ملخص
لم يضطر "المركزي السعودي" إلى التدخل في سوق الصرف إلا مرات نادرة ولأسباب وعوامل خارجية لا تعكس الوضع الاقتصادي للبلاد
يعد الريال السعودي من بين أقوى العملات في العالم، استناداً إلى استقرار سعر صرفه وقوة اقتصاد السعودية على رغم التقلبات الاقتصادية في العالم، ويرجع ذلك بالأساس، في رأي غالب المعلقين والمحللين في أسواق العملات، إلى استقرار سعر الصرف نتيجة ربط العملة السعودية بالدولار الأميركي، وندرة المضاربات على الريال لأسباب داخلية تتعلق بالاقتصاد السعودي، إضافة إلى قوة الاقتصاد ومتانة النظام المصرفي.
أصبح الريال العملة الرسمية للسعودية منذ عام 1952، واستندت قيمة العملة في ذلك الوقت إلى احتياط الذهب وقيمة العملة المسكوكة (الريال الفضي)، وقبل ذلك كانت السعودية منذ تأسيسها عام 1932 تستخدم نظام عملة مزدوجاً من الريال الذي كان عملة الحجاز والنقد العثماني الذي كان مستخدماً في سلطنة نجد، وبحلول عام 1935 سكت أول عملة موحدة للسعودية.
وظلت العملة السعودية يقدر سعر صرفها إلى قاعدة الذهب البريطانية حتى عام 1959 استناداً إلى احتياطات السعودية من الجنيهات الذهبية، ومنذ عام 1986 ربطت الرياض عملتها بالدولار الأميركي عند 3.75 ريال سعودي مقابل الدولار، لتفادي أي تقلبات في سعر الصرف، ومن ثم ضمان عدم ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادي السعودي، على اعتبار أن المصدر الأهم للعائدات هو مبيعات النفط المسعر عالمياً بالدولار الأميركي.
استقرار سعر الصرف
وعلى رغم التقلبات في سوق الطاقة العالمية وتذبذب أسعار النفط، ظلت العملة السعودية في وضع استقرار ولم تتأثر كثيراً معدلات التضخم في الاقتصاد، حتى إن البنك المركزي السعودي (سلطة النقد العربي السعودي) لم يضطر إلى التدخل في سوق العملات إلا مرات نادرة ولأسباب وعوامل خارجية لا تعكس الوضع الاقتصادي في البلاد.
في موسم الحج عام 1960 كان سعر صرف الريال أمام الدولار قريباً من سعر صرفه الحالي، وذلك حتى قبل ربط العملة السعودية بالدولار، إذ كان الدولار يساوي خمسة ريالات، لكن سعر الصرف أمام العملة البريطانية كان مختلفاً كثيراً عن الآن إذ كان سعر الصرف وقتها 14 ريالاً للجنيه الاسترليني، أما الآن فالاسترليني يساوي 4.75 ريال.
يبدو التغيير هائلاً مقابل عملات إقليمية ودولية أخرى، على سبيل المثال كانت الروبية الهندية عام 1960 تساوي 104 ريالات أما الآن فإن الريال أصبح يساوي أكثر من 22 روبية، وفي ذلك الوقت أيضاً كان الجنيه المصري مثلاً يساوي 10 ريالات، أما الآن فإن الريال يساوي ما يقارب 13 جنيهاً مصرياً، ولأن غالب عملات دول الخليج مربوطة أيضاً بالدولار فإن التغير في سعر الصرف بينها وبين الريال السعودي لم يشهد تغيرات كبيرة على مر العقود الأخيرة.
ربما يستغرب البعض مثلاً من سعر صرف الريال مقابل تلك العملات العالمية والإقليمية قبل أكثر من نصف قرن والآن، لكن ذلك إنما يعكس استقرار سعر صرف العملة السعودية مقابل التقلبات الهائلة في العملات الأخرى في المنطقة والعالم، إذ شهد غالب تلك العملات هزات قوية لأسباب تتعلق بمشكلات اقتصادية في بلادها وتقلبات وضع الاقتصاد، ومن ثم تخفيض أو تعويم تلك العملات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل لم يتدخل البنك المركزي السعودي سوى مرتين في التسعينيات (مرة عام 1993 ومرة عام 1998)، خشية المضاربات الخارجية على العملة السعودية، وكان ذلك في وقت شهدت أسعار النفط تغيراً كبيراً جعل المضاربين في أسواق العملات العالمية يحاولون استهداف العملة السعودية، وحتى في تلك المرات كان التدخل الرسمي محدوداً ولفترة قصيرة.
أما حديثاً فكانت المرة الأخيرة عام 2007 حين هوت قيمة الدولار الأميركي، وتوقعت أسواق العملات العالمية أن تلجأ السعودية إلى خفض قيمة عملتها نتيجة ذلك، لكن حسب ورقة عن العملة السعودية من بنك التسويات الدولية (آي بي أس) العام الماضي، قرر البنك المركزي السعودي في النهاية أن يبقي على سعر الربط بالدولار عند 3.75 ريال.
السياسة النقدية والمالية
على رغم أن قرار السلطات النقدية السعودية وقتها بدا مستغرباً، فإنه في النهاية حافظ على معدلات التضخم في البلاد مستقراً، إذ كان التدخل بخفض قيمة العملة آنذاك سيؤدي إلى زيادة كبيرة في عائدات البلاد المقومة بالريال، وبما أن مبيعات النفط تسعر في السوق بالدولار فإن العائد يزيد بحسب سعر صرف العملة مقابل الدولار، لكن ذلك كان من شأنه إلى جانب زيادة الضغوط التضخمية أن يؤدي إلى مزيد من المضاربات الخارجية على العملة السعودية.
وبحسب بنك التسويات الدولي فإن ربط العملة بالدولار، ومن ثم سياسة البنك المركزي في شأن الفائدة التي تتبع "الاحتياط الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) بالزيادة والخفض جنبا الاقتصاد السعودي أخطار تحركات أسواق العملات العالمية المضطربة أحياناً.
صحيح أنه في الآونة الأخيرة تتردد أنباء عن تفكير السعودية في تسعير مبيعاتها النفطية لبعض الدول بغير الدولار الأميركي، إلا أنه لا تأكيد بصورة رسمية لذلك، حتى بعض التعاملات بغير الدولار في تصدير النفط والغاز لا تعني التخلي عن ربط العملة الوطنية بنظيرتها الأميركية في الأقل حتى الآن.
يسهم ذلك إلى حد كبير في استقرار السياسة النقدية والمالية للسعودية، ويدعم قوة النظام المصرفي في الاقتصاد، إذ تحظى المصارف السعودية بتقدير كثير من المعلقين، وبحسب تقارير المؤسسات الدولية تعد في وضع جيد.