أعلن مجلس الإفصاح المالي البريطاني أنه يعمل مع هيئة الإفلاس على فتح تحقيق في أسباب انهيار شركة توماس كوك للسياحة والرحلات، والذي أدى إلى أكبر عملية إعادة للمواطنين من الخارج إلى بلادهم في حالة السلم في تاريخ بريطانيا.
والمجلس هو الهيئة الحكومية المسؤولة عن مراقبة وفحص عمليات المراجعة والتدقيق المالي للشركات، وجاء الإعلان عن احتمال فتح تحقيق بعد انتشار اتهامات في السوق ووسائل الإعلام لإدارة الشركة وبعض المساهمين والبنوك المقرضة لها بالمسؤولية عن إفلاسها.
وهناك من يتهم الحكومة البريطانية بأنها السبب في إفلاس أقدم شركة سياحة في العالم بعد رفضها قرض إنقاذ للشركة بقيمة 240 مليون دولار (200 مليون جنيه إسترليني). وهو المبلغ الذي طلبته البنوك الدائنة من الشركة لضمان ضبط حساباتها مع قدوم فصل الشتاء وانخفاض إيراداتها.
وكانت الشركة في اللحظات الأخيرة قد تمكنت من التوصل لاتفاق لإعادة الرسملة بقيمة 1.1 مليار دولار (900 مليون جنيه إسترليني) بين البنوك المقرضة للشركة وحاملي سندات الدين ومجموعة "فوصن إنترناشيونال" الصينية، أكبر حاملي الأسهم في توماس كوك.
وبغضّ النظر عن المسؤول، فإن السبب الرئيس في انهيار الشركة هو الزيادة الكبيرة في سندات الدين والقروض وفوائدها التي تمتصّ أغلب إيرادات الشركة. ورغم أن بعض الوحدات الخارجية للشركة، وهي في الأغلب شركات تابعة للشركة الأم، كما في ألمانيا وفي الدول الاسكندنافية وحتى في دبي، تحقق أرباحا ووضعها المالي جيد، فإن المجموعة ترزح تحت عبء من الديون لا يمكّنها أحيانا من الوفاء بالتزاماتها، ناهيك من الاستثمار في التوسع.
وتعدّ الشركة الشهيرة نموذجا لما يتحدث عنه كثيرون في العامين الأخيرين من فقاعة سندات وديون تتشكل في النظام المالي العالمي ويكفي انفجارها لدخول العالم في مرحلة كساد، وليس فقط ركود. ويأتي إفلاس توماس كوك كمؤشر على ما يمكن أن يحدث لمجموعات أكبر حجماً بكثير وشركات كبرى عالية القيمة.
عوامل عدة
وتراكمت مشاكل توماس كوك منذ نحو عقد من الزمن نتيجة عمليات اندماج واستحواذ لم تكن موفقة تماما، وألقت بأعباء كثيرة على الشركة. وهذا عامل مشترك بين المجموعة البريطانية وكثير من الشركات في العالم التي دخلت في عمليات مشابهة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008- 2009 في محاولة لمواجهة تبعات الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإن كانت توماس كوك بدأت ذلك قبل الأزمة بشرائها "ماي ترافيل" في 2007 وهي تعاني من مشاكل جمة، وعمليات أخرى للدمج والاستحواذ أدت إلى توسع الشركة في منافذ البيع، بينما أصبح التوجّه في مجال السياحة والرحلات نحو "الأونلاين".
ووصل الأمر بالشركة أن أصبح لديها أكثر من 9 آلاف موظف في بريطانيا وحدها، وأكثر من ضعف هذا العدد حول العالم. ورغم أن عمليات الشركة ظلت جيدة إلى حد كبير، فإن العائدات لم تكن كبيرة بالقدر الذي يسمح بتغطية توسعاتها.
من العوامل الأخرى أن الوجهات الرئيسة لعمليات الشركة شهدت تصعيدا في العمليات الإرهابية أو الاضطرابات الداخلية ما أدى إلى تراجع النشاط بدلا من زيادته كما هو مخطط. وتعد تركيا وتونس أكبر مثال على ذلك، وهما من الوجهات الرئيسة لنشاط توماس كوك.
وبالطبع سينعكس انهيار الشركة على قطاع السياحة في تلك الدول، وأيضا في مصر واليونان وغيرها ممن كانت عمليات توماس كوك مصدرا مهما لدخول السياحة إليها. وقد بدأ التأثير الفوري بإلغاء آلاف السياح حجوزات رحلاتهم الصيفية مع توماس كوك في تلك الدول.
إدارة وإنقاذ
لا يمكن إغفال سوء الإدارة كأحد أسباب انهيار أقدم شركة سياحة ورحلات في العالم، ويلقي كثيرون باللائمة على الإدارة السابقة التي قادت المجموعة خلال وبعد الأزمة المالية العالمية. وحاولت الإدارة الحالية زيادة الدخل عبر مشروعات جديدة كسلسلة فنادق مميزة نالت تقدير الزبائن، لكنها لم تكن ذات جدوى اقتصادية عالية.
ومع أن كثيرين اعتبروا البنوك المقرضة للمجموعة، وعددها أكثر من عشرة بنوك من بينها "رويال بنك أوف سكوتلاند" و"لويدز"، سببا في إفلاسها لتمسكهم بتغطية بقيمة 240 مليون دولار، إلا أن البنوك دافعت عن نفسها. وكانت تلك "بروفة" جليّة لما يمكن أن يكون عليه الحال في حال انفجار فقاعة الدين ووضع القطاع المصرفي حينئذ.
أما الحكومة البريطانية، فإلى جانب وضعها غير الجيد نتيجة الاستعداد للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وتبعاته الاقتصادية الهائلة، فقد اتخذت موقفا بررته بأنها لو تدخلت لإنقاذ المجموعة فكأنها "تراهن على الخسارة". ولا شكّ أن كثيرا من حكومات دول العالم يمكن أن تكون في الوضع نفسه إذا بدأت شركات تفلس نتيجة تراكم الديون.
ولعل الحكومة البريطانية ضربت مثلا مهمّا بتجاهلها الدعوات بأخذ الجانب الاجتماعي للأزمة في الاعتبار (آلاف العاملين في الشركة الذين سيفقدون وظائفهم إضافة إلى موردي الخدمات للشركة)، وتعاملت على أساس اقتصادي صرف.