ملخص
يرجح سيناريو علمي عن توقف دوران الأرض أنها ستتحول إلى كوكب نهاره ستة أشهر وكذلك ليله، وتبدل شكلها من شبه البيضاوي المتمدد إلى الكروي المنضغط الكامل الاستدارة، مع خروج قارة هائلة من أعماق محيطاتها تمتد عبر العالم لكن جزءاً منها سيكون بارتفاع يفوق الهملايا.
هل تتوقف الأرض عن الدوران ذات يوم وماذا يحصل حينها؟ لعل الإجابة تبدأ بمفاجأة، إذ لا يستلزم تصور سيناريو علمي مرجح في شأن الأرض المتوقفة عن الدوران سوى تخيل الفارق بين كرتي البيسبول والقدم. ويرجع ذلك إلى أن التغير الأهم الذي يرافق ذلك التوقف يتمثل في خروج الأرض من شكلها شبه البيضاوي المتطاول الشبيه بكرة لعبة البيسبول الأميركية، كي تتجمع وتنتفخ وتتحول إلى شكل كروي باستدارة تامة، فتشبه تلك المستعملة في كرة القدم.
واستطراداً يعني ذلك أن الوسط القليل الاستدارة في أرض كرة البيسبول سينتفخ كثيراً ويبتعد ويرتفع كثيراً عن نقطة المركز فيه، بالتوازي مع تشكل أرض كرة لعبة القدم فتغدو مستديرة تماماً. ويترافق ذلك الانتفاخ المذهل مع خروج قارة ضخمة من أعماق المحيطات، كي تمتد عبر ما تبقى من اليابسة التي ستغمر المياه أقساماً واسعة فيها، لكن جزءاً منها قد يعلو إلى ارتفاع يفوق جبال الهملايا.
وقد يضاف إلى ذلك المشهد الأسطوري أمر بديهي تماماً، إذ نعرف أن دوران الأرض على نفسها يؤدي إلى التبادل بين الليل والنهار الذي يحصل في 24 ساعة. وعلى رغم توقف الأرض التي قد تحتفظ بقوة جاذبيتها وتمسك بما عليها، إلا أنها ستستمر في الدوران حول الشمس. ويعني ذلك أن يومها سيصبح بمقدار 12 شهراً التي تستغرقها في دورتها الشمسية، بالتالي سيتوزع ذلك اليوم بالتساوي على نهار مدته ستة أشهر بشمس لا تتزحزح إلا بالكاد فتشويه بحرارتها، وليل يساويه في الأشهر لكنه لا يخرج إلى الشمس إلا ببطء هائل فيعيش في برودة تفوق صقيع القطبين.
لماذا تدور هذه الكرة؟
الأرجح أن رسم أي سيناريو علمي يصف ذلك الحدث الاحتمالي يسبقه التفكير في أسئلة من نوع: لماذا تدور الأرض حول نفسها بالأصل؟ وهل ستكون الحضارة الإنسانية موجودة حينها؟ وكيف تكون أحوال المنظومة الشمسية في ذلك الوقت؟ وكيف تكون أحوال الكواكب السيارة التي تتشارك مع الأرض في تلك المنظومة؟ وغير ذلك.
لكن لماذا تدور هذه الكرة المسماة الكوكب الأزرق؟ سيسهل على من طالع الصور الشهيرة التي أرسلها تلسكوب "هابل"، وسميت "أعمدة التكوين"، وتضمنت صور سديمات هائلة من الغبار الكوني. والتقطت تلك الصور تشكل منظومات نجمية تتألف كل واحدة منها من مجموعة كواكب سيارة تدور حول شمس [النجوم هي شموس].
وتذكيراً اعتبرت تلك الصور شبه تأكيد لما ذهب إليه عالم الفلك الفرنسي الشهير أنطوان لابلاس في أواخر القرن الـ19 عن تشكل منظومتنا الشمسية، إذ اعتبر أن أمرها ابتدأ بقرص دوار هائل من الغبار الكوني الفائق الحرارة، مما يؤدي إلى تجمع تدريجي لجرم ضخم ملتهب في وسطه، [ويصبح الشمس] فيما تتجمع في نقاط مختلفة حوله أجرام أصغر تتسم أيضاً بالحرارة الشديدة، وستصبح كواكب سيارة، لكن أقل التهاباً من الشمس التي تضحي المركز الذي يمسك كل منظومة الكواكب.
إذاً الأرجح أن حركة الدوران لقرص الغبار الكوني تشكل الأساس في دوران الشمس والكواكب السيارة حول نفسها، وكذلك في دوران تلك الكواكب حول نجمتها الملتهبة. ثم جاءت صور تلسكوب "هابل" في تسعينيات القرن الـ20. ورأى فيها العلماء ما يرجح التصور العام في نظرية لابلاس، مع بعض الفوارق في مجموعة من التفاصيل التي لا تتسع أسطر المقالة لتناولها.
إذاً فالأرجح أنه منذ بداية تشكل المنظومة الشمسية، يرتبط دوران الأرض حول نفسها بتلك الطاقة الهائلة التي أسهمت مع ما تضمنته من دورانات هائلة في تشكل تلك المنظومة والحركات الدورانية المتنوعة فيها.
فهل ستتوقف بالفعل؟
ستتوقف الأرض عن الدوران ذات يوم، وفق الحسابات العلمية عن تباطؤها الذي يرصد العلماء حدوثه حقيقة بمعدل جزئين من الألف من الثانية كل 100 سنة.
تبدو كلمات تلك الجملة صارمة كأنها تحتفي بنفسها، لكنها تخفي أكثر من نقطة ضعف فيها. إذاً كن على حذر منها قليلاً لأنك ستحتاج إلى كثير من التنبه أثناء قراءتك سيناريو علمي محتمل في شأن توقف الأرض عن الدوران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في وصف موجز، إذا استمر معدل تباطؤ الأرض على إيقاعه حاضراً بمعدل 2 مللي ثانية كل قرن، فسيستلزم الأمر 1800 قرن كي يخسرها التباطؤ ساعة من يومها المكون من 24 ساعة. ويقتضي الأمر انقضاء 4.32 مليار سنة للوصول إلى خسارة ذلك اليوم كله، ولتغدو كرتنا الزرقاء "واقفة كأنما الأرض فرت من ثوانيها" وفق وصف الشاعر نزار قباني وغناء المطربة نجاة الصغيرة.
وتشكل مليارات الأعوام زمناً مديداً هائلاً، أليس كذلك؟ ولكن يكمن أحد وجوه أهميته في أنه يعطي فكرة عن البطء والتدرج في التغيرات المتصلة بتوقف الكوكب الأزرق عن الدوران.
والأرجح أننا وصلنا إلى نقطة ضعف أولى في الحديث عن حتمية توقف الأرض عن الدوران، هل سيحصل ذلك التوقف بالفعل، إذا احتاج تحققه إلى ذلك الزمن المديد المقدر بنحو 4.2 ألف مليون سنة؟ الأرجح أن الإجابة صعبة، لكن بعض ملامحها قد تتبدى في سياق سيناريو علمي محتمل في شأن توقف الأرض عن الدوران.
"إيكواتوريا" تخرج من أحشاء المحيطات
الأرجح أن دوران الأرض حول نفسها منذ بداية تشكلها قبل مليارات الأعوام، أسهم في إعطائها شكلها شبه البيضاوي تحت تأثير القوة الطاردة المركزية الناجمة من الدوران. وبالتالي صارت المسافة بين طرفيها عند وسطها، أي عند خط الاستواء، أكبر قليلاً من طول محورها العمودي بين قطبيها المتجمدين. ويبلغ الفارق بين الاثنين نحو ثمانية كيلومترات. وكذلك فإن قيعان المحيطات في المنطقة الاستوائية تبعد عن السطح بأكثر من ارتفاع أعلى الجبال، وينطبق وصف مماثل على شكل الغلاف الجوي أيضاً.
ومع توقف الأرض عن الدوران، يتوقف تأثير القوة الطاردة المركزية، ويميل محوراها الأفقي والعمودي إلى التساوي، فتتجه إلى شكل كروي كامل. وتأخذ المسافة بين قطبي الأرض في الزيادة، في مقابل تقلص طولها عند خط الاستواء.
ليس الأمر سهلاً، لأن الطبقات الصخرية للأرض ستأخذ في الانضغاط والتجمع في وسط الأرض، بعد أن كانت ممتدة على محورها "الممغوط" عند المنطقة الاستوائية، فيما ستتدفق مياه المحيطات إلى قطبي الأرض، بل وستغمر مناطق واسعة من اليابسة القريبة منها.
بالترافق مع تجمع الطبقات الصخرية العميقة للأرض في وسطها، تأخذ القيعان السحيقة للمحيطات في الارتفاع، كأنها تقعر يرتد إلى الأعلى فيأخذ شكل القوس. بالتالي تندفع من قيعان المحيطات قارة هائلة تستمر في الارتفاع إلى حد أن أجزاء منها تكون بعلو شاهق يفتقد إلى ما يكفي من الأوكسجين للعيش فيه. وكذلك يترافق ظهور تلك القارة مع تقلص مساحة اليابسة تحت تأثير تدفق مياه المحيطات باتجاه قطبي الأرض وما يحاذيهما. ويؤدي ذلك إلى أن القارة الجديدة ستتمدد على طول المنطقة الوسطى من تلك الكرة الأرضية الواقفة، ويغدو سطحها اليابس على تلامس مباشر مع بقية اليابسة. ويصير شكل اليابسة كسطح لقارة واحدة هائلة قد تسمى "إكواتوريا" Equatoria نسبة إلى خط الاستواء "إكوايتر" Equator، الذي ستظهر عنده القارة الجديدة الممتدة عبر القارات كلها، وكذلك تحيط المياه بقارة "إكواتوريا" الضخمة من جوانبها كلها.
ولنتذكر أن الكلمات السابقة تمثل وصفاً تقريبياً عاماً لمجريات ضخمة، بعضها كارثي.
لا نتحدث عن تصور كرة بيسبول بسطح رقيق لين ويملؤها الهواء مثلاً، ثم نضغط عليها بقوة من الطرفين فيعيد الهواء التجمع في أرجائها كي تصبح كرة مستديرة. إننا نتحدث عن الكرة الأرضية المعروفة بأنها كوكب صخري أساساً، يضم مسطحات مائية كبيرة. وكذلك يعرف الجميع أن تحرك الطبقات الصخرية للأرض لا يعني سوى زلازل هائلة. وبالتالي تحرك الطبقات الجيولوجية الصخرية للأرض كلها، كي تنتقل الأرض من شكل كرة البيسبول إلى الاستدارة التامة لكرة القدم، لا يعني سوى زلازل هائلة مستمرة يصعب حتى تصور هول قوتها.
ومرة أخرى تجري تلك الحوادث الزلزالية الكوارثية بالتدريج وعلى مدى زمني متطاول. هل ينجو الجنس البشري من تلك الزلازل والاندفاعات والانهيارات والفيضانات الهائلة؟ من يدري؟
تصادم مجرتين وسباق مع انهيار الشمس
في المعطيات العلمية الحالية أن مجرتنا (درب التبانة) تقترب من مجرة "أندروميدا" بسرعة 112 كيلومتراً / ثانية، ويتوقع تصادمها خلال 4 مليارات سنة. إذاً الأرجح أن يسبق أو يرافق توقف الأرض عن الدوران حول نفسها ارتطام مجرتنا بـ"آندروميدا"، وهي من أقرب المجرات إلينا.
ولا يحدث تصادم المجرات الضخمة الأبعاد التي تحتوي مليارات النجوم والكواكب في لحظة خاطفة، ولنتذكر أن قطر مجرة درب التبانة يبلغ 100 ألف سنة ضوئية، كل منها بطول 940 مليون كيلومتراً. والأرجح أن تصادم المجرتين أمر يحدث بالتدرج، عبر سلسلة تصادم بين نجوم، وهي شموس، وحوادث كونية هائلة يصعب حتى تخيلها.
هناك نقطة ضعف أخرى في إمكان تحقق سيناريو فرار الأرض من ثوانيها، تتمثل في الفرن الشمسي الهائل. إذ يستند ذلك السيناريو العلمي إلى استمرار الأرض في الدوران ضمن مداراتها حول الشمس التي يفترض أنها ستحتفظ بجاذبيتها نفسها التي تمتلكها الآن، وهل يستمر إمساك الشمس بمنظومة الكواكب السيارة التي تدور حولها، فيما يسير فرنها الحراري الهائل نحو استنفاد وقوده الهيدروجيني، والتوقف عن توليد الطاقة؟
استطراداً بعد 4.2 مليار عام تقترب الشمس من استنفاد وقودها الهيدروجيني، وهو حدث كوني جلل يؤثر في مصير المنظومة الشمسية كلها التي تصبح مهددة إما بالاحتراق أو الابتلاع أو غير ذلك.
بالتالي فإن الأرض المتوقفة ستستمر في الدوران حول الشمس بسرعة 107 آلاف كيلومترات في الساعة، ويعني ذلك استمرارها في المشاركة بتلك الرقصة المجنونة للشمس ومنظومتها الكواكبية التي تبعد بمجملها عن مركز المجرة نحو 26 ألف سنة ضوئية.
وتتصف تلك الرقصة الكونية بأن الشمس وكواكبها تدور حول مركز المجرة بسرعة مدوخة تتراوح بين 200 إلى 240 كيلومتراً في الثانية، أو ما يتراوح بين 720 و828 ألف كيلومتر في الساعة. وعلى رغم تلك السرعة الأسطورية تنجز الشمس ومنظومتها دورة واحدة حول المجرة كل 250 مليون سنة، مما نقيسه على الأرض. بقول آخر تساوي السنة المجرية للشمس التي تبعد من الأرض 150 مليون كيلومتر، نحو ربع مليار سنة أرضية.
وفهل تستمر تلك الرقصة الدورانية للشمس وكواكبها السيارة على حالها خلال مليارات الأعوام التي ربما تفصلنا عن فرار الأرض من ثوانيها؟
حضارات الصراع مع الصقيع واللهـيب
قبل وصف بقية التفاصيل المحتملة لسيناريو علمي عن توقف دوران الأرض، يجدر التذكير بتلك المشهدية الكونية المذهلة التي ترجح تحولها إلى كرة لا تدور حول نفسها، فتقابل الشمس دوماً بنصف سطحها الذي يصبح نهاره ملتهب الحرارة ويدوم ستة أشهر. وتتزحزح الشمس بأشد من بطء سلحفاة أسطورية، كي تنير وتدفء بتدرج صبور، الوجه الآخر المظلم للأرض الذي يستمر ليله الجليدي البرودة مدة مماثلة.
ألا تشبه كلمات المقطع السابق ما نستعمله حاضراً في وصف القمر؟
إذاً لنتذكر معطياتنا الحاضرة عن القمر، ونعلم أن القمر يدور حول نفسه مرة كلما أنجز دورة حول الأرض. وبالتالي يساوي اليوم القمري 29.5 يوم أرضي تتوزع بالتساوي بين الليل والنهار القمريين، وكذلك تستمر الأرض في رؤية الوجه نفسه من القمر، لأن سرعة دورانه حول نفسه تتساوى مع سرعة دورانه حول الأرض.
واستكمالاً تدور الأرض حول نفسها بسرعة 1180 كيلومتراً في الساعة، فيما تدور الشمس حول نفسها بسرعة 7200 كيلومتر في الساعة (كيلومترين في الثانية)، فتنجز دورة حول نفسها بمعدل 27 يوماً (بين 25 و30 يوماً). ألا تذكر أرقام اليوم الشمسي أيضاً بعدد أيام الشهر القمري؟
على القمر تصل حرارة السطح الذي يقابل الشمس إلى ذروة مقدارها 120 درجة مئوية، ثم ينتقل على مدار شهر قمري إلى الغياب عنها، فتكسوه ظلمة صقيعها يلامس 140 درجة مئوية تحت الصفر.
ومع تشابه الأرض الفارة من ثوانيها مع أحوال القمر، قد تتكرر تلك الأرقام المخيفة عليها. لكن ثمة فارق محتمل، إذ يرجح أن تحتفظ الأرض بجاذبيتها، وتستمر بالإمساك بمحيطاتها وغلافها الجوي مع كل العوامل والمتغيرات التي يحتويانها. ولعل ذلك ما يخفف من تلك الأرقام قليلاً، فيكون المعدل العام للحرارة في نهار الأرض الواقفة نحو 50 درجة مئوية (مما يعني أنه ذروته تكون أعلى من ذلك كثيراً)، فيما يلامس المعدل العام لبرودة الليل فيها 45 درجة مئوية تحت الصفر.
هل يمكن للبشر إذا استمرت حضارتهم إلى ذلك الزمن التعايش مع تلك المتغيرات، خصوصاً معايشة ستة أشهر من النهار الحارق وستة أشهر من الليل الجليدي؟
باختصار ثمة من يستند إلى القدرة التاريخية العجائبية للبشر على التأقلم، فيرسم صورة كتل بشرية تتحرك كل ثلاثة أشهر كي تنجو من ذروات الحرارة اللاهبة، فتقطع كامل نهار الأرض الواقفة في ستة أشهر، مع معدات وتجهيزات متطورة تتكفل ببقائهم، وربما تحركت كتل بشرية أيضاً في الاتجاه الآخر. ويرجح أن المتحركين سيحرصون دوماً على الاقتراب من المناطق المتوسطة التي للمفارقة تكاد تتطابق مع المناطق المعتدلة لأرضنا. والأرجح أن تلك المشهدية الخرافية تتضمن أيضاً بقاء كتلة بشرية في المناطق التي تتوسط نهار الأرض الواقفة وليلها كي تستقبل المتحركين من الاتجاهين، وتضمن استمرار إمدادهما بالمعدات وأسباب البقاء بما في ذلك الغذاء. وقد تميل تلك الكتلة إلى التوزع على جزئين، أحدهما أميل إلى طرف منطقة الليل والآخر أقرب إلى طرف منطقة النهار، ولربما مارست الكتلتان أو الشعبان أو الحضارتان نوعاً من الزراعة المتحركة التي تجري على أسطح محمولة على مركبات أو ما يشبهها.
بالتالي ربما يؤول الأمر إلى أربع حضارات تتعاون في البقاء حية، وتتآزر في الصراع مع الصقيع المميت والحرارة الحارقة. وربما سبقت يد انهيار الشمس ومنظومتها أو الحوادث الكونية الكبرى لتصادم مجرتي درب التبانة وأندروميدا، كل تلك المشهدية برمتها.