Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا بعد الانتخابات ملاذ اقتصادي آمن في عالم مضطرب

لعل ريشي سوناك تعرض لخسارة فادحة في الانتخابات، لكنه ترك خلفه اقتصاداً تعافى من جائحة "كوفيد-19" وعاد أقوى مما كان عليه مقارنة بأية دولة أوروبية أخرى. فهل سيساعد الاستقرار الذي وعد به كير ستارمر الاقتصاد البريطاني على تجاوز محنته نحو الازدهار؟

انتصار سير كير ستارمر الساحق يعزز جو الاستقرار بالنسبة إلى المستثمرين (غيتي)

 

ملخص

الاقتصاد البريطاني يستقبل نتائج الانتخابات بإيجابية وجو الاستثمارات الدولية يبدو مستقراً. فهل يدوم هذا النعيم؟

لا مجال للشك أبداً، فنتائج الانتخابات البريطانية انعكست إيجاباً على الأسواق. وقد يبدو الأمر مستغرباً للوهلة الأولى، ففي النهاية ستكون الحكومة "عمالية" بغالبيتها الساحقة، وهو حزب معروف عنه أنه لا يدعم الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال الذين يسعون إلى تحقيق الأرباح. فإن كان من سبب وجيه لانهيار الجنيه الاسترليني، فكان ليكون هذا الفوز بالتأكيد.

غير أن الواقع خالف التوقعات، فمع إعلان نتائج مسح اقتراع الناخبين (أي عدد أصوات الناخبين فور خروجهم من مراكز الاقتراع) التي أنبأت بفوز حزب العمال حافظ الجنيه الاسترليني على استقراره، ولم يتغير مقابل الدولار واليورو. وبالمثل لم يتوقع أحد انهيار سوق الأسهم، حتى إن السندات حافظت على ثباتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعبارة أخرى تنفس المستثمرون الصعداء، وأسهم حجم فوز حزب العمال في هذا الصدد. فلو أتت النتائج متقاربة أكثر لما كانت أفضت سوى إلى جولة اقتراع أخرى واضطرابات سياسية، كانت ستؤدي إلى تقلبات في السوق.

فالحال أن حجم انتصار سير كير ستارمر أضفى جواً من اليقين. ففي عالم يموج بالاضطرابات والحروب والكوارث الطبيعية بسبب التغير المناخي وصعود اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا، وانتخابات أميركية مشحونة بالتوتر نظراً إلى تقارب التوقعات بالفوز التي قد تشهد تغيراً في المتنافسين في السباق الرئاسي ما قد ينجم عنه انقسام شعبي، تبرز المملكة المتحدة نموذجاً للاستقرار والهدوء.

لم تعد بريطانيا مصدر قلق بعد الآن، بل تحولت إلى اقتصاد يجتذب كل من يبحث عن ملاذ آمن لأمواله.

وفي التفاصيل عاد الجنيه الاسترليني إلى المستويات التي كان عليها عام 2016 عندما صوتت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما عكس ثقة المتداولين والمستثمرين بأن فترة الاضطرابات السياسية وتوالي رؤساء الوزراء انتهت.

وللمفرقة، يسهم الوضع المالي العام المتأزم في تعزيز هذا الاستقرار، إذ ثمة شعور بأن ستارمر لن يتخذ أية إجراءات مالية جذرية متسرعة. فيداه مكبلتان، إلا أنه من غير المتوقع أن يفرض زيادات كبيرة في الضرائب على الأفراد أو الشركات. وهذا ما أكده هو ووزيرة الخزانة الجديدة راشيل ريفز في لقاءات متكررة مع مسؤولي الإدارات المحلية وأفراد المجتمع.

لا عودة لأيام الرعب الذي ساد على عهد ليز تراس القصير. ويمكن أن تهدأ أسواق السندات. ستارمر وريفز أكدا أن جميع الإجراءات ستكون مدعومة بتمويل سليم. فهذا الشعور بالاستقرار المتجسد في شخصية ستارمر الهادئة إلى جانب توقعات خفض أسعار الفائدة مع تراجع التضخم، من المتوقع أن يدعم نمواً اقتصادياً متيناً خلال العام المقبل.

وفي حين أن الوضع الحالي لا يشبه تماماً عام 1997 الذي شهد انتخاب رئيس وزراء شاب ومهيب، إلا أن المحللين يتحدثون عن تكرار محتمل لهذا السيناريو. يقول كبير مسؤولي الاستثمار في "مارتن كوري" مايكل براون "تشير الخلفية الاقتصادية للمملكة المتحدة إلى أن سيناريو 1997 قد يتكرر. فقد أدى النمو الحقيقي في الأجور والتوظيف الكامل إلى قلب التوقعات السلبية رأساً على عقب، والاقتصاد البريطاني يسير على طريق النمو". ويضيف "قد تكون زيادة قوة الجنيه الاسترليني حدثاً تاريخياً. لقد شهدنا هذا السيناريو عام 1997 عندما دعمت قوة العملة وانخفاض عائدات السندات نظرة إيجابية إلى الأسهم البريطانية".

لعل ريشي سوناك تعرض لخسارة فادحة في الانتخابات، لكنه ترك خلفه اقتصاداً تعافى من جائحة "كوفيد-19" وعاد أقوى مما كان عليه مقارنة بأية دولة أوروبية أخرى. لا، بل إن بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي يتوقع فيها جميع قطاعات الخدمات والصناعة والبناء ازدهاراً.

وأشار المحلل في شركة "دايمنشن تكنولوجيز" المتخصصة في التحليلات التوقعية ومنتجات إدارة الأخطار مات بوركيت إلى أن الحكومة العمالية التي حكمت بريطانيا بين عامي 1997 و2010 خفضت الضرائب بصورة فعلية على عكس المتداول. وأضاف أن الزيادة الطفيفة في الدين الوطني خلال تلك الفترة كانت مرتبطة بالتضخم في حين أن حزب المحافظين أهدر المالية العامة بصورة أسرع وأكبر.

وشدد بوركيت على عدد الشركات الناشئة قائلاً "الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة هي المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي في بريطانيا، بغض النظر عن تأثيرات ’بريكست‘". وأشار إلى أن "هذه الشركات تتمتع بمرونة وقدرة أكبر على النمو والتوسع وزيادة عدد الموظفين مقارنة بالشركات الكبرى، لذا يجب أن نتجاهل مؤشر فوتسي والسندات ونركز على كيفية تأثر شركاتنا الصغيرة بتداعيات ’بريكست‘ والإجراءات الحكومية. إذا كنت تريد أن تعرف مدى فاعلية ريادة الأعمال كمحرك للنمو المستقبلي، انظر إلى أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية". وأشار إلى أنها حققت أداءً جيداً في ظل كل من الحكومات العمالية والمحافظة وأن الشركات مستعدة للاستفادة من النشاط الاقتصادي المتزايد في المملكة المتحدة.

عندما يستقر حزب العمال في السلطة وتدخل بريطانيا فترة من الاستقرار الاقتصادي ماذا سيحدث بعد ذلك؟

في وقت لاحق من هذا العام من المتوقع أن يبدأ زعيم حزب العمال كير ستارمر في إظهار قوته وتنفيذ أجندة التغيير التي انتخب من أجلها. ومع ذلك من المرجح أن يكون هذا التغيير تدريجاً وحذراً. وتشير التوقعات إلى أن ستارمر سيبدأ بإعادة توازن النظام الضريبي مع التركيز على فرض ضرائب غير متوقعة على شركات الطاقة والمرافق العامة، إضافة إلى فرض ضريبة القيمة المضافة على المدارس الخاصة.

ومن المتوقع ألا تثير هذه الإجراءات قلق ومخاوف المستثمرين الدوليين، كما أنها لن تثير رد فعل شعبياً غاضباً، إذ يعد المستهلكون أن شركات الطاقة والمرافق العامة التي تسعى إلى تحقيق أرباح طائلة وتتسبب في تلوث المياه يجب أن تدفع ضرائب منذ فترة طويلة، كما أن فرض ضريبة القيمة المضافة على المدارس الخاصة لن يؤثر إلا في شريحة صغيرة من المجتمع، وهناك حجة أخلاقية قوية لدعم هذا الإجراء، إذ لا يمكن اعتبار التعليم الخاص قطاعاً خيرياً.

والأهم من ذلك، إذا وفى ستارمر بوعده سيتمسك بموقفه الحيادي مالياً، مما سيواصل طمأنة أسواق السندات، فهو لن يتلاعب بالمال العام وجيوب المواطنين. ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد نمواً قوياً. فبين عامي 2010 و2019 بلغ متوسط النمو اثنين في المئة في حين أن من المرجح أن يستقر عند هذه النسبة في الأقل حتى تستقر أسعار الطاقة وتنخفض. أما بالنسبة للوقود الأرخص وأسعار الفائدة المنخفضة فمن المتوقع أن يتحقق ذلك عام 2025. فالجنيه الاسترليني في وضع جيد، والمملكة المتحدة مستعدة للاستفادة، بخاصة الآن وقد أصبحت فرنسا على شفا أزمة.

ويذكر أن أنصار حزب العمال هللوا عام 1997 بأغنية "الأمور لا يمكن إلا أن تتحسن"، وتردد صداها مجدداً خلال إعلان انتخاب سوناك، إذ رفع أحد المتظاهرين مكبر صوت مردداً كلمات الأغنية. فهل اقترب تحقيق هذا الوعد؟ أم أن هناك مفاجآت في الطريق؟

© The Independent

اقرأ المزيد