ملخص
على رغم المسؤولية الرسمية الملقاة على عاتق مجلس الخبراء في تعيين خليفة لخامنئي وعلى رغم معايير انتقاء أعضائه، إلا أن محللين يشككون في ما إذا كان مثل هذا القرار البالغ الأهمية سيترك فقط لمجموعة من كبار رجال الدين، وكثير منهم في الثمانينيات أو حتى التسعينيات من عمرهم.
أصبحت قضية تعيين خليفة للمرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 85 سنة مصدر قلق متزايد في البلاد. ومع انتخاب مجلس خبراء جديد أخيراً، وهو الهيئة المسؤولة عن تعيين المرشد الأعلى المقبل، زادت التكهنات حول هوية المرشد المقبل، وهو أمر يعدو كونه مجرد انتقال سياسي لما يحمله من آثار عميقة على السياسات الداخلية والخارجية لإيران، فضلاً عن مستقبلها كجمهورية إسلامية. في هذا السياق ناقشت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية التعقيدات المحيطة بطريقة اختيار خليفة لخامنئي والنفوذ المتزايد للحرس الثوري وكذلك اللاعبين الرئيسين المشاركين والمرشحين المحتملين لخلافته.
الصحيفة البريطانية ذكرت أنه ومع انتخاب مجلس خبراء جديد في مارس (آذار) الماضي، يتوقع كثيرون أن يتولى هذا المجلس، خلال فترة ولايته البالغة ثمانية أعوام، مسألة اتخاذ هذا القرار المصيري. ومن المعلوم أن واجبات المجلس المكون من نحو 90 من كبار رجال الدين، والذي لا يخضع للمساءلة إلا أمام المرشد الأعلى، تشمل تعيين مرشد أعلى جديد.
الصحيفة أوردت أن الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" وتداعياتها الإقليمية أظهرت سلطة المرشد الأعلى باعتباره صانع القرار المطلق وأن إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل في ضربة مباشرة غير مسبوقة جاءت بقرار منه، وهي خطوة يقول محللون إنها أظهرت استعداده لتحمل أخطار محسوبة من أجل إثبات مكانته كزعيم مستعد لمواجهة إسرائيل والمخاطرة بالتدخل الأميركي.
وفي مسألة الإرث السياسي الذي صنعه خامنئي على مدى 25 عاماً من توليه السلطة العليا في البلاد، خصوصاً في ما يرتبط بمسألة تحديد الأشخاص المسؤولين عن اختيار خليفة له، رأت "فايننشال تايمز" أن خامنئي كثيراً ما نظر إلى القوى السياسية في البلاد على أنها إما متحالفة مع مُثُل ثورة 1979 أو ضدها، وأنه لا يؤمن بوصف أحد الطرفين بالمتشددين والآخر بالإصلاحيين. وهو أمر مهد الطريق للمتشددين، أو المؤمنين بمُثُل الثورة، للسيطرة على جميع جوانب الدولة، مما تجلى في الانتخابات الأخيرة لمجلس الخبراء مع امتناع أو منع عدد من "الإصلاحيين"، وأبرزهم الرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني من الترشح لعضويته.
لكن وعلى رغم المسؤولية الرسمية الملقاة على عاتق المجلس في تعيين خليفة لخامنئي وعلى رغم معايير انتقاء أعضائه، إلا أن محللين، وبحسب الصحيفة مجدداً، يشككون في ما إذا كان مثل هذا القرار البالغ الأهمية سيترك فقط لمجموعة من كبار رجال الدين، وكثير منهم في الثمانينيات أو حتى التسعينيات من عمرهم.
الصحيفة رأت أنه من المتوقع أن تمارس مؤسسات أخرى، بما في ذلك الحكومة والسلطة القضائية والبرلمان، نفوذها. لكن من المتوقع أيضاً أن تكون الكلمة العليا والمستوى الأكبر من التأثير في هذه العملية للحرس الثوري باعتباره المؤسسة الأساسية والأقوى في البلاد.
دولة داخل دولة
نما تأثير الحرس الثوري الإيراني بصورة كبيرة على مدى العقد الماضي، مع امتلاكه لشبكة واسعة من العلاقات والعملاء والقوى على امتداد الشرق الأوسط ابتداءً من اليمن ووصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان و"حماس" في غزة. بتعداد موظفين يبلغ 120 ألفاً ومئات آلاف القوات التطوعية داخل إيران، لا ينظر كثيرون إليه على أنه "حارس بريتوري" لخامنئي فحسب، بل أيضاً على أنه قوة دافعة وراء الأولويات الاقتصادية والعسكرية للنظام.
"فايننشال تايمز" ذكرت أن التوسع الكبير للحرس الثوري في الداخل والخارج دفع المراقبين الغربيين إلى تشبيهه بـ"دولة داخل الدولة"، وهو دور جاء على حساب المؤسسات التقليدية مثل رجال الدين.
ومع ذلك، يدرك الحرس الثوري أن المؤسسة الدينية تظل المصدر الرئيس لشرعية النظام السياسي الدينية في البلاد، وبحسب المحللين، فإن أي توترات من غير المرجح أن تظهر إلى العلن، كما أنه من غير المرجح أن يشارك الحرس بصورة مباشرة في عملية التعيين، ولن نراهم يقفون ضد رجال الدين، لكنهم سيكونون بمثابة الذراع الاستشارية الرئيسة للمجلس.
إضافة إلى ذلك، تتابع الصحيفة نقلاً عن مسؤول إيراني سابق لم تذكر اسمه، لن تكون هناك شخصيات بارزة في مجلس الخبراء المقبل لتحدي نفوذ الحرس الثوري وحتى الشخصية الأبرز في المجلس، الرئيس إبراهيم رئيسي، لن يكون له تأثير كبير.
من هم أبرز المرشحين؟
"فايننشال تايمز" أفادت بأن هناك اسمين يترددان داخل الدوائر الخاصة في إيران منذ فترة طويلة داخل الدوائر الخاصة في إيران، كمرشحين محتملين ليصبح أحدهما المرشد الأعلى المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأول هو رئيسي الذي تميز عن سابقيه من رؤساء إيران بولائه غير المشروط لخامنئي وعمله كموظف تدير حكومته الشؤون اليومية للجمهورية. لكن رئيسي امتنع أيضاً عن تحدي الحرس الثوري في سياساتهم الإقليمية، تحديداً خلال الحرب الأخيرة بين "حماس" وإسرائيل. ونظر كثيرون إلى رئيسي بعيد انتخابه عام 2021 على أنه خليفة خامنئي المختار، بخاصة إذا ما علمنا أن محافظين وإصلاحيين بارزين آخرين كانوا مُنعوا من الترشح حينها.
لكن الصحيفة أضافت أن بعضهم رأى أن الرئاسة كانت فخاً نصبه له منافسوه المتشددون في وقت كانت تتصارع البلاد مع عدد من التحديات، ليس أقلها التضخم والتراجع الاقتصادي والفشل في إحياء الاتفاق النووي مع الغرب، مما قد يحول دون صعوده إلى المنصب الأعلى في البلاد.
أما الاسم الآخر الذي تم الحديث عنه كخليفة محتمل فهو نجل خامنئي مجتبى.
الرجل البالغ من العمر 54 سنة لا يتمتع بشهرة عامة كبيرة، لكن هذا لم يمنع من أن يكون هدفاً للمتظاهرين منذ الاضطرابات التي اندلعت عام 2009 بعد إعادة انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد. حينها قال المتظاهرون إن الانتخابات تم تزويرها ضد المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي لتمهيد الطريق أمام مجتبى لخلافة والده.
وفي دوائر القرار داخل النظام، يدعم المؤيدون لخامنئي الذين يشعرون بالقلق حيال التحولات المحتملة في مصالحهم، مجتبى، متوقعين ألا تحمل قيادته أي تغييرات كبيرة. وهذا الوضع يعني بالنسبة إلى الحرس الثوري مزيداً من السيطرة على الأمور، مما يعزز مكانته كقوة مؤثرة في توجيه السياسات وتحديد المسار السياسي والاقتصادي للبلاد.
الصحيفة البريطانية ختمت أن الشبكة الواسعة من الأشخاص والشركات والدوائر السياسية والدينية التي ترتبط جميعها بمكتب المرشد الأعلى، تشعر جميعها بالقلق على مستقبلها في ظل القيادة الجديدة. فمن وجهة نظرهم، تمثل قيادة مجتبى الخيار الأفضل والأكثر أماناً، فهم يخشون أن يقوم شخص مثل رئيسي حال فوزه، بتطوير شبكته الخاصة، على غرار ما فعله خامنئي قبل ربع قرن.