ملخص
جرى تراشق واتهامات بين طرفي الحرب في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، في شأن استخدام الغذاء بهدف تجنيد عناصر جدد للقتال.
وسط قلق أمني وإقليمي وتواصل التحذيرات في شأن استخدام الغذاء كسلاح في حرب السودان، يتبادل طرفا الحرب السودانية الاتهامات في هذا الشأن على رغم توقيعهما اتفاقاً لضمان إيصال الدعم الإنساني للمتضررين من الحرب عبر "منبر جدة" في الـ 11 من مايو (أيار) 2023.
ومنذ اندلاع الحرب قبل 15 شهراً ظلت قضية حجب واستغلال المساعدات الإنسانية محل شد وجذب وتناكف بين الطرفين، لكن الاتهامات أخذت منحى جديداً باستخدام المساعدات الغذائية واستغلال الطعام في عمليات الترهيب والترغيب وكسب الولاءات وتجنيد الشباب، بخاصة عبر قوات الدعم السريع، لمواجهة عمليات الاستنفار وسط الشباب التي يقوم بها الجيش في إطار المقاومة الشعبية.
وقائع وشهود
ومع تمدد الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، وجد شبان كثر في عدد من المدن والقرى أنفسهم أمام خيار الانضمام إلى تلك القوات في مقابل توفير الغذاء والدواء والحماية، في عرض غير قابل للرفض ودونه مواجهة مصير مجهول وربما القتل أو الاحتجاز في ظروف قاسية.
وذكرت مصادر متابعة أن قوات الدعم السريع جمعت مطلع هذا الأسبوع كل المواد الغذائية من مخازن التجار وبيوت المواطنين في غرب محلية الدندر وشرقها وعاصمتها، مدينة الدندر نفسها، ووزعتها على الأفراد والأسر بعد تسجيل أسمائهم في مقابل حمل السلاح والتعاون معها، مهددة كل من يرفض ذلك بالضرب والإهانة والإذلال وأحياناً القتل.
وأضافت المصادر أن تلك القوات لا تزال تواصل الانتهاكات والنهب، إذ جمعت كل الجرارات الزراعية إلى جانب كل البذور والأسمدة والمبيدات من مخازن المزارعين.
وتابعت أن "قوات الدعم السريع استمرت في ترحيل المحاصيل الزراعية من سمسم وذرة إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة".
وفي ولاية الخرطوم أفاد عدد من أولياء الأمور أن بعض الأسر تعرضت إلى ضغوط وإغراءات بالمال والمواد التموينية والتهديد لتجنيد أبنائها الذكور، وبينهم أطفال قُصر في صفوف "الدعم السريع".
تواصل التجنيد
وفي منطقة أبو سعد المربعات بغرب أم درمان، أفاد مواطنون بأنهم فوجئوا بعدد مقدر من شباب الأحياء يرتدون زي "الدعم السريع" ويحملون بنادق كلاشينكوف، وقد أجبر بعضهم على التجنيد في صفوفها في مقابل المال أو الغذاء وتسهيلات أخرى، منها توفير الحماية لمنازلهم وأسرهم.
وفي مناطق الصالحة بالريف الجنوبي لمدينة أم درمان التي لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر عليها، لاحظ مواطنون زيادة كبيرة في أعداد اليافعين الذين يرتدون زيه العسكري ويتجولون به في أسواق المنطقة.
وذكرت "لجان مقاومة منطقة الصالحة" أن قوات الدعم السريع نفذت نهاية الأسبوع الماضي عمليات تجنيد قسري للأطفال في معسكر صالحة جنوب غرب أم درمان في مقابل المال، وتم تدريب بعضهم داخل الأحياء نفسها وتوزيع كميات من زي "الدعم السريع" عليهم، وذلك بغرض الدفع بهم للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الجيش هناك.
تهديدات وإغراءات
وفي ولاية الجزيرة كشفت مصادر أهلية عن تهديدات يومية متكررة من "الدعم السريع" لمواطني قرى شرق مدينة ود مدني، تخيرهم فيها بين تجنيد أبنائهم في صفوفها أو إخلاء قراهم بشكل فوري، أو التعرض للقتل رمياً بالرصاص.
وأكدت المصادر عينها أن تلك القوات ومنذ دخولها الولاية في سبتمبر (أيلول) 2023 ظلت تطلب من الشباب في المدن والقرى التي تدخلها الانضمام إلى صفوفها، بحجة تكوين كتائب لحماية مناطقهم، بل عمدت إلى الضغط عليهم لإجبارهم قسراً على الدخول في صفوفها عبر حجب الإمدادات الغذائية والدوائية عن قراهم وأهلهم.
ولجأت "الدعم السريع" في بعض مناطق سيطرتها إلى إبرام اتفاقات مع بعض رجال الإدارة الأهلية لضمان عدم المساس بأمن مناطق هؤلاء، في مقابل التعاون مع تلك القوات في تجنيد شباب في صفوفها، وتسهيل حركة المواطنين والسلع والبضائع في مناطقهم.
وفي المقابل وفي معرض دفاعها عن نفسها رفضت قوات الدعم السريع تلك المزاعم، مجددة اتهامها للجيش بحرمان المواطنين من الغذاء والدواء والرواتب في مناطق سيطرتها.
وأشارت في منشور عبر حسابها في منصة "إكس" أن مواطني منطقة القطينة بولاية النيل الأبيض يتعرضون للحرمان من الغذاء والدواء، وذكرت أنها اجتمعت مع أعيان القطينة لحل مشكلات الخدمات هناك.
اتهامات ودفاع
وكان خبراء في الأمم المتحدة حذروا من أن الجيش وقوات الدعم السريع يستخدمان الغذاء كسلاح حرب ويتسببان في تجويع المدنيين، في وقت تواجه البلاد خطر مجاعة واسعة النطاق خلال الأشهر المقبلة بسبب إعاقة دخول المساعدات وتعطيل موسم الحصاد.
لكن الجيش نفى من جانبه تلك الاتهامات معتبراً أنها "باطلة وغير مقبولة"،
وتطرق المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله إلى اتهامات الجيش بتجويع المدنيين، مشيراً إلى أن "الوقائع على الأرض تكذب كل تلك الادعاءات، بدليل نزوح المواطنين إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش بحثاً عن الأمان"، ومتهماً قوات الدعم السريع "بسرقة المساعدات الإنسانية التي وافق عليها الجيش وسهّل مرورها عبر المنافذ والمعابر المختلفة".
وكانت شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية نقلت في تقرير سابق لها عن شهود أن قوات الدعم السريع نجحت في التجنيد القسري لـ 700 رجل و65 طفلاً في ولاية الجزيرة وحدها خلال الأشهر الماضية، بعدما وضعتهم أمام خيار الانضمام إلى صفوفها أو الموت جوعاً عبر منع الإمدادات الغذائية.
من أجل الثراء
وفي السياق قال رئيس مسار وسط السودان في "اتفاق جوبا للسلام" التوم هجو إن "ظاهرة تجنيد قوات الدعم السريع القسري للشباب بولاية الجزيرة لا تتوقف عند استخدام الغذاء كوسيلة، بل هي مرتبطة بعموم الانتهاكات المستمرة التي تقوم بها حتى الآن، إذ بات واضحاً أن النهب وحصد الغنائم أمر مصرح به كحافز لجنودها من أجل القتال، لأن معظم اللذين جُندوا من أبناء المنطقة كان بغرض الثراء السريع من طريق النهب".
وتابع، "الموضوع ليس مجرد تفلت يقوم به بعضهم بل تعاقد بين الشبان وقيادة الدعم السريع للقتال معها في مقابل السماح لهم باستخدام السلاح للنهب واستباحة أية منطقة يدخلونها، بل تُستغل حتى نزواتهم ويُسمح لهم بإشباعها بالاغتصاب وغيره من الفظاعات القبيحة".
وأكد هجو أن "عمليات النهب والترويع والتهجير لا تزال مستمرة وتمثل أولوية حتى أثناء استعار المعارك، مستهدفين على نحو خاص مخازن الغلال والسيارات بشكل تجاوز مجرد التهديد بالحرمان من الغذاء للمجندين قسراً وأهاليهم".
وأشار رئيس مسار وسط السودان إلى أن "بعض المستنفرين من الشباب المحتجزين يتم تشغيلهم كحمالين للمنهوبات والذخائر، ويُجبرون كذلك على العمل كطباخين قبل أن يُصفى بعضهم، مما يشكل تجاوزات صارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحقيق مطلوب
من جانبه وصف القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) علاء الدين نقد الاتهامات لطرفي الحرب باستغلال الغذاء، ومن أي منهما للآخر، سواء كان في التجنيد أو غيره، بأنه كان يمكن أن تبت فيها لجنة تقصي الحقائق التي كُونت من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، مضيفاً "نبهنا منذ بداية الحرب إلى حقيقة أن الجيش يستخدم الغذاء ضمن أدوات الحرب منذ أن استولى على شحنة مساعدات برنامج الغذاء العالمي وحجز نصفها في بورتسودان، وأرسل النصف الآخر إلى مقر السلاح الطبي المحصن بالخرطوم، بينما تسربت المساعدات المحجوزة في بورتسودان لتُعرض للبيع في الأسواق".
لكن ما يثير الاستغراب، بحسب نقد، هو أن الجيش لم يرحب بتلك اللجنة ولم يتعاون معها، بينما رحبت "الدعم السريع" بها على رغم أنها الطرف المُتهم من الجيش نفسه بارتكاب الانتهاكات والتعدي وغيره، وهو ما يجب أن يدعو الناس إلى التفكير في مصدر وماهية وما وراء تلك الاتهامات والانتهاكات.
ورأى القيادي أن "وقف الحرب هو الطريق إلى إنهاء كل ذلك، لكن حتى في هذا يتضح أيضاً أن الجيش هو الجانب المتعنت الذي يضع العراقيل أمام التفاوض".
مذكرة للجنائية
وعلى صعيد متصل أوضحت عضو التحالف الثوري السوداني ورئيسة هيئة الدفاع عن الحقوق والحريات العامة إيمان المحامي أن طرفي الحرب لم يلتزما بحماية المدنيين كما لم يوصلا المساعدات الإنسانية للمتضررين، في مسلك يخالف الأعراف والقوانين الدولية و"اتفاق جنيف الرابع" لعام 1949 في شأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، ومخالفة البروتوكولين الملحقيْن بهذا الاتفاق.
واتهمت عبدالرحيم طرفي الحرب بعدم الالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، على رغم اتساع رقعة الصراع وزيادة عدد المتضررين وشبح المجاعة الذي يلوح في الأفق القريب.
وتابعت، "طرفا الحرب مستمران في الإضرار بالمدنيين، إذ تطرد حكومة الأمر الواقع النازحين من المدارس بحجة بدء العام الدراسي، بينما تستولي قوات الدعم السريع على مخازن مواد الإغاثة الإنسانية، ويستولي نافذون في الجيش على المساعدات التي تصل إلى البلاد".
وأوضحت عبدالرحيم أن "التحالف الثوري سبق وأشار إلى كل ذلك في مذكرته المرفوعة لمدعي المحكمة الجنائية بفشل وتعمد الطرفين عدم إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، على رغم المناشدات الكثيرة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات وتوفير الضمانات للمنظمات الإغاثية وحماية العاملين بها".
وضع مخيف
إلى ذلك وصف خبير الأمم المتحدة المعني بحال حقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر حجم انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في البلاد بأنه "مخيف للغاية"، محذراً من "الحال المؤسفة لحقوق الإنسان في السودان مع امتداد القتال إلى مناطق جديدة داخل البلاد".
وعبّر نويصر عن صدمته حيال الظروف التي أُجبر النازحون على العيش في ظلها تحت درجات حرارة عالية ووصول محدود للخدمات الأساس مثل المياه والصرف الصحي والنظافة، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية.
وفي بيان أعقب زيارته التي استغرقت خمسة أيام إلى بورتسودان والتقى خلالها مسؤولين سودانيين، أشار الخبير الأممي إلى أنه "آن الأوان بالنسبة إلى القيادة السودانية لوقف المعارك والدخول في عملية سلام شاملة"، حاضاً كل الدول التي تمتلك تأثيراً أو نفوذاً على دعم هذا الهدف والسعي إلى تحقيقه.
وبدأت الخميس الماضي، بناء على طلب مجلس الأمن، مفاوضات غير مباشرة بوساطة الأمم المتحدة بين طرفي الحرب في السودان للتوصل إلى وقف محتمل لإطلاق النار، من أجل تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين وفق الأمم المتحدة.
وتفيد تقارير أممية متواترة بأن قرابة 25 مليوناً من السودانيين يواجهون الجوع الحاد، 5 ملايين منهم على بعد خطوة واحدة من المجاعة، خصوصاً في ولايات إقليم دارفور التي تعاني نقصاً حاداً في الغذاء والدواء منذ بدء الصراع بين الجيش و"الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) 2023.