مع انعقاد مؤتمر حزب العمال في برايتون هذا الأسبوع سيكون موضوع المناخ على رأس جدول الأعمال، إذ قدمت 128 دائرة انتخابية مقترحا إلى المؤتمر بعنوان "العمال من أجل الصفقة الخضراء الجديدة،" يدعو إلى العمل على تصفير انبعاث الكربون بحلول عام 2030. ويفوق هذا الدعم ذلك الذي يحظى به أي موضوع آخر، بما في ذلك قضية بريكست. وبالتالي لا ينبغي أن يكون هناك أي شك في مدى عمق الشعور لدى أعضاء حزب العمال، ونظراً قلق 85 % من البلد بشأن تغير المناخ فإن وقت العمل قد حان بالفعل.
فرضت ريبيكا لونغ بايلي، وزيرة الدولة المعنية بقطاع الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية في حكومة الظل العمالية، وفريقها إيقاعا سريعا في تطوير برنامج سياسي للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. كما أكد جيريمي كوربين على أن حزب العمال في حال قيادته الحكومة المقبلة سيطلق "ثورة صناعية خضراء،" توفر الوظائف والفرص في جميع أنحاء البلاد فيما يعمل على تحويل اقتصادنا بمجمله نحو مستقبل منخفض الكربون. وليست خطط تثبيت 2 مليون لوحة شمسية إلا أحدث خطوة على هذا الدرب.
لكن كما يدرك جيدا مئات الآلاف الذين يضربون عن العمل في جميع أنحاء العالم من أجل العدالة المناخية، فإن الوقت الحالي ليس مناسبا للتخفيف من وتيرة التغيير. أصبح من المستحيل إنكار أن مناخ كوكبنا يتغير وأنه يتغير بشكل كبير، وأن هناك إجماعا علميا هائلا على أن البشرية تساهم في هذا التغيير. لذلك وُضع التغير المناخي في خانة الطوارئ، كما أعلن البرلمان في وقت سابق من هذا العام. ولهذا السبب يجب أن تتخذ البلدان المتقدمة إجراء فوريا لكي نحظى بفرصة الحد من صدمة ارتفاع درجة الحرارة وإدارة الانتقال إلى عالم أكثر دفئًا وأقل تلوثا بالكربون.
تتحمل بريطانيا مسؤولية فريدة في هذا الجانب لأننا الدولة التي انطلقت منها الثورة الصناعية الأولى بعد اختراع الزراعة، وهي أهم تحول تكنولوجي في تاريخ البشرية. إن إفساح المجال أمام إمكانات الوقود الأحفوري قاد المجتمع البشري إلى عالم من الثراء المذهل وفتح مجالات رحبة جديدة أمام تقدم بشري حقيقي. هكذا تغير عالمنا بشكل كبير جدا خلال بضعة أجيال.
لكن تكلفة هذا التحول كانت باهظة تُسدّد حاليا مع الفوائد التي تتمثل في تراكم هائل للغازات المسببة للاحتباس الحراري جرّاء استخدام الفحم والنفط والغاز، وهو ما يعطل النظام المناخي لكوكبنا. وباعتبارها أول دولة اتخذت خطوات نحو مجتمع صناعي ومهّدت الطريق إلى ذلك أمام الآخرين، فإن مساهمة بريطانيا في هذا الاضطراب كانت من بين الأسوأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملت تيريزا ماي تحت وطأة ضغط سياسي قبل مغادرة منصبها كرئيسة الوزراء على وضع هدف لبريطانيا لخفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050. وتطمح الخطة حين الوصول إلى هذا التاريخ لتخفيض الأضرار التي يلحقها اقتصادنا بالمناخ إلى مستوى الصفر، بعد إفساح المجال للتقنيات التي يمكن أن تزيل الكربون من الغلاف الجوي. وستُمّكن هذه الخطة بريطانيا من تحقيق أهداف اتفاقية باريس التي ترمي إلى الحفاظ على متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة أو أقل بحلول نهاية هذا القرن.
لكن هدف 2050 لا يأخذ بعين الاعتبار التزاماتنا التاريخية، وهي التزامات مهمة سينطوي إنكارها على تناقض مفاده أنه حلال علينا الاستفادة من الوقود الأحفوري على مدى 200 عام وحرام على البلدان النامية أن تفعل الشيء نفسه. لا يمكننا منطقيا أن نطلب من الدول الأخرى ألا تتمتع بفوائد انبعاثات الكربون التي تمتعنا بها كما هو معلوم. وإلى أن تتحسن التكنولوجيا على الأقل، ستواصل بقية الدول النامية زيادة انتاج الكربون. لذلك علينا الإسراع في تطوير تقنيات الحد من الانبعاثات حتى تتمكن بقية دول العالم من الاستفادة منها.
أما من الناحية الأخلاقية، فنحتاج إلى وضع جدول زمني أكثر صرامة للوصول إلى صفر كربون. إن الالتزام بهذا الهدف بات واضحا، لكن في عالم يزداد سخونة، ستصبح دبلوماسية المناخ أكثر أهمية. وإذا كانت بريطانيا تطمح لدور جديد، في مرحلتي ما بعد الإمبراطورية وما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن تحديد وتيرة الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون من شأنه إفساح المجال لهذا البلد ليلعب دورا رياديا واضحا على الصعيد الدولي.
لذلك علينا أن نتخذ خطوات أكبر. هناك بلدان أخرى تتحرك بالفعل بشكل أسرع، مثل السويد التي حددت تحقيق هدفها في عام 2045، وفنلندا في عام 2035، والنرويج، الأكثر طموحا في العالم، حددت هدفها في عام 2030. إن وضع جدول زمني ضيق مثل هذا لتحقيق هدف صفر كربون سيؤدي إلى حدوث تغيرات أكثر دراماتيكية في كيفية عمل اقتصاد أي بلد كان. على سبيل المثال، تخطط النرويج لإنهاء بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2025. لكن هذا التحول يمكن أن يخلق فرصًا اقتصادية هائلة، لاسيما في تلك الأجزاء من البلاد التي تأثرت بشدة بعملية إزالة التصنيع على مدار الأربعين عاما الماضية. ويخطط حزب العمال بالفعل لتوفير 200 ألف وظيفة في انتاج العوازل الحرارية للمنازل، وهو إجراء بسيط من شأنه أن يخفّض فواتير التدفئة المنزلية، ويقلّل من انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري، ويوفر الوظائف التي تتطلب مهارات في جميع أنحاء البلاد.
يجب ألا نسلم بوجود إجماع كبير على هذا النهج. إن الوظائف الجيدة التي تتطلب المهارات تتركز حاليا في الصناعات عالية الكربون، والنقابات العمالية محقة في الإصرار على رؤية التزامات واضحة وذات صدقية لخلق عمل لائق لذوي المهارات في قطاعات جديدة منخفضة الكربون ولتبني التزامات واضحة أيضا تجاه العمال الحاليين. شهدت العديد من المجتمعات في هذا البلد ذلك الخراب الاقتصادي الذي تسببت به عملية إزالة التصنيع وتخليها عن وعود خلق الوظائف. لذلك يجب وضع خطط واضحة وشاملة، مع أهداف طموحة لخلق فرص العمل، على غرار خطط التحالف الأخضر لتوفير 100 ألف منصب عمل جديد من خلال استخدام الموارد بكفاءة. وبوضع تعهد جريء وطموح لاستحداث الوظائف، ربما مليون وظيفة صديقة للبيئة، يمكن فجأة لكل بلدة ومدينة في البلاد أن تكون جزءا من الثورة الصناعية الخضراء. أما بالنسبة لتلك الأماكن المتعطشة للاستثمار الحقيقي لعقود من الزمن، فسيكون ذلك تحولا اقتصاديا استثنائيا.
لكن إذا لم نتحرك بوثيرة أسرع من الآن فإننا لن نكون بمستوى التزاماتنا الأخلاقية، وسنفقد فرص الريادة العالمية. ومع بدء بلدان أخرى بالفعل في التحرك، فإنه ما لم تحدد الحكومة هنا وتيرة سريعة للانتقال فقد تفوتنا الفرصة لخلق تلك الوظائف الجديدة في بعض المجتمعات التي هي في أمس الحاجة إليها.
سيشهد مؤتمر حزب العمال مناقشات حول تحديد موعد الانتقال إلى صفر كربون، وسيوفر فرصة لرسم أهداف وطموحات يمكن للحركة العمالية برمتها التوافق عليها. لكن دعونا نواكب الوتيرة، لأن هناك عالما ينتظرنا لإنقاذه والظفر به.
( جيمس ميدواي هو مستشار اقتصادي سابق لجون ماكدونيل وزير المالية في حكومة الظل)
© The Independent