في مذكراته بصحته وتفاصيل الفحوصات التي خضع لها، ونوع الطعام الذي قدم له مؤكداً "إن النظافة بالنسبة لي من بين أهم ما ينبغي أن يراعى في الحياة، كواحدة من ضرورات إدامتها بعد التوكل على الله، وقد حافظت على هذا المبدأ وحاولت أن أعلمهم أهميتها". متابعاً "وجدت البورتوريكيين أنظف من الأميركيين نسبياً، وكانوا ينتبهون إلى إجراءاتي في الوقاية والنظافة، أكثر من الأميركيين، ربما لأن جزيرتهم سياحية أو لأصلهم العربي، أو لتعلم أجدادهم هذا من العرب الذين كانوا في الأندلس، فنقلت إليهم عبر الأجيال".
علاقاته مع الحراس
ويسهب صدام حسين في قصاصاته المكتوبة بلغة عربية لافتة ليروي جوانب من علاقاته مع حراسه وكيف تعامل معهم بلطف ليكسب ودهم مع إعجابه بالبورتوريكيين دون غيرهم، الذين يكونون له "الود" لأصولهم العربية أو معرفتهم بالثقافة الأندلسية التي تفسر نظافتهم في المعتقل، واهتمامه المفرط في بيئة المعتقل، وري الأشجار التي نالت كثيراً من صفحات مذكراته، ثم تحول خطابه ورسائله للتضرع وكتابة الأدعية.
وتتضمن المذكرات أيضاً مجموعة من الأشعار، بعضها للمتنبي وبعضها لغيره، تتناول مواضيع العفو وإعادة الحق والقصاص.
ولم ينس استذكار حبيبته ومناجاته لها متسائلاً في إحدى قصاصات الصليب الأحمر الورقية التي حصلت عليها رغد: "هل جرب أحدكم أن ينظر إلى عينها بصورة مباشرة، في لحظة يرى حبيبته بعد أن يصف كيف يعاني في الفراق جوى، حبيبتي يا عين وأهداب وإباء، وهل يمكن لجراحك أن تشفى؟".
ثم يعود ليكرر في الرسالة نفسها ما قاله له الطبيب الأميركي عن صحته وتراجعها والحاجة إلى تدقيق إشعاعي وإلكتروني، مع الإسهاب عن نقله بالطائرات إلى المستشفيات التي نظمها الجيش الأميركي في مناطق مجهولة لإجراء الفحوصات والمعاينة.
"بيت الخيانة والعار"
وفي إحدى أوراقه يكشف صدام حسين اسم قريبه الذي وشى به واصفاً مكان اختبائه بـ"بيت الخيانة والعار": "هو بيت قيس نامق جاسم في مدينة الدور، كنت أشرب القهوة، وإن كان بصورة متقطعة وغير موصولة، بعد أن تركتها قرابة الشهرين قبل ذلك، ولكنني عندما كنت في بغداد قبل أن اضطرتني ظروف الغزو ودخول جيوش العدوان بغداد بيومين أن أرحل منها"، موضحاً أنه لم يكن يشرب القهوة بمفرده وإنما في مجلس الأحباب والرفاق مع السيجار، مضيفاً "بعد أن اكتشفت النخلة الجديدة في الثيل (نوع نباتي عشبي) أتاح لي ذلك الجلوس على كرسي، مما جعلني أدقق في الثيل بحثاً عن أي شيء جديد، وسروري بالاكتشاف جعلني أرغب في شرب فنجان قهوة".
ويعود صدام حسين ليسهب في الحديث عن أحلامه مستذكراً بعض أفراد أسرته وآخرين واستذكار أمجاد هوت ولم تعد قابلة للإصلاح.