Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغير المناخ والصراعات والهجرة مسائل مترابطة وملحة

الخطوات الـ5 التي لا بد من اتخاذها علنا نتفادى هذه المأساة ونحول دون زعزعة استقرار ملايين الناس حول العالم

حذر غوتيريش من أن ارتفاع منسوب مياه البحر يهدد "بنزوح جماعي مهول لمجموعات سكانية برمتها" (أ ب)

 

ملخص

سيؤدي تغير المناخ إلى نزوح جماعي هائل بسبب ارتفاع منسوب البحر ودرجات الحرارة المرتفعة، مما يعزز الرابط بين المناخ والصراعات والهجرة، ويستدعي اتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة هذه التحديات عبر تعزيز الحماية القانونية للمهاجرين، دعم البلدان المتأثرة، وإصلاح أنظمة التمويل الدولي لمكافحة تغير المناخ.

في العام الماضي حذر أنطونيو غوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وقد بدا متيقناً من كلامه، من أن ارتفاع مستويات سطح البحر يتهدد العالم بحدوث "نزوح جماعي مهول تلجأ إليه مجموعات سكانية بأكملها". وستخلف درجات الحرارة المرتفعة تأثيراً مماثلاً، إذ تجعل مستويات الحرارة غير المسبوقة المنازل غير قابلة للسكن والأراضي غير صالحة للزراعة.

والأجدر بالعالم أن يتنبه إلى "رابط ثلاثي" جديد يجمع بين تغير المناخ والصراعات والهجرة، الذي سيصبح على الأرجح ملمحاً سائداً في العلاقات الدولية، ويترك تداعيات وعواقب شديدة على المستوى المحلي. عموماً، يعد تغير المناخ أحد العوامل المسببة لنشوب الصراعات واللجوء إلى الهجرة، في حين تشكل الأخيرة نتيجة لتغير المناخ والصراعات القائمة.

وقبل عامين، وجدت التقديرات أن العدد القياسي الذي سجلته 2022 من النازحين قسراً في العالم والذي بلغ 100 مليون شخص، كان ثلثه مدفوعاً بظواهر متصلة بالمناخ من قبيل أحوال الجفاف والقحط والفيضانات والعواصف والقيظ الشديد. وبحلول عام 2050، من المرجح أن يبدو الرقم المذكور متدنياً جداً مقارنة بما يربو على مليار مهاجر تشير إليهم بعض التقديرات، وذلك نتيجة نشوب كوارث أكثر شدة وتواتراً.

وفيما سيبقى كثير من السكان الذين نزحوا قسراً بسبب تغير المناخ في المناطق التي ينتمون إليها، ستنتقل أعداد كبيرة منهم إلى مناطق أخرى تسودها مناخات معتدلة وتكون أكثر ثراء، بالدرجة الأولى إلى أوروبا. ولكن إذا كان مليون وافد قادرين على زعزعة التسوية السياسية الليبرالية في قسم كبير من أوروبا في عام 2015، فماذا عن 10 ملايين شخص، إن لم نقل 100 مليون نازح، ماذا تراهم سيفعلون؟

ومن السخرية أن كثيراً من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وجمهوريي دونالد ترمب في الولايات المتحدة، الذين يعارضون بشدة الهجرة والعمل من أجل خير المناخ على حد سواء، يعرفون أنهم سيستفيدون انتخابياً من تدفق المهاجرين الهاربين من أزمة المناخ (أزمة يسهمون هم فيها بمعارضتهم المستمرة وازدرائهم مبادرات صافي انبعاثات الكربون الصفري).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي اعتقاد روسيا أيضاً أنها ستستفيد من نشوب النزاعات وزعزعة الاستقرار وارتكاب أعمال عنف التي ربما تشهدها الدول الغربية بسبب الهجرة الواسعة النطاق إلى تلك المناطق. وليس من قبيل المصادفة أن الأحزاب اليمينية المتطرفة (التي يتلقى كثير منها مساندة موسكو) تدعم "القيم العائلية" التي يؤكد الرئيس فلاديمير بوتين أن بلاده ستحافظ عليها، و"شكوكه المحيطة بمسألة تغير المناخ"، إضافة إلى أهدافه من الحرب في أوكرانيا.

وبعدما تبدت أمامه التأثيرات التي طرحتها الهجرة السورية على البلدان الأوروبية عام 2015، وإسهامها في صعود الحركات اليمينية وفي نجاح حملة "التصويت على خروج" بريطانيا من الاتحاد الأوروبي [بريكست]، أذن بوتين بنشر مرتزقة قوات "فاغنر" في البلدان الأفريقية، من بينها ليبيا ومالي. وكان هدف المنظمة الروسية الانخراط في أعمال استخراج المواد الخام، وتعميق عدم الاستقرار السياسي في تلك البلاد، ناهيك بحث الناس على الهرب عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتوضح الهدف الأخير بوصفه استراتيجية متعمدة في عام 2022 من جانب رئيس مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف. ففي خضم نقص الحبوب الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا (والتي قال بطبيعة الحال إن الغرب مسؤول عنها)، أعلن أن "عشرات الملايين من الناس" في أفريقيا والشرق الأوسط سيصلون إلى حافة المجاعة. ومن أجل البقاء على قيد الحياة سيهربون إلى أوروبا". وأضاف متحسراً، "لست متأكداً من أن أوروبا ستنجو من الأزمة".

بناء على ما تقدم، ما الخطوات التي يتعين علينا اتخاذها علنا نتفادى هجرة عشرات الملايين من الناس من بلدانهم بسبب تغير المناخ، لا سيما أن معظم هؤلاء لم يسهموا عملياً في أي قدر من انبعاثات الكربون التي قادت إلى هذه الأزمة في الأساس؟

أولاً، على السياسيين أن يتصدوا لهذه المشكلة بصورة قاطعة وشاملة. صحيح أنها تعد مسألة سامة على صعيد الانتخابات بسبب تنامي المشاعر المعادية للمهاجرين، ولكن على قادتنا أن ينتبهوا إلى الزيادة المهولة شبه المؤكدة في الهجرة بسبب أزمة المناخ.

ثانياً، يتعين علينا أن نعزز الحماية القانونية للمهاجرين الهاربين من الكوارث المناخية. ويتحقق ذلك أولاً من طريق اعتبارهم "لاجئين" تماماً مثل المهاجرين الذين يغادرون بلادهم قسراً هرباً من ويلات النزاعات فيها أو تعرضهم للاضطهاد، والتوقف عن تصنيفهم ضمن "المهاجرين" لأسباب اقتصادية.

ثالثاً، لا بد من مد يد العون إلى البلدان الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية من جهة وبالنزاعات من جهة أخرى، وذلك عبر تقديم مساعدات تنموية لها وتمويل إجراءات مكافحة تغير المناخ. مثلاً، من شأن تحسين الأساليب الزراعية أن تساعد في بث روح الأمل لدى المجتمعات بأن مستقبلاً قابلاً للحياة ينتظر بلدانها الأصلية، مما يقلص من العوامل المحفزة على الهجرة. لذا يحتاج نظام التمويل الدولي إلى الإجراءات المتعلقة بالمناخ إلى إصلاح عاجل يسمح للبلدان الأكثر ضعفاً بالحصول على ما يلزمها من تمويل ضروري جداً.

رابعاً، علينا أن نستثمر في جهود مشتركة تسمح بمجابهة آثار تغير المناخ وتدبير الموارد الطبيعية وحمايتها. تذكيراً، تأكدت الفاعلية التي تنطوي عليها أساليب "بناء السلام البيئي" [من بين القضايا التي يبحث فيها دور الموارد الطبيعية في تأجيج النزاعات وتمويلها، والإمكانات التي يتمتع بها النشاط البيئي لتعبئة المجتمعات، وفرص بناء الثقة وصنع السلام من طريق إدارة الموارد المشتركة] في توحيد المجتمعات المتنافسة من أجل مواجهة التحديات المشتركة [مثلاً، الإدارة الشاملة والمستدامة للموارد الطبيعية تسهم في تجنب النزاعات حول هذه الموارد أو ما يرتبط بها].

خامساً، من الضروري مواجهة التضليل اليميني المتطرف وخطاب الكراهية ضد المهاجرين. وتؤكد الأهمية التي تكتسيها هذه الخطوة أعمال الشغب المشينة التي قامت بها "رابطة الدفاع البريطانية" [المناهضة للإسلام] في منطقة ساوثبورت الأسبوع الماضي [بعدما لقيت ثلاث فتيات أطفال حتفهن في هجوم بالسكين في ساوثبورت، اندلعت أعمال الشغب التي غذتها معلومات مضللة حول هوية المشتبه فيه]. علينا أن نسلط الضوء على ارتباط الحركات المتطرفة بأجندة موسكو، وتبيان المنافع التي يحملها معهم المهاجرون إلى بلادنا (خصوصاً بالنسبة إلى الدول الغربية التي تعاني الشيخوخة السكانية)، إضافة إلى إعداد المجتمعات المستضيفة في الدول التي تستقبل هؤلاء الوافدين، وذلك عبر التثقيف وإرساء قيم الحوار.

وبطبيعة الحال، تتطلب كل خطوة من الخطوات الخمس المذكور آنفاً تمويلاً جدياً، وبناء شراكات جديدة، وفوق هذا وذاك، لا بد من وجود شجاعة سياسية. لا شيء مما ذكرناه سيكون سهلاً. ولكن عدم اتخاذ تلك الإجراءات من شأنه أن يحكم على ملايين آخرين بالبؤس وأن يقود إلى زعزعة استقرار مجتمعاتنا، فيما سيبقى المستفيدون الوحيدون أولئك القابعين في موسكو المستعدون لاتباع هذه التوجهات، إلى جانب مؤيديهم قصيري النظر من أحزاب اليمين المتطرف في الغرب.

كتاب "السؤال الملح" The Burning Question بقلم أندرو غيلمور صدر عن "مؤسسة بيرغوف" ومتوفر الآن لاقتنائه.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء