يوماً بعد يوم تنسل السلطة من بين يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد انتخابات للكنيست وجد فيها نفسه محتلاً المركز الثاني عن منافسه الرئيسي بيني غانتس، الذي اشترط أن يتسلَّم رئاسة الحكومة في أي مفاوضات قد تجرى لتشكيل الائتلاف الحاكم.
وفيما تتعثر المفاوضات التي أطلقها نتنياهو المتشبث بالسلطة، تفادياً لأحكام في قضايا فساد متهم فيه ينتظر البت بها خلال الشهر المقبل، تترقب الأوساط الإسرائيلية أي السيناريوهات قد تتحقق، والتي من بينها قد يأتي سيناريو انتخابات جديدة مبكرة لتكون المرة الثالثة في هذا العام بعد اثنتين أخريين خلال الخمسة أشهر الأخيرة.
وخلال انتخابات الثلاثاء الماضي 17 سبتمبر (أيلول) فشل الزعيم اليميني لحزب الليكود في تحقيق فوز واضح بالانتخابات أمام منافسه الأبرز التحالف الوسطي أزرق أبيض بقيادة رئيس الأركان السابق بيني غانتس، وذلك بعد أن أظهرت النتائج شبه النهائية للانتخابات حصول حزب غانتس على 33 مقعداً (أقل بمقعدين عما كان يشغله قبل الانتخابات) في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً، فيما حصل الليكود على 31 مقعداً، أي أقل بثلاثة مقاعد عما كان يشغله قبل الانتخابات.
حسابات معقدة
وعلى وقع المفاوضات العلنية والسرية التي قادها نتنياهو خلال الأيام الأخيرة، التي لم تستقر بعد على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة (61 مقعدا)، وكذلك مفاوضات منافسه غانتس، التي لم تستقر هي الأخرى على أغلبيه تمكنه من تشكيل الحكومة رغم تفوقه على نتنياهو، دعا اليوم الأحد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين إلى تشكيل حكومة "مستقرة" تضم كلاً من الليكود والتحالف الوسطي أزرق أبيض اللذين تصدرا نتائج الانتخابات التشريعية.
وقال ريفلين الذي بدأ مساء الأحد مشاوراته مع الأحزاب السياسية حول الشخصية التي ينبغي تكليفها بتشكيل الحكومة المقبلة، "أنا مقتنع بأنه يجب تشكيل حكومة مستقرة تضم الحزبين الكبيرين".
وتزامناً مع دعوة الرئيس الإسرائيلي، بدأت تظهر تعقيدات سيناريو تشكيل حكومة مستقرة في البلاد، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان أنه لن يؤيد نتنياهو ولا غانتس لترأس الائتلاف الحكومي المقبل.
ورغم الخلاف القائم حول شخصية رئيس الحكومة المقبل، دعا ليبرمان الذي فاز حزبه "إسرائيل بيتنا" اليمني المتطرف بثمانية مقاعد في البرلمان، إلى تشكيل حكومة وحدة بين حزبه وحزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو والتحالف الوسطي أزرق أبيض بزعامة غانتس، وهو ما يستبعده مراقبون بسبب الخلافات الكبيرة بين الأطراف الثلاثة.
وحسب ليبرمان، فإنه لا يستطيع دعم نتنياهو لأن الأخير مستعد لتشكيل ائتلاف حكومي مع الأحزاب اليهودية المتشددة في إسرائيل، التي يتهمها ليبرمان بمحاولة فرض الشريعة اليهودية على السكان العلمانيين. معللاً أيضاً عدم دعم غانتس لأنه قد يتوصل إلى اتفاق مع الأحزاب المتشددة أو مع الأحزاب العربية التي وصفها بأنها "معادية".
ولم يكتف المشهد الإسرائيلي بتعقيدات موقف ليبرمان، إذ سرعان ما دعمت القائمة المشتركة التي تهيمن عليها أحزاب عربية بيني غانتس لتشكيل حكومة جديدة، ما منح أنصاره تفوقاً على أنصار نتنياهو، لكن أيا منهما لم يحصل بعد على الأغلبية.
وبدعم القائمة المشتركة التي حصلت، وفقاً للنتائج شبه النهائية، على 13 مقعداً في الكنيست (البرلمان) ما يجعلها ثالث أكبر كتلة برلمانية، صار غانتس يتزعم تكتلاً ينتمي إلى يمين الوسط له 57 مقعداً، بينما صار لكتلة اليمين بزعامة نتنياهو 55 مقعداً. وهو ما يعني أن الطرفين، ومع دعم حلفائهما، يبقيان غير قادرين على تخطي عتبة 61 نائباً الضرورية للحصول على غالبية مطلقة.
ويعتبر دعم الأحزاب العربية الأول منذ العام 1992، حين أتاح دعم خمسة نواب من عرب لإسرائيل لإسحق رابين الحصول على الغالبية قبل اتفاقات أوسلو.
مأزق نتنياهو
مع فشله للمرة الثانية في انتخابات للكنيست في تحقيق فوز واضح يمنحه سهولة البقاء في منصب رئيس الحكومة، يجد نتنياهو نفسه في مأزق إمكانية رحيله عن السلطة بعد احتفاظه بالمنصب أكثر من عقد من الزمان، وكذلك في مواجهة قضايا فساد تبدأ أولى جلسات الاستماع بها أوائل أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، رغم نفيه عدم ارتكابها.
ففي حالة خسارة نتنياهو الذي يعتمد على حصانة من البرلمان في حال توجيه التهم إليه، سيكون من الصعب أن يحصل على هذه الحصانة من النواب إذا لم يكن رئيساً للحكومة المقبلة. ويترقب الكثير من المحللين السياسيين ليروا ما ستسفر عنه المناورات التي سيلجأ إليها نتنياهو لإطالة عمره السياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق تعبير صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن جرح نتنياهو يتزايد عقب معركة يائسة من أجل البقاء السياسي بعد صدمة الانتخابات، معتبرة أنه وعلى الرغم من أن نتنياهو زعيم إسرائيل الأطول خدمة في منصب رئيس الحكومة، فإنه يخوض معركة صعبة، مستشهدة بتصريحات سابقة له، قال فيها، إنه فشل في تشكيل حكومة يمينية. وأظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة أن هذا غير ممكن.
من جانبها، ذكرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية "13"، إنه مع استمرار تعثر نتنياهو في تشكيل الائتلاف الحكومي، فإنه قد يبحث إمكانية السعي للحصول على عفو في القضايا التي من المحتمل أن يدان فيها، وذلك مقابل مغادرة الساحة السياسية.
وذكرت القناة (خاصة)، أن نتنياهو يدرس منذ شهور بشكل سري، إمكانية طلب عفو من الرئيس رؤوفين ريفلين، مقابل تركه الحياة السياسية، موضحة أنه تحدث مع شخص واحد على الأقل، حول هذه المسألة (لم تحدد من هو)، لكنه "متشائم" حول ما إذا كان (ريفلين) سيوافق على هذا الاقتراح.
ووفق القناة أيضاً، فإن النائب العام أفيخاي مندلبليت، سيرفض هذا المقترح بشكل حاسم، لأن في ذلك تجاوزات قانونية، وهو ما يخشاه نتنياهو بفقدانه رئاسة الحكومة ما يمنعه من امتلاك حصانة تمنع محاكمته في ثلاث قضايا فساد يواجه فيها تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
وسبق للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أن وافق في نهاية فبراير (شباط) الماضي، على تأجيل جلسة الاستماع لنتنياهو في الملفات 1000 و2000 و3000، المشتبه فيها بتلقي رشاوى، من 10 يوليو (تموز) الماضي إلى مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، رغم طلب نتنياهو التأجيل مدة سنة بذريعة حجم مواد التحقيق.
وخلال العامين الماضيين، أوصت الشرطة الإسرائيلية بعد سلسلة تحقيقات مطولة مع نتنياهو ومقربيه، بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في 3 ملفات أساسية. ففي الملف المعروف برقم 1000، يُتهم نتنياهو بتلقي الرشوة من رجال أعمال إسرائيليين، مقابل تقديم خدمات لهم.
وفي الملف 2000، يُتهم نتنياهو بإجراء اتصالات مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أرنون موزيس للحصول على تغطية إعلامية إيجابية مقابل التضييق على صحيفة "إسرائيل اليوم" المنافسة.
وفي الملف 4000 يتهم نتنياهو بتقديم تسهيلات مالية لشركة "بيزك" للاتصالات مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية في موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي المملوك لمالك شركة الاتصالات.
3 سيناريوهات محتملة
في ظل الغموض الذي لا يزال ينتاب المشهد السياسي في إسرائيل بعد الانتخابات الأخيرة، يتوقع مراقبون 3 سيناريوهات للمشهد، أحدها إعادة الانتخابات مرة أخرى في حالة الفشل في تشكيل أحد الأطراف الائتلاف الحكومي الحاكم.
ويتمثل السيناريو الأول، في تشكيل حكومة يمين وسط دون نتنياهو، إذا فشل الأخير مجدداً في تشكيل حكومة فإن حزبه نفسه قد يطيح به لتمهيد الطريق أمام ائتلاف حاكم بين ليكود وأزرق أبيض تاركا نتنياهو في غياهب السياسة. ولم يطرح أحد في ليكود مثل هذه الفكرة علنا حتى الآن. لكن يرجحها بعض المراقبين في حال أخفق نتنياهو في مباحثات تشكيل ائتلاف.
ويتمثل السيناريو الثاني في تشكيل حكومة يسار وسط، من أحزاب الوسط واليسار بقيادة غانتس، التي قد تضم إلى جانب التحالف الوسطي (أزرق أبيض) حزب العمل وحزب المعسكر الديموقراطي، وهو حزب علماني تشكل حديثاً، ويدعو للحفاظ على البيئة، دون الحاجة إلى التحالف مع اليمين. وستكون هذه المرة الأولى منذ التسعينيات التي يسيطر فيها اليسار على البرلمان. غير أن استطلاعات الرأي لا ترجح هذا السيناريو كثيراً.
وأيا كان الخيار، ليس من المؤكد أن ينجح الشخص المكلف في تشكيل ائتلاف حكومي، وصدرت دعوات عديدة إلى قيام حكومة وحدة وطنية وتجاوز هذا المأزق.
وأخيرا يأتي سيناريو إجراء انتخابات جديدة، في حالة لم يتمكن أي مرشح من تشكيل حكومة، فسوف تتجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة أخرى. لكن من المرجح أن يبذل المشرعون قصارى جهدهم لتجنب إجراء انتخابات ثالثة هذا العام، التي قد تكون سابقة في إسرائيل.
ووفق النتائج شبه النهائية، التي من المنتظر تأكيدها من قبل السلطات الأربعاء المقبل، فقد حلّ في المركز الأول تحالف أزرق أبيض على 33 مقعدا، فيما حصل حزب الليكود على 31 مقعدا.
وفي المرتبة الثالثة حلت القائمة العربية المشتركة بحصولها على 13 مقعدا. فيما حصل حزب شاس الديني المتشدد على تسعة مقاعد، بينما سيشغل كل من حزب "إسرائيل بيتنا" القومي العلماني برئاسة وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان وحزب "يهدوت هتوراة" (يهودية التوراة الموحدة) الديني المتشدد لليهود الغربيين، ثمانية مقاعد. وحلت بعد ذلك قائمة "يمينة" اليمينية المتطرفة (7 مقاعد) وحزب العمل (6 مقاعد) وقائمة "المعسكر الديموقراطي" اليسارية (5 مقاعد).