يعيد الإسلاميون المنتمون في الجزائر، إلى خمسة أحزاب سياسية على الأقل، تجربتهم المريرة مع الانشقاقات بفعل "مرض الزعامة"، كما يتهمهم خصومهم في التيار العلماني.
وبقدر الحديث عن مرحلة "تغيير" جذري في الممارسة والفعل، إلاّ أنّ توجه أول زعيم إسلامي للترشح إلى الرئاسيات منفرداً، أعطى صورة عن مشروع ممزق لم يستفد من تجارب العقدين الأخيرين.
بخطى الواثق جداً، كان عبد القادر بن قرينة، رئيس "حركة البناء الوطني" يطلق تصريحات يقول فيها "أنا الرئيس المقبل للجزائر"، مباشرةً بعدما سحب فريق يساعده استمارات الترشح للرئاسيات من مقر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تضم حوالى 50 ألف استمارة تحتاج الى تواقيع مواطنين، حتى يُقبل ملفه كمرشح رسمي للرئاسيات.
تفاؤل بن قرينة، بدا مبالغاً به، مقارنة بسياسيين ونشطاء مغمورين سبقوه إلى مقر سلطة الانتخابات، فلا علي بن فليس تنقل بنفسه لجلب الإستمارات، ولا عبد العزيز بلعيد ولا حتى مراد عروج، قائد "حزب الرفاه" حديث التأسيس.
والسؤال المطروح بإلحاح، ما الذي قد يغري السلطة الفعلية بعبد القادر بن قرينة ؟ لذلك لم يكن الاختلاف كبيراً في مضمون التحليلات التي رافقت ترشحه، فجميعها أفادت بأن "الرجل أُصيب بمرض الزعامة، كما أُصيب من سبقه في التيار الإسلامي".
متحالفان في البرلمان متنافسان في الرئاسيات
الغريب أن حركة البناء الوطني التي نشأت من رحم حركة مجتمع السلم، قبل خمس سنوات، ستدخل الرئاسيات منفردة، على حساب حليفها في البرلمان، جبهة العدالة والتنمية، فالحزبان يتحالفان بشكل وثيق داخل قبة المجلس الشعبي الوطني، داعمين صفوفهما بنواب حركة النهضة، والأغرب من ذلك أن زعيم جبهة العدالة والتنمية، المعارض الإسلامي البارز عبد الله جاب الله، يخطو بدوره خطوات "جبارة" لإعلان ترشحه نهاية الشهر الجاري.
ويبدو أن حزب جاب الله، اغتاظ من خطوة بن قرينة، إذ أصدر بياناً في اليوم ذاته لترشح الأخير، قال فيه إن " جبهة العدالة والتنمية تعتزم عقد اجتماع مجلس الشورى يوم السبت المقبل الموافق 28 سبتمبر (أيلول) الجاري، لحسم موقفها من الرئاسيات المقررة في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وأفاد بيان للتشكيلة السياسية التى يقودها عبد الله جاب الله، بأن "اجتماع مجلس الشورى الوطني في مقر الجبهة ببابا حسن، سيفصل في قضية مشاركتها في الموعد الدستوري المقبل بعد استدعاء الهيئة الناخبة من قبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح".
"حمس" تناور وتترقب
أما حركة مجتمع السلم "حمس"، فقد أجلت بدورها إعلان موقفها إلى 28 من الشهر الجاري، ويضفي أحمد صادوق رئيس كتلتها البرلمانية، غموضاً "سلبياً" يشير إلى توجه فردي محتمل.
ويقول "التعدد ليس عيباً، وكل حزب قادر من زاويته ووجهة نظره، لكننا في النهاية نرحب بالمبادرات إن كانت جادة سواء تحالف إسلامي أو خلف مرشح توافقي. في المرحلة الراهنة، لم تظهر أية مبادرات يمكن دراستها أو بحثها".
ويضيف صادوق "نعتبر أن الرئاسيات ممراً ضرورياً، فالجزائر من دون رئيس وهذا محرج داخلياً و خارجياً"، لكن "هذه الرئاسيات تحتاج إلى شروط النزاهة والتطمين ونحن نحمّل السلطة الفعلية مسؤولية إنجاح هذا الموعد، سنقرر الموقف النهائي يوم 28 أيلول (سبتمبر) الجاري وحالياً نحن في مرحلة استشارات لصياغة القرار المناسب".
الإسلاميون ضحية أنفسهم
على النقيض، يتساءل "متعاطفون" مع التيار الإسلامي، حول تراجع خططه في "لم الشمل" لدرجة تفريخه خمسة أحزاب على الأقل من بيئة وأصل واحدَيْن، ولعل أبرز محطة في تاريخ ترشح هذا التيار للانتخابات الرئاسية، كانت في فترة مؤسس حركة مجتمع السلم، الشيخ الراحل محفوظ نحناح، عام 1995 حين كان منافساً لمرشح الجيش في تلك الفترة، ليامين زروال.
بدأت عام 1999، متاعب التيار الإسلامي في التعاظم، فنحناح الذي قبل ترشحه أربعة سنوات من قبل، رفض بدعوى عدم مشاركته في الثورة التحريرية على الرغم من أنه من مواليد 1942 (الثورة اندلعت في 1954)، ليفوز مرشح الجيش مرة أخرى، مع فارق على قدر من الأهمية، فالفائز هو عبد العزيز بوتفليقة "الماكر و الداهية" سياسياً.
تمكّن بوتفليقة من استدراج حركة مجتمع السلم عام 2004، إلى تحالف "هجين" جمعه بحزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، تحت قيادة خليفة نحناح الذي خلفه الشيخ أبو جرة سلطاني. ليقتحم التيار الإسلامي مسار "تزكية المغالطات"، بما فيها "كبائر" فترة بوتفليقة، إلغاء تقييد فترة الولاية الرئاسية عام 2008 والتأسيس لفكرة الحكم مدى الحياة.
وكما يقول المثل الشعبي المصري "دخول الحمام ليس كخروجه"، وجدت حركة مجتمع السلم نفسها وهي تحاول الخلاص من التحالف الرئاسي ومشاركتها في الحكومة مطلع 2012، فقد وضعت الحركة سيناريو "الإخوان" في تونس ومصر نصب أعينها، وتهيّأ لها أن الحكم في طريقه إليها عبر "ربيع جزائري وشيك"، فأعلنت فوراً طلاقها مع نظام بوتفليقة.
"ضريبة الطلاق" مع النظام
ضريبة "الطلاق" لم تكن بسيطة بالنسبة إلى حركة مجتمع السلم، إذ سرعان ما "فرخت" أحزاباً عدة كخيار "عقابي" اتخذته الدولة العميقة بقيادة الجنرال المتقاعد محمد مدين (قائد الاستخبارات السابق)، وأولها "تجمع أمل الجزائر" بقيادة عمار غول (سجين في الحراش)، ومن ثم "جبهة التغيير" بقيادة عبد المجيد مناصرة، ثم لحقت "حركة البناء الوطني" بالركب، كما يمكن عد خسائر كثيرة أخرى، إذ غادره المئات من المناضلين ورفض أربعة من وزرائه ترك مناصبهم الحكومية، ففُصلوا منه لاحقاً.
على أساس هذه المعطيات، يقول متابعون لتطور الفعل السياسي للتيار الإسلامي في العقد الأخير، إنه سيكون في مواجهة معضلة تشتت الأصوات، وتعدد المرشحين في ظل الانشقاقات الداخلية التي شهدتها معظم الأحزاب الإسلامية وتشتت وعائها الانتخابي.