ملخص
احتفل أنصار اليسار الفرنسي أمس الأحد بانتصار نسبي أتى مفاجئاً لهم في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة بينما حل حزب الرئيس ماكرون ثانياً وتبعه حزب التجمع الوطني من أقصى اليمين الذي حقق أفضل نتيجة في تاريخه.
فاجأت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية أنصار حزب "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبن وجوردان بارديلا بفوز "الجبهة الشعبية الجديدة" (تحالف اليسار) على رغم توقع استطلاعات الرأي الأخيرة التي كانت تشير إلى حصول "التجمع الوطني" (أقصى اليمين) على غالبية نسبية في الجمعية الوطنية.
وجاءت النتائج متباينة مع التوقعات إذ حصل "التجمع الوطني" على أقل عدد من المقاعد مقارنة بـ"الجبهة الشعبية الجديدة" والحزب الرئاسي (حزب ماكرون).
وحلت "الجبهة الشعبية الجديدة" في المركز الأول حاصدة 182 مقعداً، متبوعة بالمعسكر الرئاسي الذي حصل على 168 مقعداً، في حين حل "التجمع الوطني" في المركز الثالث، واستقر على 143 مقعداً. بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية اليوم الإثنين.
وكان حزب "التجمع الوطني" تصدر الجولة الأولى من الاقتراع بنسبة 29.26 في المئة من الأصوات، تلاه تكتل اليسار بنسبة 28.06 في المئة، وحل معسكر ماكرون في المركز الثالث بنسبة 20.04 في المئة.
احتفالات وتوترات محدودة ليلاً
وبعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، برزت مشاهد الاحتفالات في أنحاء البلاد، إذ احتفى أنصار اليسار بفوز "الجبهة الشعبية الجديدة". وتجمع الآلاف في شوارع باريس وليون ومارسيليا للتعبير عن فرحهم.
في باريس شهدت "ساحة الجمهورية" تجمعاً جماهيرياً كبيراً للاحتفال بنجاح "الجبهة الشعبية الجديدة". وكان هذا التجمع دُعي له أساساً لدعم القضية الفلسطينية، إذ ارتفعت الأعلام الفرنسية وأعلام فلسطين والمغرب، إلى جانب أعلام "الجبهة الوطنية" (إكستنكشن ريبيليون)، و"العمل ضد الفاشية".
واجتمع الناس في ساحة بيلكور في ليون للاحتفال بالنتائج، إذ تبادلوا التهاني على أنغام الأغاني وأصوات الفرح والرقصات تعبيراً عن الفرح بالتغيير السياسي المفاجئ.
وعلى رغم سلمية معظم المسيرات فإنه نشبت بعض حالات الشغب في وقت متأخر من الليل، بينما شهدت فرنسا أكثر من 50 مسيرة مساء أمس الأحد وفقاً لوزارة الداخلية.
وفي العاصمة باريس شهدت المسيرات تجمع قرابة 11 ألف شخص (8 آلاف في ساحة الجمهورية و3 آلاف في ساحة باتاي دو ستالينغراد). وعلى رغم سلمية معظم المسيرات فإنه حدثت بعض حالات الشغب، إذ تجمعت مجموعات من الأفراد الملثمين والمقنعين ودخلوا في مواجهات مع الشرطة في وقت متأخر من المساء إذ تصادمت مجموعات مقنعة مع الشرطة. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع واعتقلت 14 شخصاً، وأصيب 13 شرطياً بجروح، بينما نقل متظاهر واحد فاقداً للوعي بواسطة فرق الإطفاء، وهو ما يعكس تباين المشاعر في الشارع الفرنسي بين التفاؤل بالتغيير السياسي والتوترات المستمرة، مما يجعل المرحلة المقبلة في المشهد السياسي الفرنسي محط اهتمام محلي ودولي واسع.
نتائج مفاجئة
رغم خيبة الأمل الكبيرة بين ناخبي "التجمع الوطني" فإنه حقق أفضل نتيجة له على الإطلاق في الانتخابات التشريعية. ووفقاً لأحدث التقديرات حصل حزب أقصى اليمين بالتعاون مع حلفائه على 143 مقعداً، مقارنة مع ثمانية مقاعد في عام 2017 و89 مقعداً في عام 2022. ودافعت مارين لوبن عن هذا الإنجاز، مشيرة إلى أن "المد يرتفع"، معتبرة أن خبرتها ستمكنها من التعامل مع أي خيبة أمل بسبب عدم ارتفاع عدد نواب حزبها كما يجب.
من جهة أخرى أعرب أحد نشطاء "التجمع الوطني" عن استيائه قائلاً "للأسف، لم ينتصر العقل هذا المساء بل انتصرت العواطف علينا".
وانتقد رئيس الحزب جوردان بارديلا "تحالف العار" (بين تحالف اليسار وحزب ماكرون)، الذي وصفه بأنه حرم الفرنسيين من "سياسة إنعاش". وأكد بارديلا أن "حزب التجمع الوطني يمثل البديل الوحيد المتاح في الوقت الحالي"، متعهداً بأن الحزب لن ينزلق نحو "أي تسوية سياسية ضيقة".
من ناحية أخرى فوجئ ناخبو اليسار بتصدرهم الانتخابات، إذ احتفلوا بصورة ملحوظة في شوارع باريس عند إعلان النتائج. وقال أحد النشطاء اليساريين "لم أتوقع الفوز، لقد اعتقدت حقاً أننا في طريقنا إلى الجحيم".
الانتخابات البرلمانية تعقد المشهد
وتثار تساؤلات حول ما ستحمله المرحلة المقبلة في المشهد السياسي الفرنسي، خصوصاً وأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فستدخل فرنسا في مرحلة معقدة، إذ ينص الدستور على أن ماكرون لا يمكنه الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة قبل مرور 12 شهراً. وينص الدستور أيضاً على أن يختار ماكرون من سيشكل الحكومة، ولكن أياً كان من سيختاره فسيواجه تصويتاً على الثقة في الجمعية الوطنية. وربما يحاول ماكرون إبعاد الاشتراكيين والخضر عن الائتلاف اليساري لتشكيل "ائتلاف يسار الوسط" مع كتلته ولكن لا توجد دلائل تشير إلى تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة.
كما ترجح سيناريوهات أخرى تتعلق باتفاق القوى السياسية الرئيسة على تشكيل حكومة تكنوقراط تدير الشؤون اليومية ولكنها لا تشرف على التغييرات الهيكلية، وهو ما سيتطلب دعم البرلمان على غرار النموذج الإيطالي، مع الاستعداد لمرحلة طويلة من الانتظار حتى يتم التوصل إلى اتفاق واسع بين الأطراف السياسية المختلفة لاختيار رئيس الوزراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ردود واستقالة
وقدم رئيس الحكومة غابرييل أتال استقالته اليوم الإثنين عقب صدور نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدت تراجع المعسكر السياسي الداعم لماكرون، مما أدى إلى فقدان دوره كأقوى تحالف في البلاد لصالح اليسار في البرلمان. إلا أنه وعلى نحو غير متوقع، رفض الرئيس الفرنسي طلب استقالة أتال، مؤكداً بقاءه في منصبه "في الوقت الحالي" لضمان استقرار البلاد، وفقاً لبيان صدر عن قصر الإليزيه.
وأفاد البيان بأن رئيس الجمهورية استقبل أتال في الساعة 11:15 صباحاً و"شكره على الحملات الانتخابية الأوروبية والتشريعية التي قادها".
من جهته أكد أتال أنه سيبقى في المنصب "طالما يستدعي الواجب ذلك". وأعلنت رئاسة الجمهورية أن ماكرون سينتظر حتى يتضح "هيكل الغالبية الجديدة" قبل اتخاذ قرار في شأن الأفراد الذين ستتم دعوتهم للانضمام إلى الحكومة.
أما بخصوص تحليل نتائج الانتخابات التشريعية، فدعا الرئيس الفرنسي إلى "توخي الحذر"، معتبراً أن كتلة الوسط لا تزال "حية جداً" بعد أعوام طويلة في السلطة، وفقاً لمصادر مقربة منه مساء الأحد.
أما زعيم حزب "فرنسا الأبية" (يسار)، جان لوك ميلانشون اليساري الراديكالي الفرنسي، فعبر عن رأيه في شأن نتائج الانتخابات، داعياً رئيس الوزراء إلى "المغادرة"، ومؤكداً ضرورة أن تكون "الجبهة الشعبية الجديدة" الجهة الحاكمة في البلاد. وأضاف ميلانشون أن "شعبنا أطاح بأسوأ الحلول وينبغي على ماكرون أن يعترف بالهزيمة". وأبدى ميلانشون استبعاده لأي مفاوضات في شأن الاندماج مع معسكر ماكرون. وأضاف "سنبقى جاهزين لتحمل المسؤولية السياسية، ونريد السلطة لقيادة البلاد نحو النهضة".
ويعتزم اليسار تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء "خلال هذا الأسبوع". وصرح أوليفييه فور الأمين العام للحزب الاشتراكي صباح اليوم بأن الاختيار سيتم "هذا الأسبوع"، إما بالتوافق أو من طريق التصويت. وشاركت شخصيات يسارية عدة بما في ذلك يانيك جادو وساندرين روسو في هذا المقترح.
من جهة أخرى أشارت النائبة البرلمانية عن "الجبهة الشعبية الجديدة" مانون أوبري إلى احتمال أن يعين رئيس الوزراء من صفوف الجبهة عينها، مشددة على أهمية الحفاظ على وحدتها والتوافق بين مكوناتها في التعيين.
ويتعين على الأحزاب أو التحالفات أن تصل إلى 289 نائباً للحصول على الغالبية المطلقة في البرلمان المكون من 577 مقعداً.
وأمام ما سبق وبعد الجولة الثانية المفاجئة من الانتخابات التشريعية، إذ فازت الكتلة اليسارية بالغالبية ولكن بفارق بعيد من تحقيق الغالبية المطلقة، يبقى السؤال حول من سيحكم فرنسا، وما هي الخطوات التالية المتوقعة في أعقاب هذه الانتخابات، وهل ستنتقل البلاد إلى مرحلة من انسداد الطريق؟