ما بين انسداد المسار التفاوضي لأزمة سد النهضة الإثيوبي، بإعلان أديس أبابا رفض المقترح المصري لملء وتشغيل السد، الذي فشل اجتماع القاهرة في مناقشته، وتصعيد وسائل الإعلام الإثيوبية للأجواء بالحديث حول حصول بلادها على منظومة دفاع إسرائيلية لحماية منشآت السد من "ضربة محتملة"، وذلك بعد زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد تل أبيب مؤخراً، تصل "الأزمة" إلى أروقة الأمم المتحدة خلال هذا الأسبوع مع تزايد توقعات المراقبين حول "حرب كلاميَّة" مصرية - إثيوبية خلال الاجتماعات المرتقبة أو على أقل تقدير تنظيم اجتماع ثلاثي بين الرئيس المصري ورئيسي وزراء السودان وإثيوبيا.
وأعلنت الرئاسة المصرية، وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماعات الرفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين، حيث ستكون قضايا القارة الأفريقية محوراً أساسياً في بيان مصر أمام الجلسة العامة للأمم المتحدة، في ضوء رئاسة مصر الحالية الاتحاد الأفريقي.
رفض إثيوبي
وقال موقع "ذا ريبورتر" الإثيوبي، في تقرير له، إن قضية سد النهضة عادت إلى "المربع الأول" قبل أسبوع من الاجتماع المقرر لوزراء الموارد المائية لإثيوبيا ومصر والسودان المقرر في الخرطوم، بعد أن قدَّمت مصر مقترحها حول تشغيل "سد النهضة" قبل شهر، الذي رفضته إثيوبيا.
كما رفضت أديس أبابا حضور اجتماع سداسي بدعوة مصرية بين وزراء الخارجية والمياه للبلدان الثلاث، على اعتبار أن "الاجتماع الثلاثي المنتظم بين وزراء المياه في كل من الدول الثلاث، وكان ينظر إليه على أنه مناقشة تقنية بحتة، يعمل على التوصل إلى حل تقني.
وفي الوقت نفسه، يسعى اقتراح مصر الجديد إلى "إعادة السياسة إلى الطاولة". وبالتالي، قُوبلت الفكرة بـ"لا" مدوية من "الجانب الإثيوبي".
ونقل "الموقع"، المقرب من السلطات الإثيوبية عن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، أن المقترح المصري يمثل "إهانة لسيادة إثيوبيا".
وتابع التقرير، "ربما يعتقدون أن إثيوبيا في هذه اللحظة ضعيفة وهشّة للغاية، بحيث لا تدافع عن مصالحها. لكن هذا ليس سوى خطوة عفا عليها الزمن".
المفاوضات إلى طريق مسدود
وصلت مفاوضات "أزمة سد النهضة" الإثيوبي إلى طريق مسدود، بعدما رفضت أديس أبابا مقترحاً مصرياً بشأن حجم المياه التي تريد أن يسمح السد بتصريفها سنوياً.
وقال سيلشي بيكيلي وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، "الخطة المصرية غير مناسبة"، مضيفاً أنها "انتهاكٌ محتمل لسيادة إثيوبيا"، ومؤكداً أن بلاده ستقوم بإعداد مقترحها الخاص، بعد رفض الاقتراح المقدّم من مصر و"المقرر من جانب واحد"، الذي "لم يأخذ بالاعتبار اتفاقياتنا السابقة".
وجاء الرفض الإثيوبي بعد أن فشل اجتماع ثلاثي عُقِدَ بين وزراء المياه بالقاهرة لمناقشة مقترح مصري يزيد من فترة ملء خزان السد، ويسمح بتدفق كمية كافية من المياه سنوياً لتقليل الأضرار المتوقعة على حصة مصر من المياه، التي تزيد على 55 مليار متر مكتب من المياه سنوياً، وهو الاجتماع الأول بعد توقف الاجتماعات وجمود المفاوضات خلال الشهور الماضية، على إثر توترات الأوضاع الداخلية في كل من إثيوبيا التي شهدت محاولة انقلابية والسودان التي أطاحت فيها "ثورة ديسمبر" (كانون الأول) حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير.
وجاء الرفض الإثيوبي استباقاً لاجتماعات فنية "عاجلة" تقرر عقدها بالخرطوم لبحث عن مخرج، إذ أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصري الاتفاق على الاجتماعات نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي، وحتى الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لبحث المقترح المصري لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وكذلك مقترحات إثيوبيا والسودان، على أن يعقبه مباشرة اجتماع لوزراء المياه بالدول الثلاث يومي الـ4 والـ5 من أكتوبر (تشرين الأول)، لإقرار مواضع الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة.
تعسف ومراوغات إثيوبية
يقول المستشار الدكتور مساعد عبد العاطي شيتوي عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي، لـ"اندبندنت عربية"، "يوجد تعسف إثيوبي ومراوغات تتنافى مع مبدأ حسن النية"، وهو من المبادئ الحاكمة العلاقات الدولية ومنصوص عليه بميثاق الأمم المتحدة، بل هو من "القواعد الآمرة الملزمة للجميع".
وأضاف، "بدأ سلوك إثيوبيا يتنافى مع هذا المبدأ بعد تنصلها من التفاهمات التي كانت قائمة قبل العام 2011 مع السودان ومصر فيما يتعلق بالنيل الشرقي ضمن مبادرة حوض النيل، وذلك ليس فقط بإعلان بدء بناء السد، لكن بعد أن كانت سعة الخزان لا تتعدى 14 مليار متر مكعب، ورفعت السعة إلى 74 مليار متر مكعب دون أن تقدم دراسات".
وتابع "طلبت إثيوبيا تقرير لجنة الخبراء الدولية المشهود لها بالحيدة والخبرة وبعد 18 شهراً من الدراسات المستمرة عبر تمثيل الدول الثلاث وخروجها بمحاضر اجتماعات، انتهت اللجنة إلى أنه لا يمكنها أن تحكم إذا ما كان للسد أضرار أو منافع، لأن إثيوبيا لم تمد اللجنة بالدراسات الكاملة الواجبة، واشترطت أن تكون هناك دراسات أخرى".
وحسب شتيوي فإن نقطة التحول كانت في "قمة مالابو بالعاصمة الغينية في صيف 2014، حيث عُقدت قمة ثنائية مع رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك هيلي ديسالين، وأصدرا بياناً مشتركاً، حول مناقشات القمة، تضمنت 7 بنود لحل أزمة بناء سد النهضة".
وتابع، "بعد خطاب الرئيس المصري في البرلمان الإثيوبي، تشكَّلت آلية الاجتماع التساعي بين البلدان الثلاث، بمشاركة وزراء الخارجية والمياه ورؤساء أجهزة المخابرات والأمن، وعقدت له عدة اجتماعات للوصول إلى مرجعية للحل، لكن إثيوبيا طلبت تأجيل الاجتماعات بحجة اضطراب الأوضاع في الداخل، ثم تمسَّكت بطلب التأجيل وإيقاف الاجتماعات حتى تستقر الأوضاع بالسودان، فما وجدت مصر إلا أن تطرح على إثيوبيا والسودان رؤيتها في قواعد الملء والتشغيل، بما يحقق مصلحة الجانب الإثيوبي ومصلحة مصر أيضاً، فوجدت مصر الرفض الإثيوبي الواضح لهذا المقترح".
تحركات إقليمية ودولية
ودعا شتيوي إلى التحرك للدفاع عن حقوقها أمام المنظمات الإقليمية والدولية، "لأن الملف المصري زاخر بالعديد من الانتهاكات الإثيوبية التي تخالف مبدأ حسن النية، فمصر تملك إعداد ملف قانوني ممنهج من الناحية الفنية والقانونية، وتسرد به كل التصرفات الإثيوبية ما قبل 2011 وحتى الآن في ضوء قواعد القانون الدولي للأنهار وقواعد القانون الدولي العام، وتتوجه إلى الاتحاد الأفريقي والدول الفاعلة به، والذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن".
واختتم "على مصر أن تتوجه إلى دول الاتحاد الأوروبي وتطلعه كما فعلت وزارة الخارجية المصرية مؤخراً، لتأكيد أن مصر تريد فقط الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي الثابتة، وتطبيق قواعد العدل والإنصاف في مجال الأنهار الدولية، وعدم إثارة المنازعات مع الدول، وأن يتم عرض هذا الملف في صورة علمية وفنية تثبت أن الدولة المصرية تعاطت باحترام ثوابتها القانونية مع الجانب الإثيوبي".
وأكد الدكتور نادر نور الدين خبير المياه والأراضي والأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة، في تصريحات خاصة، أن "أديس أبابا ليس بإمكانها الانفراد بإدارة مورد طبيعي مشترك دون مشاركة شركائها في النهر"، مشدداً على أن الرفض الإثيوبي المقترح المصري "لا يتفق مع قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية وشروط إنشاء السدود المائية عليها".
إلى الأمم المتحدة
وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن قضية المياه ستكون "حاضرة بقوة في نشاط مصر الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة، سواء في كلمة مصر التي سيلقيها رئيس الجمهورية أو خلال الاجتماعات الثنائية التي سيعقدها الرئيس مع نظرائه من القادة، وكذا لقاءات وزير الخارجية سامح شكري مع عدد من الوزراء الأفارقة والغربيين".
ومن المتوقع ترتيب لقاء ثلاثي يجمع الرئيس المصري برئيسي الوزراء السوداني والإثيوبي على هامش اجتماعات الجمعية العامة، لإعطاء دفعة سياسية للمفاوضات الفنية المقررة في الخرطوم.
تقريب سوداني
بدورها، قالت مصادر سودانية إن رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك سيعمل على "تقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا"، موضحة أنه على الرغم من "تعهد الحكم الانتقالي بالسودان بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية خلال زيارات متتالية كانت الأولى من نوعها لرئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح برهان وزيارة حمدوك الذي زار القاهرة قبل توجهه إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن السودان لا يرى نفسه وسيطاً بين البلدين، بل طرفٌ في المفاوضات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد خلال مؤتمر صحافي مشترك الأسبوع الماضي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، أن القاهرة "ترفض إضاعة الوقت في مفاوضات لا طائل من ورائها، ولا تصل إلى نتائج"، مشدداً على أن مصر "لن تسمح بفرض طرف إرادته على الآخر".
وشدد الوزير المصري على تصور "أنه إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية للوصول إلى اتفاق، فالاتفاق قابل للتحقيق، أمَّا إذا كان الهدف هو المزيد لإضاعة الوقت حتى نصل إلى نقطة لا يمكن فيها بعد ذلك التوافق أو الوصول إلى حل، فهذا سيكون أمراً آخر".