ملخص
هناك ترجيحات بأن يؤدي إصدار مذكرات اعتقال إلى زيادة الاحتجاجات ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم، والضغط على الحكومات ذات السياسات الغربية الصديقة لفرض عقوبات على إسرائيل مثل حظر الأسلحة
أحدثت التقارير التي تتوقع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال في حق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وقياديين أمنيين بلبلة لدى الرأي العام الإسرائيلي، كما الحكومة التي تسابق الوقت للحؤول دون إصدارها.
حال الغضب والتخبط التي تسود الأروقة السياسية والعسكرية تعكس خطورة مثل هذا القرار وتداعياته على نتنياهو شخصياً وإسرائيل، لاسيما مع ما يكشف عنه من جرائم ارتكبت في حق فلسطينيين في غزة، تحديداً النساء والأطفال والمسنين، الذين وصلت نسبة القتلى منهم إلى 70 في المئة من مجمل ضحايا القتل الإسرائيلي، عدا العدد الكبير من المفقودين تحت الركام. جهات سياسية وأمنية في إسرائيل وصفت صدور مثل هذا القرار بـ"الهزة الأرضية"، ويقدر مسؤولون إسرائيليون كبار بأن الأوامر، إذا ما صدرت، فستركز على نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هليفي، ولن تستهدف ضباطاً صغار. وتعقيباً على ذلك، قال نتنياهو: "تحت قيادتي، إسرائيل لن تقبل أبداً بمحاولات محكمة الجنايات في لاهاي، التشكيك في الحق الأساسي في الدفاع عن النفس. التهديد ضد جنود الجيش وشخصيات عامة في إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم، هو تهديد فضائحي، ولن نستسلم له".
القرار يلزم 123 دولة
منذ أكثر من أسبوع، يكثف نتنياهو جهوده في محاولة لتجنيد دولي للضغط على المدعي العام في المحكمة الدولية رئيس المحكمة كريم خان، للتراجع عن صدور مثل هذا القرار أو تأخيره، وتبذل جهود أميركية كبيرة، بمساعدة دول غربية أخرى، من أجل إقناع كريم خان بتأخير قراره، علماً أن الولايات المتحدة نفسها لم توقع على الميثاق الذي بحسبه أقيمت محكمة الجنايات الدولية، لذلك هي نفسها لا تعتبر جزءاً من قراراتها.
نتنياهو، كما يبدو، على قناعة بأن هذه الخطوة ستتوجه ضده على وجه التحديد إلى جانب شخصيات سياسية وأمنية رفيعة أخرى، وهذا يدفع نحو حملة تجنيد دولية واسعة داعمة لإسرائيل.
123 دولة أعضاء في المحكمة لا يمكن لنتنياهو التأثير فيها كونها ملزمة بتنفيذ القرار، مما يعني أن من يصدر ضده القرار يكون معرضاً للاعتقال فور وصوله إلى إحدى هذه الدول وتسليمه للمحكمة. الادعاءات تجاه إسرائيل تتعلق بارتكاب جرائم حرب في غزة، وبحسب سياسيين وحقوقيين، قد تكون لها تداعيات دراماتيكية لسنوات طويلة، وأيضاً على الحرب في غزة واستمرارها.
ومن غير الواضح حالياً ما إذا كان المدعي العام سيقرر اتخاذ هذا القرار، وإذا كان ذلك سيحدث وفق توقع الإسرائيليين هذا الأسبوع، ولكن المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل لا تقتصر على هذه التهمة، فهناك حملة واسعة ضدها في حال قررت شن عملية واسعة في رفح، حتى أن الإدارة الأميركية تفحص فرض قيود على التصدير الأمني الإسرائيلي، لما ستنطوي عليه العملية من قتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين.
أسئلة كثيرة تطرح في إسرائيل حول مدى تنفيذ مثل هذا القرار إذا ما صدر ضد رئيس حكومة وقياديين، فهل تخضع إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية؟
صحيح أن إسرائيل ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، ولكن بموجب هذا النظام إذا ارتكب شخص جريمة حرب في مناطق دولة هي عضو في المحكمة، حتى لو كان مواطناً أجنبياً، فللمحكمة صلاحية بإصدار قرارات ضده.
يقول متان غوطمان، الخبير في القانون الدولي والمحاضر في جامعة رايخمان، إنه يجوز إصدار أمر بالقبض وفقاً للشروط التالية المنصوص عليها في المادة 58 من نظام روما الأساسي: وجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، ووجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة وبذلك، فإن مجرد سعي المدعي العام إلى إصدار أوامر توقيف لا يزال يتطلب إجراء قضائياً أمام المحكمة التمهيدية التي ستوافق على الأوامر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطر الاعتقال
وعلى رغم أن المحكمة يمكنها استدعاء المتهم للمثول أمامها، ولكن هناك توقعات تستبعد استخدام هذه الصلاحية في حال إسرائيل، إلا أن الانعكاس يبقى خطراً إذا ما صدر ضد رئيس الحكومة. ويقول غوطمان "إذا صدرت مذكرات توقيف ضد رؤساء دول وحكومات فيكونوا بذلك انضموا إلى مجموعة المشتبه بهم من مجرمي حرب سابقين صدرت في حقهم مذكرات اعتقال، مثل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والجنرال الليبي محمود الورفلي، اللذين صدرت في حقهما مذكرات توقيف من المحكمة الدولية في الماضي".
في نقاش الإسرائيليين حول صدور مثل هذه المذكرات، تساءل بعضهم إذا كانت ستصدر أيضاً مذكرات اعتقال في حق قادة "حماس". من جهته وصف غوطمان صدور مثل هذه المذكرات بـ"الفضيحة"، "باعتبار أن وضع مخربي ’حماس‘ في صف رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس الأركان الإسرائيلية بمثابة فضيحة، وإجراء قانوني خطر من جانب المدعي العام في المحكمة".
وبخصوص إمكان تنفيذ القرار، يقول غوطمان: "بعد أن تصدر المحكمة أمراً بالقبض، يجب على جميع الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي أن تساعد في تنفيذ أمر التوقيف وتسليم المشتبه فيه. 123 دولة أعضاء في نظام روما الأساسي، بما في ذلك جميع دول أميركا الجنوبية والدول الأوروبية تقريباً، وأستراليا وكندا ونحو نصف البلدان الأفريقية. في المقابل فإن الولايات المتحدة والهند والصين ليست أعضاء في المعاهدة، وبعبارة أخرى إذا صدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو، فهذا يعني أن أية رحلة يقوم بها إلى إحدى الدول الأعضاء في الاتفاق من شأنها أن تعرضه لخطر الاعتقال والتسليم إلى المحكمة الجنائية الدولية".
سابقة خطرة
"مجرد استخدام أداة أوامر الاعتقال ضد رؤساء دولة لديها قضاء مستقل مثل إسرائيل يشكل سابقة خطرة، ومحاولة من محكمة العدل الدولية لإثبات أنها تحقق أيضاً مع الدول القوية"، برأي غوطمان.
في المقابل هناك ترجيحات بأن يؤدي إصدار مذكرات اعتقال إلى زيادة الاحتجاجات ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم، والضغط على الحكومات ذات السياسات الغربية الصديقة لفرض عقوبات على إسرائيل مثل حظر الأسلحة.
القلق الإسرائيلي، برأي غوطمان، يكمن في أن إصدار أوامر الاعتقال سيعزز بشكل كبير ادعاءات معارضي إسرائيل بأن جرائم حرب ترتكب في غزة، وهذا الادعاء سيكون له انعكاس في المحكمة الجنائية الدولية.
ويتساءل بعضهم: هل سيؤدي إصدار أوامر الاعتقال إلى تقديم لائحة اتهام؟ وهل سيكون إصدار أوامر الاعتقال المرحلة الأولى من الإجراء القانوني أمام محكمة العدل الدولية؟
ويجيب غوطمان "الطريق إلى تقديم لوائح اتهام في المحكمة الجنائية الدولية ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين طويل جداً. علاوة على ذلك، وفقاً للقانون الدولي، في محاكمة الجرائم ضد القانون الدولي، يكون للنظام القانوني المحلي الأسبقية على النظام القانوني الخارجي. هذا هو الادعاء التكميلي. في هذه المرحلة، في ما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لدى إسرائيل آليات مستقلة وفعالة للتدقيق الداخلي والقضائي تبدد احتمال التدخل الخارجي".