ردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قرار الولايات المتّحدة الأميركية تعليق التزاماتها في معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، بتعليق موسكو لمشاركتها فيها أيضاً. وفي تصعيد لافت، أكّد بوتين، بعد اجتماعه السبت بوزيري الخارجية والدفاع سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، أنّ روسيا لن تباشر أي محادثات جديدة مع واشنطن بشأن مسألة نزع الأسلحة. أضاف "سننتظر إلى حين نضوج شركائنا بما يكفي لإجراء حوار متساو وذي مغزى بشأن هذا الموضوع المهم". وأعلن بوتين أنّ روسيا ستسعى لتطوير صواريخ متوسطة المدى ونشرها في أوروبا وغيرها رداً على "مشاريع مشابهة في الولايات المتحدة"، مؤكّداً عدم انخراط روسيا في "سباق تسلح جديد مكلف".
وكانت الولايات المتحدة أعلنت الجمعة تعليق التزاماتها في معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى المبرمة مع روسيا أثناء الحرب الباردة، وبدء انسحابها منها بحجّة انتهاكها من جانب موسكو التي هدّدت بدورها بسباق تسلّح جديد في أوروبا. وتقول واشنطن إن منظومة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الروسية تنتهك المعاهدة، كما يرى مسؤولون أميركيون أن المعاهدة تفرض عليهم قيوداً وتستثني الصين.
وأشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بيان، إلى أنه ابتداءً من السبت "ستُعلّق الولايات المتحدة كل التزاماتها بمعاهدة الحدّ من الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى والبدء في عملية الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال ستة أشهر، إلا إذا عادت روسيا إلى الالتزام بالمعاهدة وتدمير كل الصواريخ والمنصّات والمعدّات التي تنتهكها". وأضاف أن "الولايات المتحدة التزمت المعاهدة بالكامل مدة تزيد على 30 سنة، لكنّنا لن نبقى مقيّدين ببنودها فيما لا تفعل روسيا ذلك".
وكان الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، وآخر زعيم للاتّحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيف، وقّعا تلك المعاهدة لحظر الصواريخ التي تُطلق من البرّ بمدى يتراوح بين 500 و5500 كيلومتر. وأنهت المعاهدة تعبئة خطيرة للرؤوس الحربية أثارت المخاوف في أوروبا.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن واشنطن، التي أبدت رسمياً قلقها قبل شهرين، ناقشت انتهاكات المعاهدة مع روسيا أكثر من 30 مرّة.
وصرح بومبيو أثناء إعلانه القرار في مؤتمر صحافي، أن "الانتهاكات الروسية تضع حياة ملايين الأوروبيين والأميركيين في خطر أكبر، وتهدف إلى التفوّق عسكرياً على الولايات المتحدة وتقوّض فرص تحريك العلاقات الثنائية في اتجاه أفضل". إلا أن وزير الخارجية الأميركي أكد أن واشنطن لا تزال راغبة في الدخول في مفاوضات مع روسيا حول ضبط الأسلحة، وتأمل في أن تلتزم روسيا المعاهدة.
وعبّر ترمب لاحقاً لصحافيين عن رغبته في "جلب الجميع إلى حجرة كبيرة وجميلة والتوصّل إلى معاهدة جديدة"، لكن في الوقت الراهن فإن الولايات المتحدة "لا يمكن وضعها في وضعٍ غير موات".
سباق تسلّح
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن سابقاً أن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة سيُطلق سباقَ تسلّح جديداً. وصرّحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسيّة ماريا زخاروفا، أن المسألة ليست في "تحميل روسيا المسؤولية... بل في إستراتيجية الولايات المتحدة للتنصّل من التزاماتها القانونية الدولية في مختلف المجالات". وأضافت لقناة التلفزيون العامة "روسيا 1" إن الولايات المتحدة لم تقدّم "أي دليل ولا صورة قمر صناعي ولا شهادة" تثبت وجود انتهاك روسي.
مخاوف أوروبية
وسارع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إصدار بيان يؤكد "الدعم الكامل" للانسحاب الأميركي من المعاهدة، مشيراً إلى أن نظام صواريخ كروز التي تُطلق من البرّ "9 إم 729" ويثير مداها القلق الأميركي، ينتهك المعاهدة. إلا أن الأوروبيين أكدوا كذلك مخاوفهم من أخطار انهيار المعاهدة، داعين موسكو إلى تبديد مخاوف واشنطن قبل أن تنسحب رسمياً من المعاهدة في أغسطس(آب) المقبل.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل "بالنسبة إلينا، من الواضح أن روسيا انتهكت هذه المعاهدة. لذا، علينا التحدّث مع روسيا".
وصرّحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بوخارست، "ما لا نريد أن نراه بالتأكيد هو أن تعود قارتنا لتصبح أرض معركة أو مكاناً تواجه فيها القوى الكبرى بعضها بعضاً". ودعمت ليتوانيا ولاتفيا اللتان تخشيان تهديد جارتهما العملاقة روسيا، الانسحاب الأميركي.
كما واجه ترمب انتقادات في بلاده، حيث أعرب الديموقراطيون عن قلقهم من أنّ سياسة الرئيس "أميركا أولاً" أدّت إلى رفض اتفاقيات دولية أخرى.
وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، النائب آدم شيف، إن الانسحاب من المعاهدة "يهدد بحشد الأسلحة النووية".
واعتبرت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي أن "إدارة ترامب تخاطر بسباق تسلح وتقوّض الأمن والاستقرار الدوليّين".
وزاد مخاوف أوروبا، تحذير كبير المفاوضين الروس، نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف من أنه بعد انهيار المعاهدة، فإن اتفاقية أخرى هي معاهدة الحدّ من الأسلحة الإستراتيجية (ستارت) يمكن أن تنهار.
وتنتهي هذه المعاهدة التي تحدّ من عدد الرؤوس النووية لدى واشنطن وموسكو عام 2121، وأشار ريابكوف إلى "سؤال كبير" حول ما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
ودعت فرنسا التي أسفت للسّجال الدائر حول معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، موسكو وواشنطن إلى تمديد معاهدة ستارت إلى ما بعد عام 2021.
ورفض مسؤول أميركي في تصريح إلى صحافيين، فكرة أن الولايات المتحدة تفتح سباق تسلح، قائلاً "إن معاينة كيفية تصرّف واشنطن عندما تخرج من المعاهدة سيستغرق وقتاً".
ولم تتحدث الولايات المتحدة علناً عن الخطوات التي ستتخذها في حال خروجها من معاهدة حظر الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى.
وعلى الرغم من أن العلاقات الأميركية لا تزال متوترة مع روسيا، إلا أن مخططي الدفاع الأميركيين ركزوا في شكل كبير على الصين بسبب إنفاقها العسكري المتزايد، وزيادة جهودها لترسيخ نفوذها في المياه المختلف عليها في آسيا.
ويقول مسؤولون أميركيون، إنه لو كانت الصين شريكاً في معاهدة الحد من الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، فإن نحو 95 في المئة من صواريخها البالستية وصواريخ كروز التي تشكل جزءاً جوهرياً من إستراتيجية بكين الدفاعية، تنتهك تلك المعاهدة.