تسعى دمشق بكل ما تملك من قدرات إعلامية ودعائية، وبأذرعها الاقتصادية، إلى التواصل مع تجار ورجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال من السوريين بغية استقطابهم للعودة إلى سوريا من جديد في وقت، ما زالت البلاد ترزح تحت وطأة تداعيات الحرب.
الثقة المتعثرة
ولم تفلح كل الرسائل السياسية والاقتصادية والتحفيزية منذ نهاية العام الماضي 2018 وإلى الآن، في بث الثقة في نفوس المستثمرين وأصحاب الإيداعات المصرفية. وبحسب تقديرات منظمات مالية دولية، أكدت توزع رأس المال المهاجر في كل من الدول (تركيا والأردن ولبنان) وفي بعض الدول الخليجية مع نسبة من الاستثمارات الضئيلة في دول الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبدي دمشق بعضاً من الصمود أمام واقع اقتصادي يزداد سوءاً مع انهيار الليرة أمام القطع الأجنبي، ولم تسعف كل عمليات التدخل من مصرف سوريا المركزي المسؤول عن رسم السياسة المالية النقدية في البلاد في إحداث تغيير إيجابي، ومع كل الأساليب والفرص من إنشاء معارض تجارية ولا سيما معرض دمشق الدولي، وفشل في استقطاب رأس المال الأجنبي.
وعلى الرغم من كل هذا الفشل الاقتصادي، يرى خبراء اقتصاديون أن السبب يرتبط بمسارات سياسية واقتصادية معاً، فالحل السياسي هو الذي سيرسم ملامح عودة النشاط الاقتصادي وينعكس إيجاباً على البلاد، ما لم يحدث بعد.
تعديلات ولكن...
من جهته، أفصح مصدر مطلع في مجلس الشعب السوري أن النظام السوري عازم على تعديل بعض التشريعات بما يتناسب مع الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد، لا سيما مع تداعيات النزاع المسلح وما أحدثه من تدمير وخسارة 100 مليار دولار في القطاع الاقتصادي، ما أدى إلى تهديم المنشآت الصناعية وتفكيكها وهجرتها خارج البلاد، ونهبها، في خسائر لا تعوّض، بخاصة أنها أُنشئت بالقطع الأجنبي، ما سبّب شللاً في الحركة الاقتصادية والتجارية.
ويأمل المصدر نفسه في حدوث تغيير عددٍ كبيرٍ من القوانين والتشريعات وتطويرها تشجيعاً للاستثمار، وفي وضع قانون حديث لإدارة المصارف العامة، تحديداً.
صدّق أو لا تصدّق
في مقابل ذلك، لا ترى الفعاليات التجارية والاقتصادية خارج البلاد أي بارقة أمل تنحو باتجاه لملمة الخسائر الفادحة التي مُني بها الاقتصاد. وباتت كل التطمينات، بحسب ما يرجح رجل الأعمال رامز عبد الرحمن (المقيم في إسطنبول)، لا تعدو كونها دعاية سياسية هشة أرادت أن توصل رسالة أن سوريا خرجت من الحرب وها هو نظامها السياسي يدعو الناس إلى العودة.
ويتساءل عن الضمانات لإعادة الملايين والمليارات إلى سوريا في حين ما زالت أجواء الحرب مخيمة في سمائها "كيف يمكن أن نتأكد من ضمان سلامتنا وسلامة أموالنا في ظل واقع سياسي وعسكري متوتّرَيْن، مع ضعف البيئة التحفيزية. ولن نصدق كل الوعود التي يطلقها النظام ولن نعود ما لم تنته الحرب ويتغير النظام السياسي مع قوانين تحمي رأس المال واستثماراتنا".
بين الإنتاج والاستيراد
في غضون ذلك، ينال هرم النظام الاقتصادي انتقادات واسعة حتى من موالين للسلطة، فرئيس مجلس إدارة اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي يرى ضرورة تغليب الاستثمار الإنتاجي التنموي على الاستثمار التجاري الاستيرادي، ويقول "يجب أن تكون المشاريع التي تخلق فرص العمل وتصدر منتجاتها أكثر ربحاً من أي شيء آخر، وما زالت التشريعات والقوانين الضريبية والمالية تفضل الاستيراد على الإنتاج".
ولوّح بوجود فرصة ذهبية جديدة وثانية بعدما أضاعت سوريا فرصة ذهبية سابقاً منذ عامين "حين انتشرت بقوة، شائعة قرب إفلاس المصارف اللبنانية وكان حجم الفائدة على الدولار عندنا أقل من اثنين في المئة وفي لبنان أربعة في المئة، وطالبنا وقتها برفعها بالنسبة قياساً إلى لبنان من دون جدوى". وهكذا تكتنف النظام الاقتصادي والمصرفي التساؤلات والاتهامات بضعف أدائه، ما ينعكس بلا شك على الواقع الصناعي والاستثماري، ولن تفلح معه الأموال المهاجرة وفق مراقبين من إنقاذ المركب الاقتصادي الغارق، على الرغم من أنباء عن إعلان الموازنة المالية للنظام من دون عجز مالي.