ملخص
من العوامل الضاغطة التي أدت إلى إحياء التحرك نحو السودان تدخل طهران في الخرطوم، والذي يثير قلق كثير من الدول على المستويين الإقليمي والدولي، بخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
في وقت فشلت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في عقد لقاء مباشر بين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) لإنهاء الحرب الدائرة بينهما منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، عاد الاتحاد الأفريقي لمواصلة المسار ذاته بإنشاء آلية رئاسية رفيعة المستوى بقيادة رئيس الدورة الحالية لمجلس السلم والأمن الأفريقي الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وعضوية رئيس من كل منطقة من مناطق القارة الأفريقية الخمس، بهدف ترتيب اجتماع مباشر بين قيادة طرفي حرب السودان للتفاوض على وقف عاجل لإطلاق النار، فإلى أي مدى بإمكان هذه الآلية النجاح في هذه المهمة في ضوء التصريحات المتشددة التي أطلقتها قيادة الجيش في مناسبات عدة خلال الفترة الماضية بعدم التفاوض مع "الدعم السريع"، فضلاً عن موقف الحكومة السودانية من الاتحاد الأفريقي بسبب تجميد عضويتها منذ انقلاب قائد الجيش على حكومة الفترة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وغيرها من التحديات التي تجابه هذا التحرك؟
تناقض وإرباك
يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور إنه "من الصعب التكهن بموافقة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على الاستجابة لدعوة الاتحاد الأفريقي للقاء قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وذلك بناء على تصريحات ومواقف قادة الجيش وداعميهم الرافضة للتفاوض حتى غير المباشر منه عبر 'منبر جدة' بوساطة سعودية - أميركية، فضلاً عن تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الشهيرة في هذا الاتجاه، وإضافة لذلك يبدو أن هناك إرباكاً في مركز قرار الجيش، بدليل التناقض الكبير في مواقف قادته ونكوصهم عن تعهداتهم وعودتهم وتكرارهم بأن الحرب يجب أن تنتهي بالقضاء على 'الدعم السريع'، وآخر تلك المواقف ما أعلنه مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا".
وتابع، "معلوم أن جميع المواقف الدولية تدعو إلى ضرورة التفاوض لإيقاف الحرب وأنه ليس هناك حل عسكري للنزاع في السودان، ومن ضمن تلك المواقف ما أكدت عليه كل من روسيا والصين، مع ملاحظة أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لموسكو لم تأت بالنتائج المتوقعة لجهة الدعم السياسي للجيش لناحية استمرار الحرب".
وزاد محمد نور، "نجد أن دبلوماسية حكومة الأمر الواقع في بورتسودان لم تحقق أي اختراق في المواقف الإقليمية والدولية، على رغم الإدانات الواسعة لانتهاكات 'الدعم السريع' وجرائمه المروعة في دارفور والجزيرة ومناطق أخرى، وآخرها مجزرة ود النورة وريفي الحوش".
وأردف، "في تقديري أن من العوامل الضاغطة التي أدت إلى إحياء التحرك نحو السودان العاملين الإيراني والروسي، فتدخل طهران في الخرطوم يثير قلق كثير من الدول على المستويين الإقليمي والدولي، بخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالطبع حلفائهما في المنطقة، كما أن زيارة نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي لبعض الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية وأخذت في تقوية روابطها مع روسيا، يعطي مؤشرات على مدى تعقيدات الحرب السودانية".
وواصل، "كذلك من الأسباب المهمة التي أسهمت بتدخل الاتحاد الأفريقي لإنهاء هذه الحرب والذي بدأ أكثر نشاطاً في الأونة الأخيرة، وهي تمدد الصراع في السودان إلى دول الجوار، بخاصة تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، إضافة إلى ما أحدثته عمليات النزوح المستمر للسودانيين لكثير من دول الجوار، ولا سيما إثيوبيا ومصر وجنوب السودان من تأثير بالغ ومهم عليها، والذي بدأ يأتي بتداعيات غير حميدة على تلك الدول مع وجود تدفقات غير نظامية عبر الحدود، مدفوعة بالوضع المزري في البلاد".
وختم أستاذ الاقتصاد السياسي قوله إن "تمدد الصراع وتأثيره في دول الجوار قد بدأ بالفعل ومرشح للتفاقم بسرعة، كما أن تغلغل إيران وروسيا في الداخل السوداني سيوطن التوتر ويعمق تعقيده، وربما استمراريته لوقت طويل بجميع ما ينتج من ذلك من عواقب إذا لم يتم تدارك الأمور بسرعة، والتي يبدو أنها في طريقها للخروج عن السيطرة وتشكيل بيئة مواتية للتطرف والإرهاب".
فرص النجاح
بدوره قال الكاتب السوداني عثمان ميرغني "في رأيي أن تدخل الاتحاد الأفريقي لإنهاء الصراع السوداني في هذه المرحلة بعيداً من 'منبر جدة' قد يبعث برسائل مربكة لأطراف الأزمة السودانية، فمن جهة قد يراه بعضهم قطعاً لطريق المؤتمر الذي دعت إليه مصر لانعقاده نهاية يونيو (حزيران) الجاري بحضور أطياف المشهد السياسي السوداني وقوى إقليمية، فيما يعتبره بعضهم امتداداً لمبادرة 'منظمة إيغاد' السابقة التي انتهت بتجميد عضوية السودان في المنظمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومضى ميرغني قائلاً إنه "في كل الأحوال لا يزال الرئيس الأوغندي يوري موسفيني يحظى بتقدير القيادة السودانية التي ظلت على تواصل معه خلال الفترة الماضية، إذ باتت تعول على حضوره الأفريقي في ترجيح كفتها".
وأشار الكاتب السوداني إلى أن فرص نجاح اجتماع قيادتي الجيش و"الدعم السريع" قد تكون متوافرة في حال عبور محطات تحضيرية مهمة، وهي محطات سياسية أكثر منها عسكرية، مما يستوجب استيعاب القوى السياسية المختلفة الداعمة للطرفين العسكريين في سياق البحث عن اتفاق سلام ينهي الحرب، وهو أمر مهم للغاية يجب عدم إغفاله.
نقلة نوعية
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية (تقدم) رحبت بمقررات اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي على مستوى رؤساء الدول الذي انعقد في الـ 21 من يونيو الجاري، والذي تناول الوضع في السودان، فضلاً عن إنشاء آلية برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لترتيب لقاء بين قيادتي الجيش و"الدعم السريع" للتفاوض على وقف عاجل لإطلاق النار.
واعتبرت التنسيقية انعقاد الاجتماع الأفريقي وما تمخض عنه من قرارات "نقلة نوعية في رفع درجة استجابة قادة القارة الأفريقية لكارثة الحرب في السودان التي لا يقتصر تأثيرها في حدود السودان وحسب، بل تهدد محيطه الخارجي بصورة جدية".
وأكدت التنسيقية أهمية دور الاتحاد الأفريقي في إنهاء النزاع في السودان، وموقفه القوي منذ انقلاب الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) بتعليق عضوية السودان، نسبة إلى غياب وجود سلطة شرعية فيه، وهو موقف لا ينبغي التراجع عنه إطلاقاً، فالحرب عمقت أزمة المشروعية، ولا يجب مكافأة أي من أطرافها بمنحه شرعية لم يمنحها إياه الشعب السوداني المكتوي بنيران الحرب، منوهة إلى تشجيعها لعمل الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وترحيبها بجهودها في السعي إلى تيسير عملية سياسية تنهي الحرب في السودان، إذ دعت إلى إحكام التنسيق مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما فيها الدعوة التي تعتزم القاهرة تنظيمها قريباً.
وشددت التنسيقية على أن أية عملية سياسية يجب أن تكون مملوكة للسودانيين وبقيادتهم، وأنه لا يمكن نجاحها من دون تشاور كاف مع السودانيين أولاً، كما يجب أن تكون شاملة عدا المؤتمر الوطني (الحركة الإسلامية وواجهاتها)، ويجب أن يكون هدفها وقف الحرب وتحقيق تطلعات السودانيين في دولة موحدة مدنية ديمقراطية لا تمييز فيها ولا هيمنة لجهة أو فرد، وهو ما سنظل منفتحين له بالتواصل الفعال مع الآلية ومحيطنا الإقليمي والدولي.
وكان مجلس السلم والأمن الأفريقي طالب طرفي القتال بالوقف الفوري للعدائيات، ودان الانتهاكات المروعة كافة التي ارتكبت في حق المدنيين، كما حذر من أخطار اتخاذ الحرب أبعاداً إثنية وجهوية، وأكد ألا حل عسكرياً للنزاع وأن المخرج الوحيد هو الحل السلمي التفاوضي، فيما دعا الأسرة الدولية والإقليمية للإيفاء بتعهداتها عبر توفير الموارد اللازمة للعون الإنساني، وابتعاد الأطراف الخارجية كافة عن أي سند لطرفي القتال يزيد من اشتعال الحرب، ويغذي دائرة العنف في السودان.