ملخص
في مشهد سوريالي وقف المشرعون الأميركيون نحو 50 مرة للتصفيق لنتنياهو الذي ألقى خطاباً مليئاً بالحيوية ولكنه خالٍ تماماً من التفاصيل، متى وكيف ستنتهي حرب إسرائيل في غزة، وستتم إعادة الرهائن الـ120 المتبقين الذين اختطفتهم "حماس".
حجج مستهلكة وكليشيهات معتادة تتخللها عبارات رنانة مضحكة أحياناً لتلقى مناخاً من خفة الظل على خطاب فارغ المحتوى ربما ينفصل عن الواقع على الأرض سواء محلياً داخل إسرائيل أو في قطاع غزة، هكذا قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه الرابع أمام الكونغرس بصفته أكثر مسؤول أجنبي يخطب المشرعين الأميركيين متجاوزاً الزعيم البريطاني وينستون تشرشل.
حظي نتنياهو بتصفيق حاد من الكونغرس ربما تجاوز الـ50 مرة في مشهد سوريالي متكرر داخل الكابيتول هيل، ففي عام 2011 عندما ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابه الثاني في الكونغرس خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، حظي بنحو 29 تصفيقاً من أعضاء الكونغرس. مشهد أعضاء الكونغرس الذين وقفوا مراراً للتصفيق لنتنياهو خلال إلقاء كلمته أثار امتعاضاً ليس من المعارضين لحرب غزة داخل الولايات المتحدة والعالم العربي فقط، لكن بالنسبة للإسرائيليين الذين يعلمون أن نتنياهو كان يبحث في خطابه عن فرصة لإنقاذ مستقبله السياسي بعد فشله في تأمين صفقة مع "حماس" لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
انعكست التنافسات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين على مرات تصفيقهم لنتنياهو، فأعضاء الحزبين وقفوا مصفقين لرئيس الوزراء الإسرائيلي عندما أشاد بدعم الرئيس الأميركي جو بايدن لبلاده وعندما دان العنف السياسي بعدما تعرض المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب لمحاولة اغتيال، لكن كان الجمهوريون وحدهم الواقفين تصفيقاً عندما قدم الثناء والشكر لترمب على دوره في اتفاقات أبراهام التي تعد واحدة من إنجازات إدارة الرئيس السابق.
بداية سيئة لهاريس
قاطع عدد بارز من أعضاء الحزب الديمقراطي الخطاب، لكن أكثر ما كان لافتاً هو غياب كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة. برر مكتبها غيابها لتضارب في جدول أعمالها إذ كانت توجد في فعالية للنساء السود في إنديانا. وصرح أحد مساعدي هاريس لصحيفة "نيويورك تايمز" إن غيابها لا ينبغي تفسيره على أنه تغيير في التزامها بأمن إسرائيل، بل كان مجرد تضارب مع حدث مقرر سابقاً في إنديانابوليس، بينما ستلتقي نتنياهو في البيت الأبيض الخميس. ومع ذلك، فإن غياب هاريس أثار التساؤلات في شأن موقفها من إسرائيل وسط تنامي التوترات السياسية.
وعادة يجلس نائب الرئيس، بصفته رئيس مجلس الشيوخ، على منصة مجلس النواب إلى جانب رئيس المجلس خلال الاجتماعات المشتركة لاستقبال زعيم أجنبي، ويظهر خلف الضيف مباشرة في عرض ضمني للدعم والترحيب. وهو ما حدث خلال خطابات نتنياهو الأول والثاني في عامي 1996 حيث جلس آل غور و2011 حيث جلس جو بايدن الذي كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، ومع ذلك غاب بايدن عن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس عام 2015، في إشارة واضحة على أن البيت الأبيض ليس مرحباً بالخطاب الذي جاء بدعوة من الجمهوريين آنذاك ضد رغبة إدارة أوباما بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي مع إيران.
وانتقدت الصحافة الإسرائيلية غياب هاريس عن الخطاب، قائلين إن المرشحة المحتملة للرئاسة عليها أن تعرف أن كل شيء تقوله أو تفعله سيكون موضع تدقيق. واعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، غياب هاريس بداية سيئة مع إسرائيل، لافتة إلى أن هاريس كان بإمكانها إعادة ترتيب جدول أعمالها إذا كانت ترغب بالفعل، إذ إنها بحثت عن عذر لغيابها حتى لا تستمع إلى نتنياهو.
وتقول الصحيفة إن هاريس غابت عن الخطاب لاسترضاء التقدميين داخل الحزب الديمقراطي الغاضبين من دعم إدارة بايدن القوي لإسرائيل خلال حرب غزة.
لم تكن هاريس وحدها الغائبة، فنحو نصف الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ والنواب قاطعوا الخطاب، احتجاجاً على إدارة نتنياهو لحرب غزة، وبينما حضرت النائبة الفلسطينية الأصل رشيدة طليب فإنها رفعت لافتة مكتوب عليها "مجرم حرب".
خطاب فارغ المحتوى
يقول مراقبون إن نتنياهو ألقى خطاباً مليئاً بالحيوية ولكنه خالٍ تماماً من التفاصيل، متى وكيف ستنتهي حرب إسرائيل في غزة، وستتم إعادة الرهائن الـ 120 المتبقين الذين اختطفتهم "حماس". وتحدث بعبارات رنانة لكنها خاوية في شأن "إدارة مدنية يديرها فلسطينيون لا يسعون إلى تدمير إسرائيل" بعد "انتصاره الكامل"، و"رؤية لغزة" تقول إن القطاع سيكون "منزوع السلاح والتطرف"، فلم يقدم نتنياهو أية رؤية حول كيفية تحقيق ذلك، وكيف سينهي الحرب التي خلفت بالفعل ما يقدر بنحو 39 ألف قتيل فلسطيني، إضافة إلى 1200 إسرائيلي قتلوا على يد "حماس" في السابع من أكتوبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يتحدث نتنياهو مطلقاً عن وقف إطلاق النار، على رغم أسابيع من المفاوضات مع "حماس" وإصرار إدارة بايدن على أنه تم الاتفاق بالفعل على "إطار عمل". وبعد وقت قصير من الخطاب، أقر مسؤول كبير في تعليقات للصحافيين في البيت الأبيض بأنه ربما لا تزال هناك بعض "القضايا الجادة للغاية التي لا يزال يتعين حلها".
ففي إسرائيل اعتبرت صحيفة "هآرتس" المعارضة، أن نتنياهو منفصل عن الواقع وعن الإسرائيليين الغاضبين من عدم تأمين صفقة لإطلاق سراح رهائنهم بعد ما يزيد على تسعة أشهر من احتجازهم لدى "حماس". وقال الكاتب الإسرائيلي نداف إيال في مقاله بصحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن خطاب رئيس الوزراء الجذاب أظهر إسرائيل إمبراطورية عظيمة، لكنه فشل في التطرق إلى المسائل التي لا يزال الإسرائيليون يواجهونها يومياً، بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن.
إيران عدو مشترك
كما فعل عام 2015 ركز نتنياهو على إيران ومخططاتها الخبيثة في المنطقة، وقال إن إسرائيل في حربها ضد إيران ووكلائها في المنطقة لا تدافع عن نفسها وحسب بل تدافع عن الغرب، وهي عبارة تهدف إلى تحويل النقاش بعيداً من الصراع في غزة والحصول على الدعم العسكري والدبلوماسي من الولايات المتحدة إذا قرر الإسرائيليون تصعيد صراعهم الحدودي المستمر مع "حزب الله" في لبنان. كما يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي استعان بتكتيك الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي الذي أكد مراراً أن أوكرانيا تدافع عن الديمقراطية والغرب ضد العدوان الروسي.
وقد سعى "بيبي" مثلما يدعوه الساسة الأميركيون، إلى تصوير المتظاهرين الأميركيين المناهضين للحرب في غزة، أولئك الذين ملؤوا شوارع واشنطن خلال خطابه أو الذين احتجوا داخل الجامعات الأميركية خلال الأشهر الماضية، بأنهم يعملون لمصلحة "حماس" وإيران، وقال: "لدي رسالة لهؤلاء المتظاهرين، عندما يشيد بكم طغاة طهران، الذين يشنقون المثليين على الرافعات ويقتلون النساء لعدم تغطية شعرهن، ويشجعونكم ويمولونكم، فقد أصبحتم رسمياً أغبياء إيران المفيدين".
كما تحدث نتنياهو عن رؤية لتحالف أمني متفاوض عليه بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة بناء على التقدم الذي أحرز في اتفاقات أبراهام، التي تهدف إلى مواجهة التهديد المتزايد الذي تمثله إيران. وأضاف: "أعتقد أننا يجب أن نطلق عليه اسم تحالف أبراهام". دون أن يقدم تفاصيل عما إذا كانت دول عربية ستقدم على المشاركة في مثل ذلك التحالف.
ومرة أخرى سعى نتنياهو إلى التنصل من المسؤولية الإسرائيلية عن أرواح آلاف الفلسطينيين، ونفى استهداف غير المقاتلين عمداً وقال إن الجيش الإسرائيلي بذل جهداً كبيراً لحمايتهم. كما نفى مجدداً مسؤولية إسرائيل عن منع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، قائلاً إن "حماس" مسؤولة عن نهب تلك المساعدات.