ملخص
بعد خمسة رؤساء حكومات محافظين ثلاثة منهم خلال عام 2022 تظهر استطلاعات الرأي أن حزب "العمال" سيكون الرابح الأكبر في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الرابع من يوليو (تموز) المقبل، إذ بات شبه مؤكد لزعيمهم كير ستارمر الذي ينتمي إلى يسار الوسط أنه سيصبح رئيساً للوزراء.
اتسمت الأعوام الـ14 التي قضاها المحافظون في حكم المملكة المتحدة باضطرابات عديدة تمثلت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتقصير في مكافحة جائحة "كوفيد" والأزمة الاقتصادية والفضائح، فتركت قسماً كبيراً من الشعب البريطاني فقيراً ومحبطاً.
وبعد خمسة رؤساء حكومات محافظين ثلاثة منهم خلال عام 2022 تظهر استطلاعات الرأي أن حزب "العمال" سيكون الرابح الأكبر في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الرابع من يوليو (تموز) المقبل، إذ بات شبه مؤكد لزعيمهم كير ستارمر الذي ينتمي إلى يسار الوسط أنه سيصبح رئيساً للوزراء.
الثقة التي تبخرت
ومن جهتهم يعترف المحافظون بقيادة ريشي سوناك بهزيمتهم من الآن وإن بفتور، مناشدين الناخبين عدم تقديم "غالبية ساحقة" إلى حزب "العمال". غير أن ثقة الناخبين تبددت إلى حد أن الحملة الانتخابية لن تغير شيئاً.
وتبخرت هذه الثقة منذ برنامج التقشف عام 2010 (في أعقاب الأزمة المالية عام 2008)، "التي أضعفت الخدمات العامة بصورة دائمة" وفقاً للمتخصص في مجال السياسة بجامعة "كوين ماري" في لندن تيم بايل.
وأضاف بايل "بعد ذلك كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والوعد بتنفيذ هذا الخروج للعودة بعد ذلك إلى القضايا التي يهتم بها الناس مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن، لكنهم (المحافظون) فشلوا تماماً في الوفاء بوعودهم".
وضع الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 (52 في المئة صوتوا بنعم و48 في المئة صوتوا بلا) حداً لرئاسة ديفيد كاميرون (2010-2016) للوزراء، خصوصاً أنه أراد بقاء بريطانيا في الاتحاد فاستقال لتخلفه تيريزا ماي (2016-2019) التي لم تتمكن من إقناع مجلس العموم بالتصويت على هذا الطلاق المعقد، الذي تم التفاوض عليه مدى أشهر مع بروكسل مما اضطرها أيضاً إلى الاستقالة.
وبعد ذلك جاء بوريس جونسون (2019-2022) وحقق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2020 لكن حكمه تعثر بسبب جائحة كوفيد (أكثر من 232 ألف حالة وفاة) التي قلل في البداية من أهميتها، مما أدى إلى بطء في التصدي لها. وأدت فضيحة الحفلات التي أقامها في "داونينغ ستريت" أثناء فترة الإغلاق وأكاذيب أدلى بها إلى استقالته في يوليو 2022.
حين يسود التشاؤم
وفي هذا الإطار قال بايل إن "عدم تحقيق نتائج بالتوازي مع تقويض بوريس جونسون لسمعة الحزب في ما يتعلق بالنزاهة وتقويض ليز تراس لسمعتها عندما تعلق الأمر بالصدقية الاقتصادية، أدى إلى الحال المزرية التي يجد حزب المحافظين نفسه عليها".
وكانت ليز تراس (6 سبتمبر ’أيلول‘ - 25 أكتوبر ’تشرين الأول‘ 2022) قدمت بعيد وصولها إلى السلطة خطة إنعاش تعتمد على تخفيضات ضريبية هائلة ممولة بالديون، في سياق ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا. غير أن هذه الخطة أثارت ذعراً في الأسواق مما أدى إلى استقالتها بعد 44 يوماً على توليها منصبها، ليحل محلها ريشي سوناك.
وخلال أشهر تعاقبت الإضرابات (الصحة والنقل وعمال البريد والمعلمون...) احتجاجاً على ارتفاع كلف المعيشة. وبعدما وصل التضخم إلى 11 في المئة انخفض إلى 2,3 في المئة على مستوى سنوي، غير أن الراتب الحقيقي مع أخذ التضخم في الاعتبار بات مشابهاً لمستوى رواتب العام 2010.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يزال النمو والإنتاجية يعانيان حال ركود بينما وصلت الضرائب إلى أعلى مستوياتها منذ 70 عاماً، وأصبح شراء منزل "أكثر صعوبة" بناءً على اعتراف ريشي سوناك مع ارتفاع معدل الفائدة إلى أعلى مستوياته منذ عام 2007. وما يثير القلق بموازاة شيخوخة السكان أن نظام الصحة العامة المتمثل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية بات في أسوأ حالاته إذ ينتظر الملايين الحصول على العلاج، بينهم مرضى السرطان والسبب نقص الموظفين.
وكذلك استمرت فجوة التفاوت في الدخل بالاتساع منذ عام 2012 مما يجعل المملكة المتحدة واحدة من أكثر البلدان انعداماً للمساواة في أوروبا ومجموعة السبع، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وقبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية يسود التشاؤم. وبينما يتوق البريطانيون إلى التغيير يشككون في قادتهم السياسيين أكثر من أي وقت مضى وفقاً لاستطلاع رأي أجري أخيراً.
وأشار استطلاع أجرته مؤسسة "إيبسوس" إلى أن 37 في المئة يعتقدون أن الاقتصاد سيستمر في التدهور، بينما يعتقد 20 في المئة فقط أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.
وكذلك يرى 53 في المئة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يعد نقطة تحول حمل تأثيراً سلبياً.
هل من إيجابيات؟
استجاب ريشي سوناك للأزمة عبر خلق فرص عمل (تبلغ البطالة 4,4 في المئة) وخفض معدل الجريمة مذكراً بالنتائج الجيدة التي حققها طلاب المدارس المتوسطة في القراءة في تصنيف "بيزا" الدولي، متفوقين بفارق كبير على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
ويشير آخرون إلى زواج المثليين الذي تم تشريعه عام 2014 في إنجلترا ويذكرون بأن المملكة المتحدة كانت في الطليعة من حيث إزالة الكربون وتطوير طاقة الرياح البحرية. غير أن البيئة ليست مصدر قلق في استطلاعات الرأي، إذ كانت الخدمات الصحية الوطنية وارتفاع كلفة المعيشة من الهواجس الرئيسة للمستطلعين.
ومن جهة أخرى يتحدث حزب "المحافظين" الذي يواجه أيضاً خطر حزب "الإصلاح" في المملكة المتحدة الذي يتزعمه ناجل فاراج عن الهجرة وخفض الضرائب.
لكن حزب "العمال" الذي يدعو إلى قلب صفحة "الفوضى" سيرث "وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً جداً"، وفقاً للمحلل السياسي أناند مينون.