Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكتاب الجزائريون ضحية عداوة مفبركة

اكتبوا بأية لغة تشاؤون لكن اكتبوا لنا نصوصاً جميلة مليئة بالأسئلة الحادة

على خلفية النوايا المسبقة الفاسدة، يهاجم الكاتب باللغة العربية زميله الكاتب باللغة الفرنسية ويعتبره من "حزب فرانسا" (مواقع التواصل)

ملخص

أمام هذه الحروب الثقافية الكاذبة والمشبوهة علينا أن نتساءل عن الأسباب التي تؤججها، وعن الأطراف المستفيدة منها سياسياً وأيديولوجياً، وما الطرق لمواجهتها من أجل جزائر متعددة الثقافات واللغات موحدة التراب صلبة العماد، خالية من الكراهيات الثقافية وقابلة للعيش المشترك ومحتفلة بالاختلاف البناء؟

هي حرب كاذبة، تقول اسمها بفصاحة، حرب ثقافية كالحمل الكاذب، تدور رحاها بين الكتاب الجزائريين منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي ولا تزال مستمرة، والحال نفسها بين نخب المغرب وتونس، بدرجات متفاوتة.

تخمد نار هذه الحرب تارة، تهدأ، ثم لا تلبث أن تعود مع كل موسم سياسي، فتسمع طلقات الرصاص الأيديولوجي من خلف هذا المتراس الإعلامي أو السياسي، حطب هذه الحرب هي الثقافة في نهاية الأمر، هي رموز هذا البلد.

حرب تجري في وسائل الإعلام التقليدية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ووصلت حتى مدرجات الجامعة لتخترق الأطاريح الجامعية الأكاديمية.

تقام هذه الحرب الثقافية مدججة بنوايا مسبقة تتولد عنها أحكام قاسية على هذا الكاتب أو ذاك، نوايا وأحكام تطلق جزافاً من دون تدقيق ولا مراجعة ولا قراءة صحيحة وهادئة لنصوص هذا الكاتب أو ذاك.

النوايا الخادعة تقتل الثقافة، وتفكك مجتمع النخب، فهي من جهة توزع شيكات الإطراء والمديح لهذا الكاتب لمجرد التقارب الأيديولوجي الذي لا علاقة له مطلقاً بالنص الأدبي، وتطلق النار على ذاك من دون سابق قراءة ولا تمحيص.

تنتج هذه النوايا المسبقة والأحكام العنيفة من الموقف الأيديولوجي حيال لغة الكتابة التي يبدع بها هذا الكاتب أو ذاك، فالجزائر بلد تتعدد فيه لغات الإبداع، من عربية وأمازيغية وفرنسية، وهذا شيء إيجابي، وفي كل لغة من لغات الإبداع الثلاث هناك أجيال متلاحقة من الكتاب وتراكم كبير في النصوص المنتمية لتيارات جمالية وفلسفية متعددة، إن البلدان القوية ثقافياً هي التي تملك نخبها الإبداعية مخيالات متعددة، وكل لغة هي حاملة لمخيال معين بما لها من مرجعيات ثقافية وفكرية مرتبطة بالعبقرية الفردية أو الجماعية.

اكتبوا بأية لغة ترغبون، لكن فقط اكتبوا لنا نصوصاً جميلة ومثيرة للأسئلة، هكذا يقول القارئ الذكي.

في الجزائر، من دون السقوط في التعميم، وعلى خلفية النوايا المسبقة الفاسدة، يهاجم الكاتب باللغة العربية زميله الكاتب باللغة الفرنسية ويعتبره من "حزب فرانسا"، ويصنف كتاباته في خانة الكتابات المعادية للوطنية، وبمثل هذا الموقف فهو يصادر الوطنية لصالحه، ويعتبرها ملكيته الخاصة.

انطلاقاً من هذه الأحكام المسبقة، ومن دون تعميم أيضاً، ننسى بأن الكتاب باللغة الفرنسية من الجيل الأول، جيل خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانوا رسلاً جماليين وسياسيين لحرب التحرير، كتبوا الثورة وأصبحوا سفراء لها فوق العادة، سفراء لها على غير العادة، من أمثال محمد ديب ومولود معمري وكاتب ياسين وجون سيناك ومالك حداد وآسيا جبار وبشير حاج علي وجان عمروش ونبيل فارس ورشيد بوجدرة وقدور محمصاجي.

وننسى أيضاً بأن كتاباً باللغة الفرنسية من الجيل الجديد، جيل ما بعد الاستقلال 1962، سقطوا شهداء لمواقفهم الشجاعة المدافع عن قيم الجمهورية والتعددية، سقطوا تحت رصاص الإرهاب في العشرية السوداء (1990-2000) من أمثال الطاهر جاووت والهادي فليسي ويوسف سبتي ورشيد ميموني (هذا الأخير مات غماً في المهجر)، وننسى معركة كتاب وصحافيين كثيرين، أقلام مميزة، كانوا جنوداً من أجل الديمقراطية والتعددية من أمثال عبدو بوزيان (عبدو ب) ومايسة باي وحميد سكيف ومصطفى بن فضيل ولزهري الأبتر ودلان مدي وكمال داوود وبوعلام صنصال والمهدي أشرشور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق نفسه، واستناداً على أحكام مسبقة أيديولوجية خاطئة، من دون تعميم أيضاً، يعتبر الكاتب باللغة العربية زميله الكاتب باللغة الأمازيغية التي هي لغة وطنية ورسمية في الجزائر، كاتباً جهوياً انفصالياً، وللتقليل من قيمة اللغة الأمازيغية يوصف الكاتب بها على أنه كاتب الدشرة، كاتب الدوار، وهو إضافة إلى ذلك عامل سياسي وأيديولوجي يهدد وحدة البلد، وهو طابور ملحق بجيش كتاب "حزب فرانسا" الذين يكتبون بالفرنسية.

في الحرب الثقافية واللسانية والأيديولوجية ذاتها، وانطلاقاً من أحكام مسبقة ونوايا سيئة فاسدة أيضاً، وهنا أيضاً من دون السقوط في التعميم، يصنف الكاتب باللغة الفرنسية زميله الكاتب بالعربية الذي يقاسمه المدينة والشارع وربما مؤسسة العمل أيضاً، يصنفه بعثياً، إسلامياً وتقليدياً، ويربط بينه وبين البلاء الذي أصاب الجزائر خلال العشرية السوداء، وقد يصل ببعضهم إلى اعتبار اللغة العربية سبباً في تخلف البلد، وينسى بأن كتاباً بهذه اللغة وفيها كانوا حطب الثورة، شهداء ومجاهدين ومساجين ومناضلين شرسين، من أمثال مفدي زكريا ورضا حوحو وعبدالكريم العقون والزاهري وزهور ونيسي.

وفي مرحلة الاستقلال ظهر كتاب باللغة العربية بقيمة جمالية حداثية وبرؤية ثورية من أمثال عبدالحميد بن هدوقة والطاهر وطار وعمار بلحسن والجيلالي خلاص وبقطاش مرزاق وأحمد حمدي وأحلام مستغانمي وربيعة جلطي والحبيب السائح وعبدالله حمادي ومخلوف عامر وحمري بحري ومحمد زتيلي وإدريس بوذيبة وجمال فوغالي وسليمان جوادي وعبدالوهاب بن منصور ومحمد صالح حرز الله، ثم لحقت بهم أقلام أخرى خرجت من أحداث أكتوبر (تشرين الأول) عام 1988 تمارس الكتابة برؤية فلسفية وجمالية جديدة في الرواية والشعر، من أمثال بشير مفتي وإبراهيم صديقي ومراد بوكرزازة وعبدالله الهامل وبوزيد حرز الله وسعيد خطيبي وأحمد طيباوي وبومدين بلكبير وهاجر قويدري وسمير قسيمي وعبدالوهاب عيساوي وحسين علام ونوارة الأحرش وكمال قرور والأخضر بركة وعبدالرزاق بوكبة وعادل صياد ويوسف وغليسي.

أمام هذه الحروب الثقافية الكاذبة والمشبوهة علينا أن نتساءل عن الأسباب التي تؤججها، وعن الأطراف المستفيدة منها سياسياً وأيديولوجياً، وما الطرق لمواجهتها من أجل جزائر متعددة الثقافات واللغات موحدة التراب صلبة العماد، خالية من الكراهيات الثقافية وقابلة للعيش المشترك ومحتفلة بالاختلاف البناء؟

أولاً إذا ما أردنا أن نقضي على بذور هذه الأحكام المسبقة الفاسدة في الحقل الثقافي والأدبي الجزائري، علينا أن نحرر الفضاءات الثقافية والأدبية من أجل إقامة حوار بين جموع النخب المبدعة بكل اللغات وبكل الحساسيات الجمالية والفكرية، فغياب وإقفال مثل هذه الفضاءات يبعد ما بين النخب ويجعل استماع بعضهم إلى بعض، وقراءة نصوص بعضهم بعضاً، غائباً ومغيباً، وهو ما يسهل انتشار الأمراض السياسية والأيديولوجية وحتى النفسية بين النخب الإبداعية والفكرية، وعلينا أيضاً أن نحترم حرية التعبير والرأي، فلا أحد يزايد على الآخر في حب الوطن، الجميع يحب الجزائر ولكن لكل واحد طريقته في حبها، وعلى الجامعة أن تفتح، وبكل شجاعة أكاديمية، النقاشات الجادة حول مجموعة من الأسئلة المعلقة والمرتبطة أساساً بدور النخب، بمسألة تعدد اللغات وإيجابياتها، بالعيش المشترك في ظل الاختلاف اللغوي والعقائدي والسياسي والإثني، بتاريخ الجزائر العريق من دون إقصاء ولا تفضيل، وفي الأخير على الأحزاب السياسية في الجزائر أن تلعب دورها السياسي وذلك بالترويج لثقافة المواطنة والدفاع عنها.

اكتبوا بأية لغة تشاؤون، لكن اكتبوا لنا نصوصاً جميلة مليئة بالأسئلة الحادة، فالجزائري ينتظر ذلك والجزائر المحلومة في حاجة إلى ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء