Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالقون في الخرطوم يكافحون ظروفا قاتلة

تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة حال استمرت القيود على وصول المساعدات الإنسانية

كثير من النازحين العائدين إلى الخرطوم آثروا الفرار مجدداً (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

ما زال قصف قوات "الدعم السريع" يتواصل على أحياء الثورات شمال أم درمان وأم بدة غربها بالتركيز على مناطق سيطرة الجيش

يعيش السودانيون منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في أبريل (نيسان) من العام الماضي أوضاعاً إنسانية معقدة وعصيبة وقد ضاق بهم الحال حتى في مواقع النزوح الداخلي بالولايات المختلفة وكذلك اللاجئون بالخارج بسبب طول أمد الحرب، لكن العالقين الذين لم يتمكنوا من مغادرة الخرطوم في أحيائها المختلفة لهم وضع ونصيب خاص من تلك المعاناة المستمرة طوال 14 شهراً أمضوها وسط المعارك والاشتباكات والقصف المدفعي المتبادل والعشوائي والمتعمد أحياناً، فكيف يتعايشون مع ذلك الواقع؟ وما حالهم وأوضاعهم في أنحاء العاصمة السودانية المختلفة؟

صدمة العودة

كثر ممن نزحوا من العاصمة هرباً من نيران الاشتباكات المسلحة وبحثاً عن النجاة في الولايات الآمنة تضاعفت معاناتهم هناك، بسبب تطاول أمد الحرب وتراجع المساعدات الإنسانية التي كانوا يتلقونها ولم تعد مستمرة كما في الأشهر الأولى، بخاصة شريحة النازحين من الموظفين الذين إما لم يصرفوا رواتبهم أو أن غول الأسعار التهمها، وبات صعباً عليهم تدبير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لأسرهم.

حتى الذين سئموا من واقع مراكز الإيواء وقرروا العودة إلى العاصمة بعد أنباء عن هدوء نسبي في مناطقهم وأحيائهم، ومن أجل التخلص من عبء قيمة الإيجارات الجنونية للمنازل بالولايات، لكنهم صدموا بواقع بيوتهم المنهوبة عند عودتهم، ومع استمرار الاشتباكات المتقطعة والقصف العشوائي المتكرر في أحياء الثورات وأم بدة شمال وغرب أم درمان، قرر كثير منهم المغادرة في رحلة فرار داخلية جديدة، بينما فضل آخرون الهجرة خارج السودان.

نقص الدعم

بحسب الناشط المجتمعي عبدالرؤوف علي، الموجود داخل العاصمة، فإن العالقين في العاصمة كانوا طوال الأشهر الأولى من الحرب يسدون الفجوة في الغذاء الجماعي بالتجمع وتشارك الوجبات كل بحسب ما يملك من كمية ونوعية طعام.

وعندما بدأت مشكلة نقص الغذاء ومياه الشرب في التفاقم بادرت غرف الطوارئ ولجان المقاومة في الأحياء بتبني نظام المطابخ الجماعية بغرض تأمين وجبات بسيطة مثل الفول والعدس ونجحت في السيطرة على الوضع لأشهر عدة. وأشار علي إلى أنه على رغم اجتهادات غرف الطوارئ ومساعيها من أجل جمع التبرعات والدعم العيني والمادي لضمان استمرار تلك المطابخ، فإن التعثر المادي الذي لازمها أدى إلى توقف معظمها في عدد من محليات العاصمة الخرطوم بصورة كاملة بسبب النقص الحاد في الدعم الذي حال دون استمرارها.

ونبه الناشط المجتمعي إلى أن العالقين في العاصمة السودانية أصبحوا مكشوفين أمام موجات الجوع المستشري بصورة مخيفة، خصوصاً في عدد من محليات ومناطق العاصمة التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" وتتحكم من خلال نقاط الارتكاز التي تنصبها في دخول وخروج المواطنين والسلع الغذائية.

 

وكان عدد من المنظمات الأممية والدولية توقع استفحال الأزمة الإنسانية بانفجار المجاعة في السودان مع حلول فصل الخريف المقبل، محذرة من تدهور أوضاع الأسر السودانية على نحو كارثي في ظل استمرار واتساع الأعمال العدائية وازدياد حركة النزوح وتدمير البنية التحتية في البلاد.

وحذرت الأمم المتحدة من أن السودان على شفا مجاعة وشيكة حال استمرت القيود المفروضة على وصول الوكالات الإنسانية لتقديم الإغاثة الضرورية، في تقييم مقلق للوضع الحالي بالبلاد.

شظف وسوء تغذية

أما في المناطق التي يسيطر عليها الجيش شمال مدينة أم درمان وغالب أحياء وسط المدينة القديمة فتكاد تكون غير صالحة للحياة في الوقت الراهن بسبب الدمار والنهب الواسع الذي تعرضت له، على رغم مساعي سلطات ولاية الخرطوم الموجودة في محلية كرري إلى استعادة الأمن وخدمات الكهرباء والمياه لتلك المناطق التي لا تزال مهجورة، وفق الناشط المجتمعي.

وفي محلية شرق النيل كشفت لجنة مقاومة الجريف غرب عن أن الجوع والمرض يفتكان بالمنطقة بصورة يومية، حيث رصدت نحو 32 حالة وفاة في المنطقة خلال الأسبوع الماضي بسبب سوء التغذية والحميات وضعف المناعة التي بدأت تتفشى وتحصد أرواح الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص.

وأكدت اللجان في منشور على موقعها "فيسبوك" تفشي نوع من الحميات مصحوباً بتشنجات في أحياء الجريف والمناطق المجاورة لها، رجحت تقارير للمكتب الطبي التابع للجنة أن يكون سببها المياه غير الصالحة للشرب نتيجة اضطرار السكان إلى الشرب من مياه النيل مباشرة، مما ينذر بكارثة صحية تهدد المنطقة.

أم بدة جائعة

وفي غرب مدينة أم درمان تعيش محلية أم بدة غرب العاصمة وضعاً إنسانياً متدنياً بعد توقف معظم المطابخ الجماعية (التكايا) التي كانت تخدم سكان المنطقة العالقين.

وحذرت غرف الطوارئ في المحلية من تفاقم الأوضاع الكارثية التي يعيشها الناس في المحلية ذات الكثافة السكانية العالية تقدر بنحو أكثر من مليون نسمة.

ووجهت الغرف الفرعية في وحدات الأمير والسلام والبقعة نداءً عاجلاً للمنظمات العالمية والمحلية لإغاثة سكان المحلية الذين يواجهون الموت جوعاً بعد توقف آخر 25 مطبخاً جماعياً كانت توفر الغذاء للسكان بسبب ضعف التمويل، منتقدة غياب أجهزة الدولة الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح بيان مشترك للغرف أن المبادرات المجتمعية التي ظلت تطلقها مع لجان المقاومة استطاعت تغطية جزء من العجز إلا أن الدعم لم يكن كافياً لتغطية 10 في المئة من الحاجات الفعلية للعالقين بالمحلية وسط تفاقم الأزمة وتداعياتها.

ولفت البيان إلى أن الأعداد الكبيرة من الأهالي المنتشرين في كل أنحاء المحلية، التي تعد من أكبر محليات السودان، وضعت سكانها في مواجهة مباشرة مع الموت جوعاً وبالقصف العشوائي والمتعمد في ظل المعارك المستمرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع". وأشار إلى أن انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت وصعوبة الحركة بسبب ارتفاع الأخطار الأمنية أدت إلى تضاؤل جهود الدعم وصولاً إلى الأوضاع شديدة الخطورة التي يواجهها سكانها.

التدخل العاجل

وأكد البيان أن المدنيين في أم بدة يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في الوجود، وأن من نجا من الرصاص الطائش وقصف مدافع الطيران لم ولن يسلم من تداعيات الجوع وانعدام الدواء والنقص الحاد في مياه الشرب النظيفة، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ببذل مزيد من الجهد من أجل وصول المساعدات الإنسانية.

وكشفت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة أن أوضاع الأسر في غرب مدينة أم درمان بالعاصمة السودانية تتجه نحو المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل، مع ضعف وصول المساعدات واتساع الأعمال العدائية وازدياد حركة النزوح وتدمير البنى التحتية وانتشار أعمال النهب.

في الأثناء ما زال قصف قوات "الدعم السريع" يتواصل على أحياء الثورات شمال أم درمان وأم بدة غربها بالتركيز على مناطق سيطرة الجيش في الحارات الأولى والثانية والثالثة، مما خلف أكثر من تسعة قتلى من المدنيين قبل يومين، كما تدور اشتباكات عنيفة بين الجانبين في حي الدوحة المجاور لأم بدة.

وكان برنامج الغذاء العالمي حذر من أن فتح جبهات جديدة للقتال سيؤدي إلى مزيد من تعطيل الأنشطة التجارية والزراعية في السودان، مما يشكل تهديداً كبيراً على مستوى توفير الغذاء في عموم البلاد، مع تقلص قدرته على تقديم المساعدة الغذائية المنتظمة إلا إلى شخص واحد من بين كل 10 أشخاص يواجهون مستويات الطوارئ من الجوع.

كرري آمنة

ومن محلية كرري شمال أم درمان والأكثر أماناً بالعاصمة، وصف الأستاذ الجامعي أمير المأمون، الموجود هناك منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، الأوضاع في المحلية بأنها تختلف عن بقية مناطق العاصمة السودانية التي صمد بعض سكانها بالبقاء في منازلهم على رغم سيطرة قوات "الدعم السريع" عليها. وأضاف "في كرري يسيطر الجيش منذ بداية الحرب على المنطقة الممتدة من شمال كلية التربية وحتى قاعدة وادي سيدنا العسكرية، وتشمل مناطق الثورات والسكن الفاخر وأحياء الروضة ومدينة النيل والواحة والحتانة وود البخيت وقرية كرري ذاتها". وأشار المأمون إلى غلاء نسبي في السلع الغذائية مع ارتفاع مستمر ومتصاعد في أسعارها إذ تستجلب المنتجات الغذائية والأدوية وخلافه من الحاجات الضرورية كالصابون والملابس والأحذية وغيرها من مدن شندي وعطبرة عبر الطريق الغربي وكبرى المتمة، وهناك ندرة في بعض الأدوية ومشكلة في العلاج، ويعمل مستشفى النور الوحيد بطاقة محدودة لمقابلة حاجات مواطني المنطقة إلى جانب النازحين من مناطق أم درمان القديمة والفتيحاب وأم بدة.

 

أما بالنسبة إلى أجواء القتال التي يعايشها السكان، فأشار المأمون إلى استمرار معاناة العالقين من عمليات القصف المدفعي المتكررة على أحياء عدة في محلية كرري التي تصل المنطقة عابرة للنيل من الخرطوم بحري وبخاصة من منطقتي شمبات والحلفايا، وبسببها فقدت وتفقد بصورة متواصلة أرواح مواطنين أبرياء، فضلاً عن تهدم عديد من المنازل، وفوق كل ذلك هنالك معاناة من نوع آخر وهي أن أصوات دوي المدافع وأزيز الطائرات الحربية منذ بداية الحرب وحتى اليوم قد بدأ يصيبنا بضعف في السمع من شدتها وتواترها.

وجبة واحدة

وعن الأوضاع في جنوب غربي أم درمان، قال أحد المتطوعين من مناطق أبو سعد المربعات، إن معظم العالقين فقدوا جزءاً كبيراً من أوزانهم بسبب تناولهم وجبة واحدة في اليوم. وأوضح "نعيش على أقل من حد الكفاف حيث ندرة وارتفاع جنوني في أسعار كل السلع، بلا كهرباء أو مياه أو خدمات صحية، فقط نقتات على بعض المنتجات الزراعية الواردة من قرى غرب أم درمان، وهناك كثر يعتمدون على البقوليات ولا يجدون رغيف خبز منذ أشهر عدة بسبب انعدام الدقيق وإغلاق المخابز". وأشار إلى أن قوات "الدعم السريع" لا تزال تحكم تلك المناطق عبر ما يسمى لجنة الظواهر السالبة، التي تتخذ من أحد المنازل في منطقة تقاطع ود البلال مقراً لها، إذ تقوم

وبإصدار أذونات وتصاريح المرور لدخول وخروج المواطنين والسلع الغذائية، وكذلك عمليات مراقبة وتدقيق في هويات من يشتبهون فيه لا سيما الوجوه الجديدة، بينما تنتشر ظاهرة اللصوص وقطع الطرق والنهب بخاصة في الفترات المسائية.

هل تعود الحياة؟

وكان والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة وقف ميدانياً على أحياء وسط أم درمان القديمة بغرض إعادة الحياة والوقوف على عمليات جمع ومعالجة ونزع مخلفات الحرب والقذائف المدفعية غير المتفجرة والأجسام الغريبة بالمنطقة. وأوضح الوالي المكلف أن المرحلة الثانية لإعادة الحياة لوسط أم درمان تبدأ بصيانة الكهرباء والمياه والمواصلات من أجل تشجيع المواطنين للعودة.

وعبرت وكالات ومنظمات إنسانية دولية عدة عن قلقها البالغ إزاء انخفاض مستويات التمويل للاستجابة للأزمة، داعية الجهات المانحة إلى الوفاء بالالتزامات التي تعهدتها في مؤتمر باريس الإنساني الدولي الخاص بالسودان منتصف أبريل الماضي.

ومنذ منتصف أبريل العام الماضي يواجه السودانيون تداعيات إنسانية متصاعدة بسبب الحرب المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" وسط تحذيرات أممية ودولية من أن اتساع نطاق العمليات العسكرية داخل المدن والأحياء السكنية يضع المدنيين العالقين في مناطق القتال أمام نقص حاد في الغذاء والدواء، بينما تتصاعد الدعوات والضغوط من أجل فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير