Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخطوف بن عمران.. صندوق أسود جديد لعشرية الجزائر

أعاد العثور على الأربعيني إلى الأذهان سنوات توتر الأمن وقضايا السحر والحسد

28 عاما فارق زمني على خطف عميرة والعثور عليه (مواقع التواصل)

ملخص

حولت السلطات الجزائرية عميرة بن عمران إلى طبيب للكشف عليه والاطمئنان على صحته بعد العثور عليه في بيت جاره إثر اختطافه وإخفائه 28 عاما.

لا تزال قضية الشاب الجزائري الذي عثر عليه بعد اختفاء دام 28 عاماً تقريباً، تثير جدلاً واسعاً في ظل تضارب الروايات بين من اعتبرها غريبة وآخر مقتنع بأنها غير منطقية ثم طرف ثالث يشكك في الحادثة أصلاً، لكنها في النهاية أعادت إلى الأذهان حوادث مماثلة تمتد جذورها لجرائم "العشرية السوداء".

بين الغرابة والحقيقة والخيال يتواصل الحديث عن الأسباب وراء اختطاف الشاب عميرة بن عمران وهو في عمر الـ16 سنة من طرف أحد جيرانه بمدينة القديد في محافظة الجلفة وسط الجزائر، وكان ذلك عام 1996 حين عاشت البلاد أزمة أمنية خطرة عرفت بـ"العشرية السوداء"، مما جعل الاعتقاد السائد يصب في خانة اختطافه من طرف الجماعات الإرهابية التي عاثت في المدن والقرى تقتيلاً وتنكيلاً وإرهاباً وفساداً.

منذ أيام عثر على عميرة بعدما بلغ من العمر 44 سنة، داخل حفرة تحت الأرض في منزل جاره الذي يبعد 200 متر فقط من بيت عائلته، وعقب إخراجه من وسط "أكوام التبن" التي غطت المكان، سارع أفراد عائلته وأقاربه إلى احتضانه، وهو في وضعية "المندهش"، ليختلط الفرح بالحزن من الحال النفسية الصعبة التي وجد عليها المختطف، إذ إنه بهت في أول وهلة قبل أن يبدأ بتقبيل من يعرفهم ويناديهم بأسمائهم.

الطفل الذي أصبح رجلاً تكلم وفق ما تم تداوله من فيديوهات مع أقربائه الذين رافقوا الأمن الجزائري خلال عملية دهم منزل جاره، وقال لهم "إنني كنت أراكم من وراء النافذة لكنني لا أقدر أن أفتح الباب وأخرج، وكأن قوة قاهرة بداخلي تمنعني وتمنع حتى مناداتكم".

 

 

وأضاف أنه كان يرى والده من وراء النافذة متجهاً إلى المسجد ويعرف كثيراً من الأخبار بما فيها وفاة والدته، لكنه يشعر بأنه مكبل وكأنه آلة يتحكم فيها الخاطف كما يشاء، مشيراً إلى أنه طلب من سجانه مصحفاً من أجل القراءة لكنه رفض ذلك لأن البيت لا يوجد فيه أي مصحف.

سارعت السلطات الجزائرية لتحويله إلى طبيب للكشف عليه والاطمئنان على صحته، ثم نقل إلى مستشفى المحافظة ووضع في جناح خاص تحت الرعاية النفسية والصحية، فيما منعت عنه الزيارات سوى لعائلته المقربة جداً.

الوصول إلى عميرة

بدأت قصة العثور على عميرة بن عمران بعد رسالة نشرها أحد الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي، أعادتها إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن كان ضمن قائمة المفقودين الميؤوس من ظهورهم مجدداً، إذ كتب "المجهول" صاحب المنشور أن "هناك شاباً يدعى بن عمران مربوط بالسلاسل في منزل جاره وموجود داخل حظيرة أغنام تحت الأرض، وفوقه مجموعة من أكوام التبن وتم أسره منذ أعوام طويلة".

حرك هذا الأمر الجيران وأبناء القرية الذين راحوا يبحثون ويسألون، ثم أبلغوا المصالح الأمنية بالمنشور الذي قال أحد سكان المنطقة في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن صاحبته امرأة من أقارب الخاطف.

وعلى رغم استعجال صاحبة المنشور إلى كتابة تدوينة أخرى تذكر فيها أنها كانت تمزح، إلا أن الجميع بقي متمسكاً بالأمل في ظهور عميرة، خصوصاً أن المصالح الأمنية تحركت على الفور نحو الحي وطوقت المكان المشبوه ودهمت منزل شخص في الـ60 من عمره.

خاطف مثير للجدل

وكان الجاني في حال هدوء وبرودة أعصاب، بينما يفتش أفراد الأمن منزله، لكن سرعان ما توتر عند الوصول إلى مكان وجود عميرة، إذ وبمجرد إزالة أكوام التبن وظهور المختطف حاول الجاني الفرار، لتتمكن القوات الأمنية من اعتقاله ونقل الضحية إلى مقر الأمن.

هنا خيّم السكون على المنطقة برمتها بين الصدمة والتخوف والاستغراب والفضول، لتبدأ فصول قصة أغرب عملية اختطاف تشهدها الجزائر البوح بأسرارها.

وبعد ظهور عميرة، عادت لأذهان أبناء الحي بعض الأحداث التي شهدتها المنطقة وكذلك ممارسات وتصرفات ارتكبها الجاني باستمرار، إذ أوضح صاحب محل لبيع المواد الغذائية أن الخاطف كان يرفض دخول أي أحد إلى بيته، وكذلك كان يشتري الغذاء لشخصين بينما يقيم وحده في المنزل، وكشف عن يوم العثور على كلب عائلة بن عمران ميتاً أمام البيت، وهو الذي كان لا يفارق عميرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي آخر التطورات، أمر قاضي التحقيق لدى مجلس قضاء محافظة الجلفة بإيداع ستة أشخاص رهن الحبس الموقت، من بينهم المتهم الرئيس البالغ من العمر 61 سنة، فيما تم إخضاع متهمين اثنين لإجراءات الرقابة القضائية بعد تحقيق قضائي ضد المتهم الرئيس بتهم خطف شخص واستدراجه، وحجز شخص من دون أمر من السلطات المتخصصة وخارج الحالات التي يجيزها القانون، والاتجار بالبشر مع توافر ظرف استضعاف الضحية، ومتابعة سبعة متهمين بجرم عدم تبليغ السلطات المتخصصة.

غموض

وعلى رغم أن الغموض لا يزال يكتنف بعض تفاصيل الحادثة التي تشغل الشارع الجزائري حتى الآن، غير أن صور ومقاطع فيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر لحظة خروج الضحية من قبو تحت الأرض، يشبه المغارة ولا تتجاوز مساحته 40 متراً مربعاً مع باب صغير وهو في صحة جيدة ومظهر لائق زادت من الصدمة.

وأرجعت فئة من الجزائريين سبب اختطافه إلى السحر والشعوذة، إذ إن عميرة يتميز بـ"اليد الزهرية"، وهي عبارة عن خط مستقيم على طول وسط الكف، وهو النوع المفضل لدى السحرة لتنفيذ أسحارهم، وهي الحالة التي شهدتها الجزائر من قبل مع اختطاف أطفال أياديهم من الفصيلة نفسها.

واعتبرت أطراف أن أسباب "الجريمة" مرتبطة بحسد من جمال الرجل وحظه في الدنيا مع الجيران وأبناء المنطقة الذين كانوا يحبونه، وأيضاً لفكره وذكائه، بينما ترى ثالثة أن عملية الاختطاف مردها انتقام من عائلة بن عميرة التي كانت على عداوة مع الخاطف بسبب النسب والأراضي الفلاحية لأنها من العائلات العريقة الأصيلة ومعروفة بسيرتها المشرفة المقاومة للاستعمار الفرنسي، ومنها قتيل معروف بـ"الملازم بن عمران ثامر" تحمل مؤسسات عدة اسمه.

الاتجار بالبشر والاحتجاز غير القانوني

إلى ذلك، يرى أستاذ القانون آدم مقراني أن الحادثة تمثل واقعة غريبة وصادمة في الآن ذاته، فاختفاء قاصر لمدة 30 عاماً وهو على بعد أمتار من منزل العائلة من دون التمكن من معرفة مكانه هو صدمة للجزائريين الذين تجاوزوا منذ التسعينيات هذه الجرائم وما تحمله معها من صدمات اجتماعية.

 

 

وقال إن القضية لم تكشف حتى الآن عن الغموض التي يكتنفها، فعلى رغم تضارب الآراء لكنها لم تفصح بعد عما يمكن أن تخفيه، متسائلاً "هل يتعلق الأمر بالاتجار بالبشر أو باختطاف لغايات أخرى؟".

وأضاف أنه ينتظر تفاصيل صادمة، بخاصة بعد تعهد الجهات القضائية المعنية الانتصار للضحية ولعائلته ولوالدته التي فارقت الحياة حسرة على ابنها، موضحاً أن التهم الأولية هي الاتجار بالبشر والاحتجاز غير القانوني.

قصة أخرى مثيرة

ويبدو أن الحوادث الغريبة والقصص الصادمة تتوالى على الشارع الجزائري، حيث شهدت محافظة تيارت غرب البلاد، لقاء شابة تدعى لينا مع أهلها بعد 19 عاماً، إذ تركتها والدتها بعد انفصالها عن زوجها "الوالد" لدى عائلة للتكفل بها بعد ولادتها مباشرة، من دون معرفة الأب الذي لم يكُن يعلم أساساً أن زوجته "الوالدة" التي انفصل عنها كانت حاملاً.

وشاءت الأقدار وتراجع الزوجان عن قرار الطلاق، لتجد الوالدة نفسها أمام معضلة بعد أن أخبرت زوجها بأمر ابنته لينا، فأرادا إعادتها إلى حضنهما، لكن العائلة التي كفلتها غيرت مقر إقامتها نحو مدينة أخرى من دون ترك أي أثر، لتنطلق رحلة بحث طويلة من دون جدوى.

لكن والد لينا بالتبني وقبل وفاته أخبرها بالحقيقة، فتغيرت المعادلة وبدأت الشابة بالبحث عن عائلتها الحقيقية، لتلتقي أفرادها بعد 19 عاماً، وللأسف كانت والدتها فارقت الحياة من دون رؤيتها.

المزيد من متابعات