Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المحادثات السرية" بين عبدالناصر وإسرائيل: فشل أميركي (3ـ3)

لم يكن يعرف بها في مصر سوى علي صبري وزكريا محيي الدين وواشنطن تحذر الرئيس المصري من السياسة السوفياتية

في النهاية أظهر التقرير الكامل لزيارة المبعوث الأميركي إلى القاهرة أن مهمة التسوية لم تنجح (مكتبة الإسكندرية)

ملخص

انتهت المهمة الأميركية بالفشل، وعبد الناصر يؤكد أنه لا يمكن أن يقبل فكرة إجراء محادثات مباشرة سواء مع حكومة إسرائيل أو حتى مع يهودي أميركي يتصرف نيابة عنها... فماذا دار بين الرئيس المصري الراحل وواشنطن؟

في الـ 24 من فبراير (شباط) 1956 بعث السفير البريطاني في واشنطن، روجر ماكينز، رسالة سرية إلى وزير الخارجية البريطاني تتضمن محضراً عن محادثته مع المبعوث الأميركي روبرت أندرسون الذي قاد عملية المحادثات السرية مع مصر وإسرائيل.

علي صبري وزكريا محيي الدين

وجاء في محضر المحادثات، "طلب روبرت أندرسون رؤيتي هذا الصباح، التقيته سراً في وزارة الخارجية، وكان فرانسيس راسل حاضراً، وبدأ أندرسون بالقول إنه سيصل الآن إلى القاهرة في الثاني أو الثالث أو الرابع من مارس (آذار)، كان ينتظر أن يسمع من عبدالناصر أي يوم يناسبه، وبعد ذلك سيذهب إلى تل أبيب، وكان أندرسون قلقاً جداً في شأن الاقتراح، الذي سمعه من دالاس، بأن يشير وزير الخارجية البريطاني إلى هذه المفاوضات، أو يظهر معرفته بها في أثناء وجوده بالقاهرة".

ويشدد المحضر على أن عبدالناصر "كان يصر على أقصى درجات السرية في شأن المحادثات، ولم يكتب ناصر ملاحظة واحدة، وجرى إبلاغ مصريين اثنين فقط بأن المحادثات جارية، وهما علي صبري والعقيد زكريا محيي الدين، وكان قد رفض حضور أي شخص آخر، وحين طُرحت بعض الأسئلة لم يكن عبدالناصر على علم بها، وهذا الأمر أعاق المناقشات إلى حد ما".

 

ويلفت المحضر مجدداً إلى عبدالناصر كان لديه "خوف مرضي من الاغتيال، كان مصير الملك عبدالله (عبد الله الأول) في كثير من الأحيان على لسانه، وأخبره أندرسون أنه لا أحد في الولايات المتحدة باستثناء دالاس والرئيس كان على علم بما كان يحدث، وكان متأكداً تقريباً من أنه إذا أدرك عبدالناصر أن المعلومة قد انتشرت على نطاق أوسع، فسيلغي الأمر برمته ويرفض رؤية أندرسون مرة أخرى، ولذلك طلب مني أن أوصل رسالة عاجلة إلى وزير الخارجية بألا يكشف عن أي علم له بالمحادثات سواء في القاهرة أو تل أبيب، سألت عما إذا كان هناك سرية مماثلة من الجانب الإسرائيلي، وقال أندرسون إنه كانت هناك محادثات مع بن غوريون، شاريت واثنين آخرين فقط (موشيه شاريت ثاني رئيس وزراء لإسرائيل)".

 

ويضيف محضر المحادثات إلى أنه "نظراً إلى أن عبدالناصر قد دعا سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني إلى إجراء محادثات خاصة، فقد كان هناك احتمال كبير لسوء الفهم والإحراج ما لم تكن وجهتا نظرنا متوافقتين تماماً، ولذلك طلبت من أندرسون أن يعطيني تقديره للموقف الحالي والخط الذي كان يتبعه في محادثة مع كلا الجانبين".

عبدالناصر يخشى الغدر والابتزاز الإسرائيلي

وحول ما دار من الجانب الأميركي لمحاولة التوافق بين الطرفين يقول المحضر، إن عبدالناصر كان "مستعداً لذكر شروطه من خلال وسيط إذا فعل الإسرائيليون الشيء نفسه، فقد رفض الإسرائيليون رفضاً قاطعاً قبول هذا الإجراء، وكان بن غوريون على استعداد تام للقاء عبدالناصر، لكنه لم يذكر شروطه إلا في مثل هذا الاجتماع. يبدو أن الإسرائيليين لديهم ثقة كبيرة في قدرتهم التفاوضية وذكائهم المتفوق، ولن يعتمدوا على أي شخص آخر".

 

وتأسيساً على الموقف الإسرائيلي فقد "كان ناصر يحجم أيضاً عن ذكر شروطه بالتفصيل، ويرجع ذلك لحد كبير إلى أنه كان خائفاً على حياته إذا عرف أنه على استعداد للتفاوض، وكان أيضاً مرعوباً من الابتزاز ولذلك كان هدف أندرسون هو إقناع عبدالناصر أولاً بأن التسوية ضرورية للمصلحة المصرية الكبرى، ثم حمله على الموافقة على عقد اجتماع مع بن غوريون، وقال إنه قد يكون حاضراً في مثل هذا الاجتماع كنوع من الحكم".

وفي محضر المحادثات يفنّد أندرسون الصعوبات الرئيسة في التحدث إلى عبدالناصر، "حساسيته القوية جداً تجاه ’حلف بغداد‘ الذي اعتبره محاولة لعزل مصر، وفصلها عن أصدقائها العرب، وإحباط تطلعاته الخاصة لقيادة العالم العربي، وكان خط أندرسون في هذا الأمر على النحو التالي، وبدأ ’حلف بغداد‘ في وقت كانت فيه القوى الغربية تشعر بقلق عميق إزاء النيات والتهديدات السوفياتية، ومن الضروري أن تكون هناك استمرارية للدفاع على طول الحدود الشرقية لتركيا والعراق وإيران، وكانت الدول الثلاث إما متاخمة للاتحاد السوفياتي أو قريبة جداً منه، وكان لا بد من وجود المشروع، بل كان من الضروري أن تسعى تلك الدول إلى حماية نفسها من خلال الجهد التعاوني والتخطيط، ولم تكن هذه الترتيبات تتعارض مع ترتيبات الدفاع والتعاون بين الدول العربية الأخرى، وبقليل من حسن النية ينبغي أن يكون من الممكن تماماً التوفيق بين الاثنين".

قلق غربي تجاه العلاقات المصرية - السوفياتية

الأمر الثاني الذي يشير إليه محضر المحادثات أن أندرسون حاول إقناع عبدالناصر بـ "ضرورة خلق مناخ يمكن فيه مناقشة التسوية، ولا يمكن القيام بذلك طالما كان هناك إطلاق نار عبر الخطوط وتصريحات استفزازية من كلا الجانبين، وطالما أن الخلافات بين الدول العربية الأخرى، بخاصة سوريا والأردن مع إسرائيل، قد احتدمت بسبب التركيز على مشكلة اللاجئين وما إلى ذلك، وقد أثار ذلك الكراهية وفاقم الخلافات".

وثالثاً، وفق المحادثات، "كان أندرسون يتخذ موقفاً مفاده أن العالم الحر له حق مشروع في القلق في شأن صفقة الأسلحة التي أبرمها عبدالناصر مع الاتحاد السوفياتي، قادهم ذلك إلى التساؤل عما إذا كان يريد حقاً تحسين أوضاع شعبه. وكان أندرسون قد ناقش ناصر بقوة حول سياسته في هذا الصدد، وكان قد أشار إلى أن حجم مخطط سد أسوان في الاقتصاد المصري كبير جداً، وكان الأمر كما لو أن الولايات المتحدة قد أخذت مشاريع التنمية التي جرى تمويلها على مدى 20 عاماً، وحاولت القيام بها في عام واحد، وفي ظل هذه الظروف لم يكن من غير المعقول الاستفسار عن كيفية التوفيق بين رغبته في تحسين مصير شعبه من خلال مشروع من هذا النوع، وفي الوقت نفسه شراء الأسلحة والمخاطرة بحرب مع جيرانه".

 

واعتقد أندرسون أن عبدالناصر "بدا صادقاً في رغبته في تحسين ظروف الشعب المصري، وقد قدم قدراً كبيراً من المشاريع للمدارس والمراكز المجتمعية التي شرع فيها، ولذلك أكد أندرسون أنه بما أن مصر لا تستطيع بناء السدود والقتال فإن التسوية السلمية مع الإسرائيليين ضرورية إذا أراد تحقيق طموحاته لشعبه. (يتضح مما قاله السيد أندرسون أنه قضى وقتاً طويلاً في محاولة كسب ثقة عبدالناصر في حكمه على هذه المسائل، وأعطاني عدداً من الأمثلة على نوع أوجه التشابه التي كان يرسمها مع الظروف في البلدان الأخرى، على سبيل المثال كيف ارتقى الرئيس رامون ماجسايساي بالفيليبين وحافظ على زعامتها من خلال خططه للتحسين الاجتماعي والاقتصادي)".

 

وبحسب محضر المحادثات فإن أندرسون قضى "بعض الوقت في محاولة إقناع عبدالناصر بأن السياسة السوفياتية كانت مبنية على استغلال الفوضى والاضطرابات في العالم، وأن الوضع الحالي في الشرق الأوسط يمنحهم فرصة كبيرة، وكان الإنجاز العظيم لعبدالناصر هو التحرر من النفوذ الأجنبي الذي كسبه لشعبه، لكن إذا لعب مع السوفيات فإنه سيخاطر بهذا الإنجاز، لأن السياسة السوفياتية إمبريالية في الأساس، وستعيد الأغلال الإمبريالية إلى مصر كما فعلت في البلدان الأخرى".

اختلاف في النهج بين العرب وإسرائيل

ومن القاهرة إلى تل أبيب يشير محضر المحادثات إلى الهدف الأول لأندرسون "هو إقناع الإسرائيليين بعدم القيام بأمور مثيرة من شأنها أن تجعل التسوية مستحيلة، مثل الغارات الانتقامية والحفر وأشكال أخرى من الأعمال الاستفزازية، ولقد أكد أنه بقوله هذا لم يكن يحاول التدخل في وظائف الجنرال بيرنز (أول قائد لقوات حفظ السلام)، وكان هدفه جعل الإسرائيليين يفكرون من منظور بعيد المدى في المصالح العليا لبلدهم، وتأكيد أنهم إذا أرادوا الوجود كدولة صغيرة محاطة بدول عربية فلا بد من أن تزداد من حيث عدد السكان والموارد، فيجب عليهم تهيئة الظروف وإبرام الترتيبات التي من شأنها أن تجعلهم جيراناً مقبولين".

 

ويوضح أندرسون أنه في سعيه إلى إقناع العرب والإسرائيليين بعدم القيام بأشياء معينة، "وجد في كثير من الأحيان اختلافاً في النهج بينهما، وبدا أن الإسرائيليين ينظرون إلى كل رصاصة تطلق عبر الحدود على أنها حادثة، في حين أن العرب لم يهتموا كثيراً بالطلقات وأعمال العنف الصغيرة، لكن بشكل أساس من حيث الغزوات المنظمة مثل قطاع غزة، ولذلك كان مهتماً بمحاولة إقناع عبدالناصر بالحاجة إلى وقف إطلاق النار من أجل قواته، والشيء المؤسف هو أن الإسرائيليين كانوا أفضل انضباطاً بكثير من العرب".

 

وفي هذه المرحلة اضطر أندرسون إلى المغادرة إلى كندا، لكنه قال إنه "أوضح النقاط التي كانت تدور في ذهنه، لكنه كرر الأهمية التي يوليها لتعديل عداء عبدالناصر العاطفي لحلف بغداد وأعرب عن أمله في أن يتمكن وزير الخارجية من المساعدة في ذلك".

فشلت المهمة الأميركية في التسوية

وفي النهاية أظهر التقرير الكامل لزيارة المبعوث إلى القاهرة "أنها لم تنجح، وقال ناصر إنه لا يمكن أن يقبل فكرة إجراء محادثات مباشرة سواء مع حكومة إسرائيل أو حتى مع يهودي أميركي يتصرف نيابة عنها، وقال إنه لن يعارض مواصلة المحادثات من خلال وسيط بينه وبين حكومة إسرائيل، لكن موقفه سلبي تماماً من جميع النواحي الأخرى، في حين أنه قبل أن يتشدق على الأقل بفكرة البحث عن حل لمشكلة فلسطين، في المناسبة لم يفعل ذلك، ولم يشر إلى أنه يجب أن يرى المبعوث مرة أخرى، وبناء على ذلك لن يعود المبعوث مرة أخرى إلى القاهرة، وهو يسافر إلى تل أبيب عبر أثينا اليوم لرؤية بن غوريون، ويجري إرسال تعليمات إليه بأن يناقش الأمور مع بن غوريون بطريقة لا يمكن لأي طرف من الجانبين أن ينسب الانهيار إلى الطرف الآخر".

 

ويختم محضر المحادثات بأن موقف عبدالناصر الجديد "يؤيد تقارير أخرى تفيد بأنه يسعى إلى عقد اتفاق مع الملك سعود بن عبدالعزيز تستورد بموجبه السعودية أسلحة من الولايات المتحدة وأسلحة الستار الحديدي لمصر، وبأخذ كل هذه التقارير معاً فإنهم يشعرون أنه من غير المعقول بناء أي آمال أخرى على عبدالناصر، وبناء على ذلك فهناك شعور متزايد بأن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم الآن بالاتفاق مع بريطانيا و ’حلف بغداد‘، وأن تقدم له دعماً قوياً، وبالطبع هذه معلومات حساسة للغاية ويجب عدم الكشف عنها تحت أي ظرف من الظروف".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير