Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حزب الله" في البيئة السنية حضور متأرجح تحكمه المصالح

يعتبر كثيرون أنه استغل التعاطف مع القضية الفلسطينية لتوسيع نفوذه داخلها

حاول "حزب الله" اختراق الساحة السنية في أكثر من ظرف ومناسبة (أ ف ب)

ملخص

بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من العمل السياسي عام 2022 وافتقاد الطائفة السنية زعامتها، جدد "حزب الله" محاولاته باتجاه البيئة السنية من بوابة الخدمات والمساعدات بالتزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي. وتمدد الحزب نحو شخصيات وبلديات ومؤسسات ومخاتير وفعاليات خصوصاً في الشمال، وبات التعاطي معه مقبولاً على قاعدة حزب لبناني يقدم المساعدات، فهل ينجح في هذا التصرف؟

دخلت العلاقة بين "حزب الله" والطائفة السنية أسوأ أيامها بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، فالطائفة المعروفة بمرونتها النسبية داخل النظام اللبناني قياساً على تصلب بقية الطوائف اختبرت نتيجة التوتر السياسي والمذهبي والأمني مع "حزب الله" بعد اغتيال زعيمها تجربة العصبية الطائفية، وهي تجربة بقيت متأرجحة ولم تتبلور. ورسخ اجتياح بيروت من "حزب الله" وحركة "أمل" في السابع من مايو (أيار) 2008 لدى السنة شعوراً بالمظلومية لم يختبروه طوال تاريخهم، واتسعت الهوة بينهم وبين الحزب على خلفية مشاركة الأخير في حرب سوريا إلى جانب النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

 

وحاول "حزب الله" اختراق الساحة السنية في أكثر من ظرف ومناسبة، على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الأمني، وكانت إحدى التجارب غير الناجحة "سرايا المقاومة"، التشكيل العسكري الذي أسسه الحزب في النصف الثاني من التسعينيات بهدف استقطاب مقاتلين من غير الشيعة وبالأخص من السنة، واستخدمت "السرايا" في مناطق شهدت احتقاناً مذهبياً بين السنة والشيعة بعد عام 2005، وتحديداً في البقاع (شرق) وصيدا (جنوب)، كبديل عن تدخل الحزب في تلك المناطق. وكان الدليل على عدم تبني البيئة السنية لـ"سرايا المقاومة" الاشتباك الذي حصل بين شبان منضوين فيها وأنصار النائب أسامة سعد في الأحياء القديمة لمدينة صيدا، وذلك على رغم أن سعد كان أقرب الشخصيات السياسية السنية الصيداوية إلى "حزب الله".

غياب الزعامة وغزة

وبعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من العمل السياسي عام 2022 وافتقاد الطائفة السنية زعامتها، جدد "حزب الله" محاولاته باتجاه البيئة السنية من بوابة الخدمات والمساعدات بالتزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي. وتمدد الحزب نحو شخصيات وبلديات ومؤسسات ومخاتير وفعاليات خصوصاً في الشمال، وبات التعاطي معه مقبولاً على قاعدة حزب لبناني يقدم المساعدات.

 

وأتت معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لتعزز خطاباً سنياً بات أقرب إلى خطاب الحزب، فالشارع السني المناصر للقضية الفلسطينية، سيتعاطف من دون أدنى شك ويؤيد كل من يساندها. ويعتبر كثيرون أن الحزب استغل التعاطف السني مع القضية الفلسطينية لتوسيع نفوذه داخل هذه البيئة، وبرز التنسيق العسكري بينه وبين "قوات الفجر" الفصيل المسلح لـ"الجماعة الإسلامية"، ومن خلالها عمم نموذج المجموعات الخارجة عن الدولة، في عراضات مسلحة تنقلت من بيروت إلى البقاع والشمال، خلال تشييع مسلحي الجماعة.

السنة المؤيدون للحزب أقلية

ويصف محللون الحضور السياسي والاجتماعي القديم والمستجد لـ"حزب الله" في الساحة السنية بأنه يشبه إلى حد بعيد حضوره الأمني فيها عبر "سرايا المقاومة"، أي أنه حضور متأرجح وغير راسخ تفرضه شبكة مصالح سياسية ومالية معقدة وضيقة، وهذا ما يؤكده القيادي السابق في تيار" المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش الذي يعتبر أن غياب سعد الحريري عن الساحة وابتعاده عن العمل السياسي فتح الباب للضياع، لكنه يؤكد أن المجموعات السنية التي يخترقها حالياً "حزب الله" سواء "الجماعة الإسلامية" أم الناس المحتاجين للمساعدات، لا يشكلون إلا الأقلية. ويضيف علوش أن البيئة السنية أخذتها العاطفة في البداية بعملية "طوفان الأقصى" لكنها لا يمكن أن تنسى أن "حزب الله" هو الذي اغتال الرئيس الحريري واغتال شخصيات سنية أخرى، وهو الذي أضعف دور السنة في لبنان، ولن ينسى السنة أن الحزب أسهم في قتل نصف مليون سوري وأكثريتهم الساحقة من السنة. ويجزم علوش أن السنة لا يزالون مقتنعين بأن هناك مؤامرة والحزب شريك فيها على فلسطين وعلى "حماس"، لكن في المقابل يتابع علوش "لا شك أن غياب المساعدات في وضع اقتصادي ومعيشي متدهور أسهم في أن يستغل الحزب هذا الواقع".

ويقلل علوش من أهمية التعاون والتحالف القائم بين الحزب و"الجماعة الإسلامية"، معتبراً أن تأثير ذلك في الطائفة السنية محدود نظراً إلى ما تمثله الجماعة داخل الطائفة الذي لا يتعدى خمسة في المئة. ويتحدث عن تضخيم لدور الحزب داخل البيئة السنية بسبب غياب الآخرين، داعياً إلى عدم البناء على هذه الفرضيات التي لا تزال محدودة، ويختم علوش "في اللحظة التي سينكشف فيها الواقع المرير المتمثل بالوهن والضعف الذي سيكون عليه رد إيران و’حزب الله‘ على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، سيتراجع هذا الدعم السني المحدود للحزب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من وجهة نظر "الجماعة الإسلامية"

ويستبعد نائب بيروت عن "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت أن يكون "حزب الله" استطاع الدخول إلى البيئة السنية سياسياً، ولا يعتقد أن الشغور في الزعامة السنية ساعده في تحقيق ذلك، ويقول "كل ما في الأمر أن البيئة السنية هي بيئة متفاعلة تقليدياً مع القضية الفلسطينية، وما يحصل في غزة من إجرام يفوق قدرة الوجدان الإنساني على التحمل، وبالتالي تفاعلت هذه البيئة السنية مع تطورات الأحداث ذاتياً وليس بدافع التأثر بأي مكون آخر"، ويؤكد الحوت أن "المكون السني في لبنان قاوم العدو الإسرائيلي قبل وجود ’حزب الله‘ في الستينيات وفي بداية الثمانينيات انطلاقاً من اعتبار الكيان الصهيوني كياناً عدواً ولا بد من الرد على عدوانه المتكرر على لبنان بما تيسر من إمكانات". ويضيف "إذا كان ’حزب الله‘ بما تيسر له من دعم وإمكانات من إيران استطاع أن يصبح القوة المقاومة الأقوى والأبرز، فهذا لا يعني أن كل من يقاوم العدو ينبغي أن ينضوي في محور ’حزب الله‘ أو أن يكون جزءاً من تحالفه السياسي الداخلي".

أما عن طبيعة العلاقة بين الحزب و"الجماعة الإسلامية"، وما يحكى عن خرق الحزب للبيئة السنية من خلالها فيوضح ممثل الجماعة في مجلس النواب أن العلاقة بين الجماعة و"حزب الله" يحكمها عنوانان مختلفان: "العنوان الأول: العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي اللبنانية الذي هو امتداد لعدوانه على غزة، إضافة إلى عجز المجتمع الدولي عن تأمين مظلة الأمان للبنان إلا من خلال الاستسلام الكامل لشروط العدو، بخاصة أن أبرز القوى في المجتمع الدولي، وهي الولايات المتحدة وأوروبا، داعمة لإسرائيل في عدوانها ليس فقط سياسياً وإنما أيضاً عسكرياً واستخبارياً. هذا الواقع يستدعي من مختلف القوى السياسية تمتين الصف وتوحيد الرسالة في وجه العدو من خلال مسارين متوازيين: الرد على العدو بما يشعره بخطورة وضرر استهداف لبنان عليه، والدبلوماسية التي تستثمر هذا الجهد الميداني لتحسين شروط لبنان في أية تسوية مقبلة للتصعيد العسكري".

والعنوان الثاني الذي يحكم العلاقة  بين الجماعة و"حزب الله"، يتابع الحوت "فهو العنوان السياسي الذي يحكم العلاقة ليس فقط مع الحزب وإنما مع مختلف القوى السياسية من خلال الحكم على الموقف من بناء الدولة وتقويتها على حساب المكونات المختلفة لتصبح راعية للجميع من دون تمييز، وهذا يبدأ من تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية وما يتبعه من إعادة تكوين المؤسسات بدءاً من تشكيل حكومة جديدة تقوم بما هو مطلوب منها من إصلاحات، ومن الموقف من النقاش الجدي للاستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية والجيش اللبناني في القلب منها، وذلك بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الحالي لينضوي تحتها جميع اللبنانيين، ولنحسم بذلك أي استخدام للسلاح في الداخل اللبناني للهيمنة على القرار أو لتحصيل مكتسبات سياسية، وهكذا فإن العلاقة السياسية مع الحزب ومع غيره تنطلق من الموقف من هذه الملفات ومن غيرها".

في مقلب "حزب الله"

من جهته يصف الكاتب السياسي المتخصص بالحركات الإسلامية قاسم قصير العلاقة بين السنة و"حزب الله" حالياً بالجيدة جداً، مشيراً إلى تطور إيجابي مهم يتمثل في مواقف عدد من الشخصيات السنية مثل النائب السابق خالد ضاهر، والمفتش العام المساعد لدار الفتوى الشيخ حسن مرعب الذي أكد في حديث تلفزيوني بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى" مخاطباً الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله "نحن معك وإلى جانبك ولن يكون السنة في لبنان خنجراً في ظهر المقاومة"، إضافة إلى العلاقات الجيدة مع "الجماعة الإسلامية".

ويعتبر قصير أن العلاقة تطورت بين "حزب الله والبيئة السنية بشكل إيجابي وكبير منذ عملية طوفان الأقصى على قاعدة دعم الشعب الفلسطيني ومواجهة العدو الإسرائيلي، وتجلى ذلك بعلاقات الحزب مع الجماعة الإسلامية التي تطورت كثيراً"، مذكراً باللقاء الذي عقد بين حسن نصر الله والأمين العام لـ"الجماعة الإسلامية" الشيخ محمد طقوش، ومشاركة الجماعة بالتنسيق مع الحزب في مواجهات الجنوب.

ومن الأمثلة التي يستشهد بها الكاتب السياسي لتأكيد تحسن العلاقة بين الحزب والسنة، التحول الذي شهدته مواقف شخصيات سنية كانت تنتقد الحزب وأصبحت الآن تدافع عنه، مستشهداً بضاهر والشيخ مرعب وعضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم.

المزيد من تقارير