يعاني الاقتصاد الإيطالي عدم القدرة على النمو، وتحاصره الأزمات السياسيَّة. روما عاجزة عن السيطرة على حجم الدين العام الذي يتنامى عاماً بعد عام، وستواجه اختباراً صعباً في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما تُعلن موازنة 2020 بين مطرقة بروكسل وسندان المطالب الشعبويَّة الداخليَّة.
إيطاليا اختبرت حجم الدين الكبير تاريخياً، إذ تجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي GDP في العام 1920، ثم تراجع هذا الدين إلى 20٪ بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة وإعادة إعمار أوروبا، ثم تجاوز الـ60% في 1980.
في 2019 ارتفع الدين الإيطالي إلى 2.3 تريليون دولار، بما يعادل 133% من الناتج المحلي الإجمالي. الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ورقم 9 عالمياً.
المفوضيَّة الأوروبيَّة لا تزال قلقة بشأن هذا الحجم من الدين. في يونيو (حزيران) 2019 استفسرت الحكومة الإيطاليَّة عن سبب عدم قدرتها على السيطرة على هذا الدَّين، وطالبتها بضرورة التقيُّد بالضوابط الماليَّة. يوجد خلافٌ بين المفوضيَّة الأوروبيَّة وحكومة الائتلاف الإيطاليَّة منذ العام الماضي بشأن الضوابط الماليَّة الأوروبيَّة التي تتعارض مع نهج الإنفاق الذي تعتمده حكومة الائتلاف في روما المحكومة بالائتلاف اليميني بين حزب الرابطة بقيادة سلفيني وحركة النجوم الخمس (التحالف المناهض أوروبا). انهار هذا التحالف بعد 14 شهراً على إثر انسحاب حزب الرابطة من الائتلاف الحكومي، وتبعه بعد ذلك تقديم رئيس الوزراء جوزيبي كونتي باستقالته في الأسبوع الثالث من أغسطس (آب) 2019، متفادياً تصويت بحجب الثقة بالبرلمان.
حجم الدَّين الإيطالي كان 105٪ من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة الماليَّة العالميَّة في 2007، وارتفع خلال 11 عاماً إلى 133٪. أعلى معدل دين منذ الحرب العالميَّة الثانيَّة، تتوقع المفوضيَّة الأوروبيَّة أن يرتفع ليبلغ ٪135 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020، مقارنة بحجم الدين العام مع الثلاثة الكبار في أوروبا: ألمانيا يبلغ حجم الدين 64% من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا يبلغ 95% من الـGDP، وإسبانيا يبلغ حجم الدين 98% من الناتج المحلي الإجمالي.
المفوضيَّة الأوروبيَّة تمارس ضغوطاً مستمرة على روما
اتفقت الحكومة الإيطاليَّة السابقة مع المفوضيَّة الأوروبيَّة على خفض عجز الموازنة للعام 2019 إلى 2.00٪ وإلى 1.8٪ للعام 2020، لكنها خرقت القواعد باعتمادها موازنة تحفيز وزيادة في الإنفاق، ولم تخفّض عجز الموازنة، وكذلك الدَّين العام، ولم تستطع تنفيذ مطلوبات المفوضيَّة الأوروبيَّة.
العلاقة بين روما وبروكسل متوترة منذ العام الماضي، وزير الماليَّة الجديد البروفيسور روبرتو غاليتي القريب من بروكسل يُتوقع أن يكون أكثر تعاوناً، لكن العقبة التي أمامه هي أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي ربما تضطره إلى اعتماد سياسات تقشفيَّة، ورفعاً للضرائب. هذه الإجراءات ستقود إلى مزيدٍ من تباطؤ نمو الاقتصاد.
وتتوقع المفوضيَّة أن ينمو الاقتصاد الإيطالي بـ0.1+ ٪ للعام 2019، وأن ينمو بـ0.7+ ٪ للعام 2020. على الحكومة الإيطاليَّة أن تقدم موازنتها للعام 2020 في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
الاقتصاد الإيطالي ومخاطر الانكماش
الاقتصاد الإيطالي ضلَّ طريق النمو أخيراً، ومن الدول التي عجزت عن دفع الاقتصاد لينمو كما كان قبل 10 سنوات، الاقتصاد ينمو نمواً أنيمياً ضعيفاً جداً، انكمش في الفصلين الثالث والرابع من 2018 (٪0.1 - و٪0.1 -)، كان معدل النمو 0.0% في 2018 (صفر في المئة). متوسط نمو الاقتصاد الإيطالي تاريخياً هو 0.59+ ٪. خلال الـ50 عاماً الماضيَّة أعلى معدل نمو هو 6٪ سُجّل في 1970، وأدنى مستوى انكماش بـ2.7- ٪ في 2009، وعندها انكمش الاقتصاد بـ5.5- ٪، في 2012 أيضاً انكمش الاقتصاد بـ2.8- ٪، ثم 1.7- ٪ في العام 2013.
وانكمش الاقتصاد الإيطالي إلى 7 فصول متتاليَّة خلال الفترة بين منتصف 2011 وحتى 2013، ومنذ العام 2011 وحتى 2019 الاقتصاد الإيطالي لم يسجل نمواً فصلياً أكثر من 0.5٪ (فقط مرة واحدة في الفصل الأول من 2017 سجل نمواً بلغ 0.6٪). في العام الماضي سجَّل الاقتصاد بـ0.9+ ٪ خلال أربعة فصول مقارنة بنمو 1.7+ ٪ خلال 2017.
عدم الاستقرار السياسي والصدام مع بروكسل
عدم الاستقرار السياسي لازم إيطاليا منذ الحرب العالميَّة الثانيَّة، عرفت إيطاليا 65 حكومة خلال الـ80 عاماً الماضيَّة، خلال الـ14 شهراً الماضيَّة إيطاليا كانت محكومة بتحالف بين حزب الرابطة اليميني (الذي يرى أن الإصلاح الاقتصادي يمر عبر خفض الضرائب) وحركة النجوم الخمس التي ترى ضرورة زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعيَّة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا التحالف الشعبوي يصادم أوروبا ويرفض المهاجرين، وانتهى به المطاف بالسقوط، واستقالة رئيس الوزراء وتشكيل تحالف جديد بين حركة الخمس نجوم وحزب يمين الوسط الحزب الديموقراطي، (تحالف الأضداد). حكومة جوزيبي كونتي أدت اليمين الدستوريَّة في الـ5 من سبتمبر (أيلول) 2019، ومن المنتظر أن تتقدم بموازنة العام 2020 خلال الأيام المقبلة قبل منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ستُعرض أولاً على البرلمان الإيطالي. ستراقب الأسواق التغيير في هذه الميزانيَّة، ومدى استجابتها إلى مطالب بروكسل في تخفيض عجز الموازنة وتقليل الإنفاق.
العام الماضي ارتفع التوتر بين بروكسل وروما التي كان يحكمها ائتلاف شعبوي بسبب الموازنة، وحددوا 2.4٪ عجزاً للموازنة ليتمكَّنوا من تنفيذ الوعود الانتخابيَّة في خفض الضرائب وتخفيض سن التقاعد وزيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعيَّة، ولم يتقيدوا بشروط المفوضيَّة الأوروبيَّة. هذه المرة الحكومة وزير ماليتها شخصيَّة معروفة في المؤسسات الأوروبيَّة، وهو روبرتو غاليتي الذي شغل منصب رئيس اللجنة الاقتصاديَّة بالبرلمان الأوروبي سابقاً، لذا بعض التوقعات يقول إن حكومة كونتي ستكون أكثر التزاما بالمعايير الأوروبيَّة، وأكثر توافقاً بشأن ملف الهجرة، ومتوقع أن تستهدف خفض عجز الموازنة إلى مستوى الـ2.00٪، وذلك لتتجنب زيادة الدين العام.
تركيبة الدين والمخاطر على النظام المالي الأوروبي
أعلن البنك المركزي الإيطالي أن إجمالي انكشاف البنوك الإيطاليَّة على الدين الإيطالي بلغ 280 مليار يورو في يونيو (حزيران) 2019، وهو المستوى الأعلى خلال ثلاث سنوات، إضافة إلى الشركات والأفراد يرتفع حجم الانكشاف المحلي إلى 425 مليار يورو. بالنسبة إلى انكشاف الدول الأوروبيَّة على الدين الإيطالي تأتي فرنسا على رأس القائمة، إذ تبلغ حيازتها من السندات السياديَّة الإيطاليَّة 285.5 مليار يورو (نصيب بنك بي إن بي باريبا لوحده 143.2 مليار يورو، ونصيب بنك كريدي أغريكول 97.2 مليار يورو)، ثم ألمانيا يبلغ انكشافها 58.7 مليار يورو (نصيب دويتشه بنك 29.6 مليار يورو، ونصيب كومرس بنك 12.4 مليار يورو)، تليها بلجيكا بـ25 مليار يورو، ثم إسبانيا بـ21.4 مليار يورو، بينما يبلغ انكشاف بريطانيا 17.4 مليار دولار.
هذا التوزيع للديون الإيطاليَّة يزيد من خطورة عدم السيطرة عليه، وتأثير ذلك في النظام المالي الأوروبي، وتأثير ذلك السلبي في قدرة أوروبا على مواجهة الأزمات مستقبلاً، إيطاليا ليست اليونان، سيكون من الصعب إنقاذ اقتصاد يعادل 10 أضعاف حجم الاقتصاد اليوناني، لهذا تحاول المفوضيَّة الأوروبيَّة الضغط على روما لاتخاذ تدابير ماليَّة، وتصحيح الموازنة العامة.