حَمَلَ خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة ملامح كثير من الأهداف الإيرانيَّة، وتجلَّت عبر جملتين بارزتين في خطابه من جهة، فضلاً عن دعوته إلى مقترح (تحالف الأمل) أو مبادرة (هرمز للسلام)، أهداف السياسة الإيرانيَّة، وتفسير كثير من الأحداث الإقليميَّة الأخيرة مثل الهجوم على المنشآت التابعة لشركة أرامكو، ومماطلة إيران في الاستجابة إلى ترتيب لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وذلك على نحو ما ستبيّنه السطور المقبلة.
قال روحاني "سيتم ضمان أمن السعوديَّة بإنهاء العدوان في اليمن، وليس من خلال دعوة الأجانب إلى الأراضي السعوديَّة".
هنا يتجلَّى أمران مهمان، الأول يتعلق بالتطورات في اليمن الذي تستخدمه إيران دائماً لإحداث توتر واضطرابات للسعوديَّة، فالتدخل الإيراني في الحرب اليمنيَّة كان بسبب إحداث قلق للسعوديَّة، إذ تريد إيران أن تشغل الرياض على النحو الذي يُبعدها عن مناطق النفوذ والتأثير الإيراني الأخرى كالعراق ولبنان وسوريا، التي تمثل أهميَّة للمصالح الإيرانيَّة. لذا فخطاب روحاني لم يحمل نيَّة لتقليل التدخل الإيراني في دول المشرق العربي، بل إنها لوَّحت فقط بملف اليمن. بما يعني أنها تريد التهدئة مع السعوديَّة، لكن فيما يخص الحرب باليمن، وليس تقليل نفوذ إيران في باقي دول المنطقة، من هنا تتضح أسباب الهجمات الحوثيَّة على المصالح السعوديَّة، والهجمات الأخيرة التي أتت من شمال الخليج على منشآت النفط السعوديَّة.
من جهة أخرى فإن وزير الخارجيَّة الإيراني جواد ظريف كثيراً ما تحدَّث في مقالاته عن استعداد إيران للتعاون مع دول المنطقة في حل الصراعات الإقليميَّة، وبالأخص الوصول إلى حلٍ بالملف اليمني. يتضح من ذلك كيفيَّة التوظيف الإيراني للملف اليمني للضغط على دول الخليج.
أمَّا مقولة الرئيس الإيراني موجهاً حديثه إلى الرئيس الأميركي، أنه "إذا كنت راضياً بالحد الأدنى فسنرضى أيضاً بالحد الأدنى. إذا كنت تحتاج إلى المزيد يجب عليك أن تدفع أيضاً أكثر"، وقوله "إذا كان لديك طلب واحد فقط من إيران، وهو عدم إنتاج الأسلحة النوويَّة وعدم استخدامها، فإنه يمكن تحقيق ذلك بسهولة في إشراف الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة، والأهم من ذلك فتوى الزعيم الإيراني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هنا يتضح أن هدف إيران ليس فقط التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي في إطار منع انتشار أسلحة الدمار الشامل بالمنطقة، بل تستهدف ضمان مزيدٍ من المكاسب جراء أي حوار ومفاوضات بين الطرفين. فالمزيد الذي تريده إيران يتعلق بالمصالح الإيرانيَّة ونفوذها التي أرستها في عدة دول بالمنطقة منذ سقوط العراق عام 2003، سواء نفوذها بالعراق أو مكاسبها السياسيَّة بسوريا التي تريد ضمانها في مواجهة الاستراتيجيَّة الإسرائيليَّة الرافضة ترسيخ الوجود الإيراني بسوريا، وأخيراً تريد أن تكون نواة أي ترتيبات أمنيَّة في منطقة الخليج. وقبل كل ذلك تريد رفع العقوبات الاقتصاديَّة عنها، ودمجها في المجتمع الدولي بما يضمن لها تحسين الوضع الاقتصادي.
في هذا الإطار دعا الرئيس الإيراني إلى إنشاء (تحالف الأمل)، ومبادرة (هرمز للسلام)، مبيناً أن الهدف منها هو "تعزيز السلام والاستقرار والتقدّم والرفاهيَّة لجميع سكان منطقة مضيق هرمز، وتعزيز التفاهم المتبادل والسلمي، وإقامة علاقات وديَّة بينهم في مجالات الطاقة والأمن وحريَّة الملاحة والنقل الحر للنفط وغيرها من الموارد من وإلى مضيق هرمز وبعده"، استناداً إلى مبادئ الامتثال لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة والاحترام المتبادل والحوار فيما يتعلق بالسلامة الإقليميَّة والسيادة وحرمة الحدود الدوليَّة وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخليَّة.
هنا يُلاحظ أن مبادرة روحاني في الأمم المتحدة لم تأتِ بجديد، فقد سبق أن دعا رؤساء إيران السابقون مثل رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد وحتى وزير الخارجيَّة جواد ظريف إلى المضمون نفسه الذي احتوته مبادرة (تحالف الأمل) الأخيرة، بل إنها تشابهت مع دعوة ظريف في مايو (أيار) 2019 لتوقيع "اتفاق عدم اعتداء" بين إيران ودول الخليج.
إذن، فالمبادئ الحسنة للسلام والاستقرار والجوار تضمّنتها الدعوات الإيرانيَّة، لكن رغم ذلك لم ترسل إيران أي تطمينات أو اتخذت إجراءات بناء ثقة تجعل دول الخليج تفكّر في سيناريوهات مبدئيَّة للحوار، بل على العكس تزداد الاعتداءات على المصالح الحيويَّة لدول المنطقة، لذا يمكن القول إن الهدف من الدعوات الإيرانيَّة يكمن في تحقيق الاندماج الاقتصادي مع دول الخليج بما يحقق الاستفادة الاقتصاديَّة لإيران، لكن من الصعوبة تحقيق ذلك على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة.
وبالنظر إلى المبادرات المطروحة نجد أنها تستهدف بالأساس إيجاد شرعيَّة للسلوك الإيراني، انطلاقاً من التعاون الاقتصادي وانفتاح العلاقات بينها وبين دول المنطقة. أي تعمل إيران على التلاعب بتفضيلات وخيارات الآخرين عبر إقناعهم بتأسيس نظام يحقق المنافع العامة للجميع.