تراجعت أسعار النفط في تعاملات اليوم الجمعة، بعد بيانات اقتصادية جديدة من الصين أنعشت المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي، بينما انحسرت المخاوف بشأن حدوث تعطيلات كبيرة للإمدادات بعد تعافٍ أسرع من المتوقع لإنتاج النفط الخام السعودي.
في الوقت نفسه، خفّضت وكالة الطاقة الدولية من توقعاتها للطلب العالمي على النفط حتى نهاية 2020، وذلك بدعم التوقعات السلبية الخاصة بمستقبل النمو العالمي، في ظل الحروب التجارية التي يشعلها الرئيس الأميركي، سواء مع الصين أو بعض دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي، والتي بالفعل أصبحت تهدّد إمدادات الطاقة العالمية.
تراجع أرباح الشركات الصناعية في الصين يضغط بشدة
إدوارد مويا، كبير محللي السوق لدى "أواندا"، قال إن أسعار النفط تواصل التراجع بعد انخفاض أرباح الشركات الصناعية في الصين في أغسطس (آب)، مما يعزّز المخاوف من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يواصل التباطؤ.
وأعلنت الشركات الصناعية الصينية عن انكماش الأرباح في أغسطس (آب)، لتخالف ارتفاعا لفترة وجيزة حققته في الشهر السابق، في الوقت الذي يضغط فيه ضعف الطلب المحلي والحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية على ميزانيات الشركات.
وهبطت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 49 سنتا أو 0.86 بالمئة، مقارنة مع مستوى الإغلاق السابق إلى 62.19 دولار للبرميل. ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 23 سنتا أو 0.4 بالمئة إلى 56.14 دولار للبرميل.
ويقول محللون، وفقاً لوكالة "رويترز"، إن العودة السريعة لإنتاج النفط في السعودية، أكبر مُصدر للخام في العالم، بعد أقل من أسبوعين على هجمات 14 سبتمبر (أيلول) محت أيضا علاوات المخاطر ودفعت أسعار الخام للانخفاض.
والعقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط منخفضة 3.3 بالمئة منذ بداية الأسبوع، لتتكبد بذلك خسائر أسبوعية للأسبوع العاشر على التوالي، بينما برنت منخفض 3.2 بالمئة في الأسبوع مسجلا أكبر خسارة أسبوعية في سبعة أسابيع.
وتتعرض الأسعار لضغوط أيضا جرّاء زيادة مفاجئة قدرها 2.4 مليون برميل في مخزونات النفط الخام الأميركية الأسبوع الماضي.
ويقول محللون إن المخزونات الأميركية ربما ترتفع أكثر في الأجل القريب، مما يعزز الضغط على الأسعار، إذ تخفّض المصافي الأميركية معدلات التشغيل بسبب إجراء أعمال صيانة.
وكالة الطاقة تواصل خفض توقعاتها لنمو الطلب
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق متصل، قال فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، إن الوكالة قد تخفّض تقديراتها لنمو الطلب على النفط العالمي لعامي 2019 و2020 إذا زاد تراجع الاقتصاد العالمي.
وفي أغسطس (آب) الماضي، خفضت الوكالة توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لعامي 2019 و2020 إلى 1.1 مليون و1.3 مليون برميل يوميا على الترتيب، في الوقت الذي تضغط فيه مخاوف التجارة على استهلاك الخام العالمي، مما يسفر عن نمو الطلب بأبطأ وتيرة منذ الأزمة المالية في 2008.
وقال رئيس وكالة الطاقة، في تصريحات على هامش منتدى في سول "سيعتمد الأمر على الاقتصاد العالمي، إذ وهن الاقتصاد العالمي، وهو ما توجد بالفعل بعض المؤشرات عليه، ربما نخفّض توقعات الطلب على النفط".
هل يتحول الارتفاع الكبير في الإنتاج الأميركي إلى "كارثة"؟
تقرير حديث أشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت قادرة على غمر العالم بالنفط على مدار العقد المقبل، وهو ما سيكون بمثابة كارثة بالنسبة إلى جهود العالم الرامية لمعالجة تغير المناخ.
ووفقاً لتحليل نشره موقع "أويل برايس"، فإن الولايات المتحدة على أعتاب أن تستحوذ على 61 بالمئة من كل الإنتاج الجديد للنفط والغاز حول العالم وذلك على مدار العقد المقبل.
وتقول منظمة "غلوبال ووتنس"، في تقرير حديث، إنه لتجنب الآثار الأسوأ من تغير المناخ "فإنه لا يجب حفر أي حقول جديدة للنفط والغاز في أي مكان في العالم"، ولكن ذلك سيؤدي سريعاً بالطبع إلى عجز عالمي، حيث يواصل العالم استهلاك 100 مليون برميل يومياً من النفط.
وأشار التقرير إلى أن صناعة النفط لا تتباطأ في الولايات المتحدة بالرغم من تخفيضات الإنفاق الأخيرة من جانب شركات النفط والغاز المستقلة، وتلك التي تمرّ بضائقة مالية على السواء.
وعلى العكس، تعزيز العمل في حقل برميان وحقول النفط الأخرى بواسطة منتجي النفط الكبار يؤكد على نحو متزايد أن الحفر سيستمر بوتيرة ثابتة على مدار سنوات مقبلة.
مشاريع نفطية بحرية جديدة بـ123 مليار دولار
فيما أشار تقرير صادر عن "ريستد إنيرجي"، إلى أن الأمر لا يعني أن الإنتاج النفطي يتباطأ في باقي أنحاء العالم أيضا، وتستعد صناعة النفط العالمية لمنح الضوء الأخضر لمشاريع نفطية بحرية جديدة بقيمة 123 مليار دولار في العام الحالي، وهو مستوى أعلى بنحو الضعف، بقيمة 69 مليار دولار، عن المشاريع المنفذة في العام الماضي.
وفي الواقع، في حين أن الحفر الصخري تباطأ قليلاً في العام الماضي وسط تشكك المستثمرين وانخفاض العوائد المالية، فإن وتيرة المشاريع البحرية بدأت تتسارع. ولكن هذا الاتجاه قد يتضح في النهاية أنه مجرد أمر عابر، فالولايات المتحدة لا يزال من المتوقع أن تشكل معظم أعمال الحفر الجديدة والغالبية العظمى للإنتاج الجديد، ومعظم ذلك سيكون مصدره النفط الصخري.
وتعدّ الولايات المتحدة بالفعل أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي على السواء، وتسارعت تلك الوتيرة في السنوات الأخيرة، ففي عام 2018 زاد الإنتاج الأميركي من النفط والغاز بنحو 16 و12 بالمئة على الترتيب.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن إنتاج الولايات المتحدة من الغاز تجاوز نظيره الروسي في 2011، كما أنها تجاوزت إنتاج السعودية من النفط في العام الماضي.
الإنتاج الأميركي يتجاوز "الكندي" بـ8 مرات
وبالنظر للمستقبل، فإن الإنتاج الجديد من الولايات المتحدة سيكون أعلى بنحو 8 مرات عن أكبر مصدر تالٍ لنمو إنتاج النفط، وهي كندا. ووفقا لـ"غلوبال ووتنس" فإن إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز سيكون أكبر بنحو 1.5 مرة من إنتاج باقي دول العالم مجتمعة.
ولكن لأن العديد من منصات الحفر الأميركية تتركز في مناطق قليلة، فإن بعض الولايات الأميركية ستتمكن من تجاوز إنتاج الإمدادات العالمية. وإذا كانت ولاية تكساس الأميركية دولة مستقلة بذاتها فإنها كانت ستشكل معظم إنتاج النفط والغاز الجديد في العالم، وبين عامي 2020 و2029 ستشكل تكساس نحو 28 بالمئة من إجمالي الإنتاج الجديد الذي سيضاف عالمياً.
أما كندا وبنسلفانيا فيحلان في المرتبة الثانية والثالثة برصيد 7 بالمئة لكل منهما، ثم تأتي نيومكسيكو بنسبة 5 بالمئة من النمو، فيما تحلّ داكوتا الشمالية في المرتبة الرابعة عند نسبة 4 بالمئة. فيما تستحوذ كل من أوكلاهوما والبرازيل وكولورادو وروسيا وأوهايو على نسبة 3 بالمئة.
التقرير أشار إلى أنه سيكون هناك 7 من ضمن أكبر 10 مصادر للإنتاج الجديد من النفط والغاز الطبيعي حول العالم على مدار العقد المقبل ولايات أميركية.
ويؤكد تقرير "غلوبال ووتنس" على أنه في حالة عدم تغير مجريات الأمور فإنه بنهاية العقد المقبل ستنتج حقول النفط والغاز الجديدة في الولايات المتحدة مرتين أكثر من إنتاج السعودية اليوم.
ويمثل هذا التطور تحديا ضخما، و"لتجنب التأثيرات الأسوأ لتغير المناخ فإن إنتاج النفط والغاز الطبيعي سيكون بحاجة إلى أن ينخفض بنحو 40 بالمئة على مدار العقد المقبل، ولكنه بدلاً من أن ينخفض فإن الإنتاج الأمريكي سيرتفع بنحو 25 بالمئة مدفوعاً بالتوسع في الحقول الجديدة".
مخزونات الغاز الأميركي تتجاوز تقديرات المحللين
في السياق ذاته، ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأميركية بأكثر من تقديرات المحللين خلال الأسبوع الماضي.
وأعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية زيادة مخزونات الغاز الطبيعي بنحو 102 مليار قدم مكعبة خلال الأسبوع المنتهي في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي، لتسجل 3205 مليارات قدم مكعبة. وكان من المتوقع أن ترتفع مخزونات الغاز الطبيعي الأميركية بمقدار 90 مليار قدم مكعبة خلال الأسبوع المنصرم.
كما ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بنحو 444 مليار قدم مكعبة خلال الأسبوع الماضي على أساس سنوي.
وفي تعاملات مبكرة من صباح الجمعة انخفض سعر العقود الآجلة للغاز الطبيعي تسليم أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بنحو 0.9 بالمئة إلى 2.48 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.