أجواء من القلق خيّمت على كلمات قادة العالم خلال الجلسة الافتتاحية لمناقشات الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء، بشأن الوضع في منطقة الشرق الأوسط، معربين عن إدانتهم مرارا للهجمات التي استهدفت منشآت النفط السعودية في "بقيق" و"خريص" في 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، إذ حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من اندلاع حرب في منطقة الخليج لن يستطيع العالم تحمل تداعياتها، مدينا الهجوم الأخير على السعودية بالقول إنه "غير مقبول على الإطلاق". وبالمثل وصف رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، الهجمات بأنها "جريمة خسيسة للغاية تحتجز النظام الاقتصادي العالمي رهينة".
وتقوم اليابان وفرنسا بجهود متواصلة على صعيد السعي نحو التهدئة وجلب أطراف النزاع الرئيسيين في المنطقة على طاولة المفاوضات، وقد تجنّب رئيس الوزراء الياباني الإشارة إلى الجهة التي تعتقد بلاده أنها مسؤولة عن الهجوم، إذ تتهم السعودية والولايات المتحدة إيران بالضلوع فيه، في حين يزعم الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران، مسؤوليتهم عنه.
والتقى رئيس الوزراء الياباني بالفعل الرئيس الإيراني حسن روحاني في لقاء ثنائي على هامش الجمعية العامة، إذ أبلغ آبي الجانب الإيراني بأنه يتوقع منهم أن يلعبوا دورا بنّاءً في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في أعقاب الهجمات على منشآت النفط السعودية.
وكشف ماساتو أوتاكا، المسؤول الرفيع لدى وزارة الخارجية اليابانية، في حديثه للصحافيين من نيويورك، عن تفاصيل اللقاء بين آبي وروحاني، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الياباني أعرب خلال اللقاء عن قلق كبير بشأن الوضع في الشرق الأوسط، وآماله بأن تلعب إيران دورا بنّاءً في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأكد على أن اليابان ستواصل الضغط للعب دور في تقليل التوترات في الشرق الأوسط وتحقيق الاستقرار.
وفي حين تعتمد طوكيو على الالتزامات الأمنية الأميركية، لكنها تولي أهمية خاصة لتوسيع استثماراتها في إيران وتعتمد بشكل كبير على إمدادات النفط من الشرق الأوسط، وهو ما يجعلها وسيطاً نشطاً وحيوياً في هذه القضية.
وأفاد المسؤول الياباني بأن الرئيس آبي لفت خلال حديثه مع روحاني إلى أن اليابان تعتمد على نحو 80% من احتياجاتها من النفط الخام على الشرق الأوسط، ومن ثم يهمها أمن الملاحة في المنطقة، ومن ثم فإن طوكيو تدعو طهران إلى التزام مسؤولياتها الكاملة لضمان أمن حرية الملاحة.
وأشار أوتاكا إلى أن اليابان تقوم بجهود وساطة دبلوماسية كبيرة، إذ إنها ترتبط بعلاقات قوية بكل من الولايات المتحدة وإيران، مما يمنحها الفرصة للتواصل مع قادة البلدين، لافتا إلى أنه على صعيد الحوار مع طهران فإن لقاء الثلاثاء بين رئيس الوزراء الياباني والرئيس الإيراني كان التاسع. وكشف عن أن روحاني أبلغ آبي بأنه بالنسبة إلى إيران فإن أمن المنطقة مهم وأنها تأمل في التعاون مع اليابان في هذا الصدد، بل إنها ضد كل أسلحة الدمار الشامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولطالما دعمت طوكيو الاتفاق النووي، الذي وقّعته القوى الدولية مع إيران في يوليو (تموز) 2015، والذي بموجبه تم إنهاء العقوبات من جانب الولايات المتحدة وأوروبا ضد إيران، في مقابل فرض قيود على أنشطة تطوير الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وعندما قررت الحكومة الأميركية، في مايو (أيار) من العام الماضي، الانسحاب من الاتفاق كان موقف اليابان يتسق مع الدول الأوروبية الداعم للاتفاق، وحذرت من أنه سيكون من المؤسف للغاية إذا كان للقرار تأثير كبير على الحفاظ على الاتفاق.
ومع تصعيد العقوبات الأميركية ضد إيران منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، اتخذت إيران إجراءات لتقليص التزاماتها النووية. وأعلن الرئيس الإيراني مطلع الشهر الحالي التخلي عن كل القيود المفروضة في مجالي البحث والتطوير النووي.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت طهران التخلي عن بعض التزاماتها النووية والبدء في تخصيب اليورانيوم بمستوى يحظره الاتفاق النووي.
وأوضح الدبلوماسي الياباني أن رئيس وزراء بلاده أعرب خلال لقائه بروحاني عن قلق كبير بشأن الإجراءات الخطيرة الأخيرة التي اتخذتها إيران، والتي لا تتوافق مع الاتفاق النووي.
وبشأن ما خلص إليه الجانب الياباني حول نوايا إيران تجاه الحوار مع الولايات المتحدة، قال أوتاكا في تعليقات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، إنه على الرغم من أنه ليس بالإمكان الحكم على نوايا الجانب الإيراني في الوقت الحالي، غير أن روحاني أشار خلال لقائه مع آبي إلى مبادرته "تحالف من أجل الأمل"، والتي من المتوقع أن يكشف عن تفاصيلها خلال كلمته في الجمعية العامة، الأربعاء.
وأضاف الدبلوماسي الياباني أنه لا يزال "علينا أن ننتظر ما سيقوله الرئيس الإيراني"، مضيفا أن اليابان دائما منفتحة على المبادرات حول العالم.
وبينما لا يمكن التكهن بكلمة روحاني، والتي يعلق عليها البعض آمالا نحو تخفيف التوتر، جاءت كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في الجلسة الافتتاحية لمناقشات الجمعية العامة، الثلاثاء، تحمل تهديدا صريحا لإيران، لكنها فتحت آفاقا نحو تأكيد نيته في السلام، وهو ما اعتبره الوسطاء بادرة أمل.
وقال الدبلوماسي الياباني إن كلمة الرئيس ترمب "لم تكن سيئة"، فلقد أكد رغبة الولايات المتحدة في السلام والاستعداد للصداقة مع من يسعون لذلك.
وخلال كلمته، اتهم الرئيس الأميركي مجددا إيران بالوقوف وراء الهجمات الأخيرة على السعودية، وأشار إلى أن "النظام القمعي في إيران يرفض السلام واستراتيجيته المدمرة لا تخفى علينا، فهي من أولى الدول الداعمة للإرهاب"، مشدّداً على أن "النظام يبدد ثروات البلاد في إطار سعيه إلى تطوير أسلحة نووية"، مضيفا أنه لن يستسلم يوماً ولن يتوقف عن الدفاع عن مصالح بلاده، التي "تعرف أن الحرب ممكنة، لكن الشجعان هم القادرون على تحقيق السلام".