ملخص
"حقيبة الحرب تشبه الخزانة وبها كثير من الذكريات التي استطاعت جلبها قبل أن تباغتني طائرات الجيش الإسرائيلي بقصف منزلي"... جرب سكان غزة النزوح باستمرار، لكن ماذا يحملون معهم فور تلقيهم لأوامر الإخلاء؟
يعلو صوت دلال وهي تقول "يا بنت، لا تنسي بطاقات الهوية وجواز السفر الخاص بوالدك، وأيضاً شهادات الجامعة وأوراق الخبرة"، وبينما تحاول الأم تذكير صغيرتها بالمستلزمات المهمة، تعمل هي على تجهيز "حقيبة الحرب" استعداداً للنزوح.
منذ بداية الحرب تعيش دلال في محافظة رفح داخل بيتها، ولم تختبر الأم النزوح، لكن عندما هددت إسرائيل أحياء واسعة من المدينة استعداداً لتنفيذ "عملية عسكرية محدودة"، خاضت عائلتها تجربة التشرد للمرة الأولى.
جهزت دلال خطة واضحة وشرحتها لأهل بيتها، وأبلغتهم أنه بمجرد ما أن تأمر إسرائيل سكان محافظة رفح بالإخلاء عليهم تنفيذ مراحلها من دون توتر أو قلق، وكل واحد منهم ينشغل في مهمته التي أوكلت له.
لدلال ثلاثة أبناء، فضلاً عن زوجها، وبحسب خطة النزوح يتولى الأب مهمة إحضار سيارة لنقل أغراض النزوح، أما بنتها ريما تتولى عملية تجميع الوثائق الرسمية، وابنها محمود فإن دوره حمل الفراش والأغطية وتجهيزها قرب باب المنزل، وبالنسبة لمهند فإنه يحضر القليل من مستلزمات المطبخ.
"حقيبة الحرب"
وتتولى دلال عملية تجهيز "حقيبة الحرب" التي عادة ما تكون شنطة مدرسية يوضع فيها أكثر الأشياء أهمية، تقول الأم "في تلك الحقيبة التي تحمل على الكتف وضعنا الأوراق الرسمية مثل بطاقة الهوية وجواز السفر وشهادات المدرسة والجامعة والذهب والأموال وبطاقات البنك".
ما إن أتم كل فرد في عائلة دلال مهمته، انطلقت رحلة نزوحهم القاسية من منزلهم وسط محافظة رفح إلى المنطقة الإنسانية الموسعة التي خصصها الجيش الإسرائيلي لاستيعاب النازحين، وهناك عاشت الأم في خيمة بعد أن كانت تقضي أيامها وسط بيتها.
ما حدث مع دلال، لا يمثل بقية سكان غزة، فالسيدة لم تختبر النزوح بعد وانطلقت من منزلها بطريقة منظمة، لكنها حملت معها "حقيبة الحرب" وهذا ما تتشارك به مع جميع النازحين.
بمجرد ما أن يبدأ القتال في غزة، اعتاد سكان القطاع على تجهيز "حقيبة الحرب"، وهي بالعادة عبارة شنطة مدرسية أو أي نوع آخر يحمل على الظهر ويوضع فيها جميع المستلزمات الأساس المهمة لكل عائلة.
فوضى النزوح
في تجربة نزوح أخرى، كان حسن يعيش بمدرسة إيواء داخل رفح، وبمجرد ما تسلم أوامر الإخلاء، كما باقي سكان المحافظة، انطلق بسرعة وكان يركض مع النازحين معه في المدرسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول حسن، "عمت الفوضى في المدرسة، الجميع يركض حيث لا وجهة، والقليل من الناس كان قد جهز خطة نزوح بطريقة منظمة، ما يحدث لحظة النزوح شيء يشبه الحشر يوم القيامة".
لم يعد حسن خطة للنزوح، وكانت تجربته أشبه بالفوضى، يضيف "استغرقت وقتاً طويلاً لأجد مواصلة تنقلني، وفي النهاية كانت عبارة عن كارو يجرها حصان، ثم بدأت أتوه في مستلزماتي".
على عربة الكارو، أخذ حسن يضع أكثر الأشياء أهمية لعائلته "الفراش والأغطية وحقيبة الحرب، وخشب طويل، وملابس الأطفال، وأدوات مطبخ، وأكياس دقيق وعبوات زيت الطهي"، لكنه لم يتمكن من نقل جميع "عفشه" الجديد الذي اشتراه في أوقات النزوح.
يتابع حسن، "بسبب السرعة في النزوح الذي جاء فجأة، لم أحمل معي جميع ملابس الأطفال، وكذلك نسيت كثيراً من المواد التموينية، في الحقيقة مع كل تجربة نزوح نترك خلفنا كثيراً من الأشياء المهمة لكن هذا هو حال الحرب".
أغطية وفراش ومكياج
وفي رفح أيضاً، حيث النزوح الأخير الذي أمرت به إسرائيل، تقول هيام، "حملت معي الفراش، وهذا الشيء الوحيد الذي فكرت بنقله، بعد أن فقدت كل شيء في غزة وأثناء النزوح، لم أعد أهتم بالأمتعة ما يشغل تفكيري أين سينام أطفالي ليلاً، ولهذا أول ما فكرت به أثناء الهرب من القصف هو الأغطية والفراش".
أما هاني السوسي فيقول، "لقد حملت معي عبوات المياه الفارغة، لأني سأذهب لأعيش في خيمة ومن المؤكد أن المياه غير متوافرة، وأنه يجب نقلها بواسطة غالونات، منذ بداية الحرب وأنا أعاني نقل المياه وعدم توافرها والاصطفاف في طوابير، لذلك أول ما أفكر به حمل عبوات المياه".
بينما يقول النازح فراس "الشيء المهم من بين الأغراض التي حملتها في جميع رحلات النزوح هو صندوق العدة، لقد وضعت مطرقة ومسامير أخشاب وقطع نايلون، وبعض الورق المقوى، هذه الأدوات استغلها لصنع خيمتي التي باتت مأوى لي بدلاً من بيتنا في غزة".
وبعد تنهيدة تملؤها الغصة، تقول ريماس، "وضعت حقائب كثيرة في صدر البيت تجهزاً للهرب في أي لحظة، وعندما جاءت أوامر الإخلاء نظرت بتمعن في زوايا بيتي واعتقدت أنها ستكون النظرة الأخيرة إليه، ومن الممكن أن لا نعود لمنزلنا".
وتضيف ريماس، "أكثر الأشياء التي أحبها وحملتها معي هي أدوات مكياجي، أعرف أن الأمر في الحرب يعد رفاهية، لكن أنا في هذه اللحظات أحب أن أضع في حقائبي الأغراض النسائية، لأن الاهتمام بالنفس مطلوب حتى لو تحت نار الجيش الإسرائيلي".
لقد صارت حقيبة النزوح جزءا من حياة سكان القطاع، وتقول نداء ذلك إذ تحمل على كتفيها شنطتها أينما ذهبت وتضع بها أغراضها المهمة، وفي وقت النوم تكون بجوارها خشية أن تتدهور الأوضاع فجأة فتضطر إلى النزوح السريع، "حقيبة النزوح تشبه الخزانة وبها كثير من الذكريات التي استطاعت جلبها قبل أن تباغتني طائرات الجيش الإسرائيلي بقصف منزلي، لقد تدمر بيتي وتعذبت روحي كثيراً لقصفه، لكن ما يصبرني أنني حملت معي هدايا قيمة من زوجي وبعض الملابس وصور الأطفال".