ملخص
يقول المتخصص التونسي إن حكومة بلاده لم تتحصل سوى على 2.5 في المئة من الموارد الخارجية المبرمجة خلال الربع الأول.
تواصل تونس انتهاج سياسة الاقتراض داخلياً لتمويل العجز في موازنتها، في وقت يمسك صندوق النقد الدولي بمفاتيح أبواب الأسواق المالية العالمية، فمن دون اتفاق للبلاد مع المؤسسة العالمية يكفل الشروع في اتخاذ إصلاحات اقتصادية على نحو جدي، ويضمن في الوقت ذاته رفع الترقيم السيادي للبلاد، فلن يكون بمقدور حكومة الحشاني تعبئة ما يلزمها من موارد خارجية تفترض برمجتها في موازنة الدولة للعام الحالي، بحسب ما يخلص أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بلحاج في حديثه إلى "اندبندنت عربية".
ويعتقد بلحاج أن بلاده لا تزال في حاجة ماسة إلى تمويلات خارجية، وتعبر هذه الحاجة ما دوّن في آخر قانون موازنة عام 2024، إذ قدرت الحكومة حجم موارد خارجية مبرمجة كبيرة للغاية، وهو ما يصعبه الترقيم السيادي المتدني للبلاد والذي لا يساعدها في الذهاب إلى الأسواق المالية العالمية، أو حتى الحصول على تمويلات خارجية ثنائية أو عديدة الأطراف.
معضلة الترقيم السيادي التونسي
واللجوء إلى الأسواق المالية العالمية مرتبط في الأساس بالترقيم السيادي للدول، وفي الحال التونسية، كما يقول آرام بلحاج، فإن الترقيم السيادي للبلاد متدن للغاية ولا يساعدها في الخروج للأسواق المالية العالمية، علاوة على أن الحكومة في حد ذاتها لا تملك برنامجاً للخروج إلى هذه الأسواق، لأنها تعي أن المسألة ليست سهلة، وإن تمكنت من ذلك فإن الكلفة ستكون كبيرة للغاية، مستبعداً على المدى القصير خروج البلاد إلى الأسواق المالية العالمية، بينما على المدى المتوسط نجد الأمر مرتبطاً بمدى شروع البلاد في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكل جدي، وهو ما يكفل أيضاً التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على أساس برنامج جديد، يعيد النظر في عدد المعطيات والإصلاحات، مما ييسر نسبياً مهمة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية.
تونس في حاجة إلى قرض "الصندوق"
ويعيد حديث بلحاج التذكير بموقف بلاده الرافض قرض صندوق النقد الدولي فيقول، "الواقع يشير إلى أن تونس لا تزال في حاجة إلى التعامل مع صندوق النقد الدولي، لأن إبرام اتفاق مع هذه المؤسسة سيفتح عدداً من أبواب هذه الأسواق الدولية، لكن الحكومة التونسية ترفض الذهاب إلى الصندوق وإبرام الاتفاق، على رغم التوصل إلى توافق على مستوى الخبراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2022".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى بلحاج أنه سيتعين على مسؤولي المالية في بلاده البحث عن حلول مصاحبة وبديلة لتعبئة الموارد الخارجية، إن كانوا غير راغبين في التعامل مع صندوق النقد الدولي، لأن الحلول المطبقة حتى هذه اللحظة في البلاد جاءت على حساب التداين الداخلي والبنوك والسيولة التي من المفترض أن تذهب إلى الاستثمارات ودفع النمو الاقتصادي.
الاتجاه نحو الاقتراض الداخلي
ويشير المتخصص الاقتصادي التونسي إلى البدائل الحالية المطبقة في بلاده لتعبئة الموارد، فيتعقد أنه على المدى القريب سيكون هناك تعويل أكثر على الاقتراض الداخلي مثلما حدث عام 2023، وهو ما بدا جلياً في الربع الأول من العام الحالي، إذ تشير بيانات وزارة المالية التونسية إلى تعبئة أكثر من 60 في المئة من الموارد الداخلية المبرمجة على كامل السنة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، في حين لم تتحصل الحكومة سوى على 2.5 في المئة من الموارد الخارجية المبرمجة، وهو ما يعني أن توجه الحكومة نحو التداين الداخلي أكثر وضوحاً.
وعن إيجابيات وسلبيات التداين الداخلي في تونس يلفت أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية إلى وجود بعض الإيجابيات، ولكن في المقابل هناك عدد من السلبيات أيضاً، ومن تلك الأخيرة تعرض البنوك لعدد من الأخطار، مضيفاً "لاحظنا في الآونة الأخيرة كيف تدهور ترقيم البنوك بسبب ذهابها إلى تمويل العجز الكبير في الموازنة، مع العلم أن كل هذه السيولة التي تذهب لتمويل هذا العجز لا تعني بالضرورة تمويلاً للاقتصاد، وهو ما يفسر النمو الاقتصادي الضعيف للغاية في تونس خلال أحدث قراءة له، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، عند مستوى 0.2 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، مع التذكير بأن كامل النمو المحقق عام 2023 كان عند مستوى 0.9 في المئة، ومن بين أسباب ضعف هذا النمو في الناتج المحلي الإجمالي هو غياب الاستثمارات بالأحجام الكافية، فلا تكفي السيولة لتمويل الاستثمارات وسداد عجز الموازنة في الوقت معاً".
وعما يثار حول قدرة البلاد على المضي قدماً حتى من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو تعبئة الموارد الخارجية، يختتم حديثه لنا قائلاً إن "هناك من يدعي أن تمويل موازنة 2024 لا يواجه صعوبات بدعوى تحسن إيرادات السياحة وارتفاع تحويلات التونسيين العاملين في الخارج ونمو الصادرات، لكن هذه الادعاءات ليست دقيقة، إذ إن كل هذه الإيرادات لا تذهب إلى موازنة الدولة وتخص أصحابها في النهاية، وعليه فإن الحكومة مطالبة بتوفير الموارد الكافية اللازمة للنفقات، وهو الحل الجذري لكل الإصلاحات الحقيقية، فإصلاح المالية العمومية يبدأ حتماً من إصلاح المؤسسات العمومية ومنظومتي الدعم والجباية، وإذا نجحت الحكومة الحالية في بدء هذه الإصلاحات فإن التعافي سيتحقق، وستتمكن حينئذ من تعبئة الموارد الداخلية والخارجية بغير هذه الصعوبات التي تشهدها اليوم".
Listen to "أبواب الأسواق موصدة أمام تونس والمفاتيح مع صندوق النقد" on Spreaker.