ملخص
بدا مشهد تقاطر المدرعات ومعدات الجنود إلى محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية غير مألوف بالنسبة إلى مدينة نأت بنفسها عن الدخول في الصراع المسلح.
لا تمنع مطالبات التهدئة والانكفاء عن التصعيد وعدم اللجوء إلى الصدامات المباشرة من قلق يسري بنفوس أبناء جبل العرب جنوب سوريا، ولا سيما مع تحول ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء إلى ساحة حرب شديدة الوطيس، حيث يواظب الحراك الشعبي على الاتساع يوماً بعد يوم من دون توقف، بينما تنظر الأوساط الشعبية إلى حشود القوات النظامية عن خوف من معركة حياة أو موت.
وبدا مشهد تقاطر المدرعات ومعدات الجنود إلى المحافظة ذات الغالبية الدرزية مشهداً غير مألوف بالنسبة إلى مدينة نأت بنفسها عن الدخول بالصراع المسلح الدائر منذ عام 2013، إذ ابتعدت من التظاهر أو حمل السلاح في وجه السلطة، لكن تردي الأوضاع المعيشية والقرارات برفع أسعار المواد الغذائية والسلع ومواد المحروقات دفع الناس بالانتفاض والاتجاه نحو حراك سلمي منذ قرابة العام، لإجبار الحكومة بالتراجع عن قراراتها من دون نتيجة، ليتجه الحراك الشعبي بتظاهرات مناهضة للدولة ودعوات إلى إسقاط السلطة.
ولعل المعلومات الواردة عن تدفق المعدات العسكرية مع أرتال من فرق المشاة والنخبة من مواقعها العسكرية بريف دمشق إلى السويداء التي تبعد من العاصمة نحو 100 كيلومتر، عدّها مراقبون تطوراً خطراً ومشهد يقترب من مشاهد الحملات العسكرية التي خبرها السوريون في كثير من مدن الشمال التي تسبق معارك قاسية، بهدف القضاء على المعارضة المسلحة المتشددة.
استعراض عسكري
وأفادت مصادر أهلية عن مشاهدة عشرات المعدات وأكثرها من ناقلات الجند والحافلات والمعدات المدرعة تتجه على الطريق الرئيس الواصل بين المحافظتين بالتزامن مع قصة احتجاز ضباط من الجيش النظامي أفرج عنهم أخيراً، وذلك بالتوازي مع استمرار الاحتجاجات الشعبية.
وفي حين توزعت التعزيزات العسكرية الواصلة إلى المحافظة حول المقار العسكرية والأمنية والمطارات، ومنها مطارا الثعلبة والخليلة وفوج القوات الخاصة، يرى مراقبون أن هذه الحملة الجديدة والتي قدرت في اليوم الخامس لها ما يقارب 50 آلية عسكرية، لا تتعدى الاستعراض العسكري وحماية المقار الحكومية والأمنية من أية أعمال تخريبية، وفي الوقت ذاته رسالة للمحتجين بإظهار القوة وزيادة تأمين الحماية اللازمة لقواتها الموجودة في السويداء.
ويرى مدير إعلام الانتفاضة الشعبية في السويداء مرهف الشاعر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن المدينة منذ أكثر من عقد من الزمن امتنعت من إرسال أبناء المحافظة إلى الخدمة بالجيش النظامي، وأصبحت تعتمد على فصائلها المحلية في حماية نفسها، وتواجه خطر الإرهاب القادم من البادية، ولا سيما هجمات تنظيم "داعش".
وفي مستهل رده على تساؤلات حول التصعيد العسكري المرتقب، وهل سيؤثر ذلك في الحراك الشعبي وإفراغ الساحات من المتظاهرين، جزم الشاعر بأن ذلك لن يؤثر في الحراك بالسويداء، وسط مخاوف من لجوء حكومة دمشق إلى الخيار العسكري في نهاية المطاف، وتوقع "تصعيداً مباشراً وبخاصة بعد انتشار معلومات عن نية الحملة إقامة حواجز وقطع أوصال السويداء".
وأردف الشاعر أنه "ليس لاحتجاز الضباط في السويداء أية صلة، فقد شهدت مئات الحالات المشابهة من إخراج معتقلين لها عند اعتقالهم على خلفية مواقفهم السياسية، وتعمد الفصائل المحلية كخطوة للضغط على السلطات للإفراج عن المعتقلين، وهي تعامل الضباط والمحتجزين كضيوف ريثما تحصل على حرية الشبان وخروجهم من المعتقلات، والأمر مرتبط بالانتفاضة الشعبية والحراك السلمي منذ تسعة أشهر والذي يحرج السلطة".
أجواء التوتر
وفضلت السويداء الانزواء وحماية حدود أراضيها من هجمات الجماعات المتطرفة ومنها تنظيم "داعش"، وتعرضت لكثير من الهجمات والتفجيرات الانتحارية.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتوترات تشهدها مناطق السويداء منذ الـ 25 من أبريل (نيسان) الماضي عقب احتجاز ضباط وانتشار كثير من المجموعات على طريق دمشق ـ السويداء، بالتوازي مع قرار بمنع القوات النظامية من دخول المحافظة خشية الاحتجاز.
وفي المقابل اعتبر المتحدث الرسمي باسم المصالحة الوطنية السورية عمر رحمون أن التوتر الأخير في السويداء، وخصوصاً اختطاف رجال الأمن، يؤكد أن الحراك لم يعد سلمياً في المدينة وأصبح، بحسب وصفه، "تحركاً لمجموعات تحتجز رجالات الدولة وتهدد مؤسساتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف رحمون أن "هناك محاولة لجرّ الدولة نحو استخدام القوة، وهذا ما لا تريده دمشق التي تعوّل على العقلاء من وجهاء السويداء وسوادها الأعظم، فالحراك انطلق للمطالبة بمطالب معيشية، لكنه اليوم يسعى إلى العصيان المسلح وتلقي الدعم من الدول الأجنبية، وخصوصاً حزب اللواء السوري الذي يتلقى الدعم من قاعدة التنف وإسرائيل وفرنسا"، واستبعد الانجرار إلى أي حل عسكري واسع النطاق، ورجح استمرار الحكومة بالدفع نحو حل سياسي وهذا ما تنشده الدولة السورية.
ويأتي ذلك وسط تحذيرات صدرت من المرجعية الروحية للطائفة الدرزية وشيخها في السويداء حكمت الهجري من مغبة أي تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها ومن أية جهة كانت، وذلك على خلفية وصول تعزيزات عسكرية ضخمة.
وجاء في بيان الهجرى "نحمّل المسؤولية الكاملة عن أية نتائج سلبية أو مؤذية هدامة قد تترتب عن أية حماقة أو تصرفات أو إجراءات مسيئة، بحسب ما نشهده عن بعض المستهترين بالحقوق".
وأضاف أن "الشعب مستمر ومثابر بأعلى صوته وسلميته ورقيه لطلب حقوقه عبر النداءات المحقة بسلمية تحت ظلال الدستور والقوانين الخاصة والدولية".
تحذير أوروبي
وفي السياق حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من احتمال استخدام دمشق القوة المفرطة ضد المتظاهرين في المدينة ذات الغالبية الدرزية، ولا سيما بعد وصول تعزيزات عسكرية ضخمة جنوباً.
وأدلى المتحدث باسم الاتحاد لويس يونيو بتصريح حث جميع الأطراف فيه بالامتناع من العنف، بينما دان مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية استخدام القوة، ودعا إلى ممارسة الحق بالتجمع السلمي وحرية التعبير.