Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أصبح التصويت بالبريد مشكلة في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

يبدأ فعلياً الأسبوع المقبل لكن فرز الأصوات بعد الخامس من نوفمبر يثير قلق ترمب والجمهوريين

قبل أربع سنوات فحسب أصبح التصويت بالبريد قضية مركزية في الانتخابات الأميركية (رويترز)

ملخص

مع رفض ترمب مراراً الالتزام بقبول نتائج الانتخابات بدا أن هذا الجهد يشكل تحدياً من شأنه أن يختبر مرة أخرى قوة نظام التصويت في الولايات المتحدة ومؤسساتها الديمقراطية، وربما يمتد من مسؤولي الانتخابات في المقاطعات إلى الكونغرس، مما يشير إلى أن محاولة ترمب الطعن في نتيجة الانتخابات عام 2024 ستكون مشابهة إلى حد كبير لجهوده عام 2020.

على رغم أن يوم الانتخابات العامة الأميركية هذا العام بموجب القانون الفيدرالي يصادف رسمياً الثلاثاء في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، فإنه سيبدأ فعلياً الأسبوع المقبل في السادس من سبتمبر (أيلول)، عندما تبدأ ولاية نورث كارولاينا في إرسال بطاقات الاقتراع بالبريد إلى الناخبين، ويتبعها في الشهر نفسه عدد من الولايات المتأرجحة الأخرى مثل بنسلفانيا ووسكنسن وميشيغان، غير أن المعارك بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قواعد الانتخابات، والتي أصبحت عنصراً أساساً في الديمقراطية الأميركية، من المتوقع أن تصل إلى مستويات جديدة هذا العام، بخاصة ما يتعلق بفرز بطاقات الاقتراع بالبريد عقب الخامس من نوفمبر، والتي يشكك دونالد ترمب في نزاهتها ومن المحتمل ألا يعترف بالنتيجة إذا خسر الانتخابات. فما سبب الخلاف المستمر حول الاقتراع بالبريد؟ ولماذا بدأ ظهور هذه المشكلة عام 2020 على رغم مضي أكثر من قرن ونصف القرن على التصويت بالبريد في الولايات المتحدة؟

أهمية التصويت بالبريد

قبل أربع سنوات فحسب أصبح التصويت بالبريد قضية مركزية في الانتخابات الأميركية حين بدأت الولايات المختلفة توسيع التصويت بالبريد كوسيلة لحماية سلامة نظام التصويت في البلاد والحد من التعرض المحتمل لفيروس كورونا، الذي كان لا يزال ينتشر على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وأثار بعض المنتقدين الجمهوريين، بما في ذلك الرئيس آنذاك دونالد ترمب شكوكاً حول نزاهة التصويت بالبريد، ورفعت الجماعات المحافظة دعاوى قضائية للحد من التصويت بالبريد، فيما تردد بعض القضاة الفيدراليين في الدفاع عن حقوق الناخبين لأن ذلك كان يعني التدخل في القرارات التي تتخذها الولايات المعنية أساساً بإدارة العملية الانتخابية.

 

واكتسب التصويت بالبريد أهمية إضافية لأن عديداً من الانتخابات الفيدرالية الأميركية، سواء على المستوى الرئاسي في الولايات المتأرجحة أو على مستوى مجلسي النواب والشيوخ تم تحديدها بهامش أقل من عدد بطاقات الاقتراع بالبريد التي أدلى بها الناخبون الغائبون، إذ يتعين على جميع الولايات احتساب كل بطاقة اقتراع غائب صالحة تصل إلى مسؤولي الانتخابات المحليين بحلول الموعد النهائي لتسلم بطاقة الاقتراع الغائب.

وعلى سبيل المثال فاز الرئيس جو بايدن بولاية ويسكنسن بنحو 20 ألف صوت، وفي ولاية جورجيا فاز بنحو 12 ألف صوت، كما فاز بهوامش أكبر في بنسلفانيا وميشيغان وأريزونا ونيفادا، في حين كان عدد بطاقات الاقتراع بالبريد أكثر من هوامش الفوز.

تاريخ الانتخاب بالبريد

يظهر معرض المتحف الوطني للبريد في واشنطن العاصمة، والذي بدأ في الـ24 من أغسطس (آب) الجاري أن التصويت بالبريد بدأ فعلياً خلال الحرب الأهلية الأميركية حين قدم عديد من الولايات الاتحادية الشمالية والولايات الكونفيدرالية الجنوبية التصويت الغيابي للجنود في الجيش، وعلى سبيل المثال، طبعت ولاية أوهايو مظاريف خاصة لإرسال أوراق إحصاء الأصوات التي أدلى بها الجنود خلال انتخابات عام 1864، كما تولى كاتب معين تسجيل وإرسال الإحصاء وفقاً لعملية طورت لتلائم ظروف الحرب ولضمان نزاهة الانتخابات.

غير أن مناقشة التصويت الغيابي للمدنيين نشأت، للمرة الأولى، خلال ما يسمى سياسة العصر التقدمي في أوائل القرن الـ20، حين أقرت ولاية فيرمونت أول قانون عام 1896 يسمح للناخبين الغائبين بالذهاب إلى مكان اقتراع بديل، لكنه لم يتضمن البريد، وفي عام 1901، قدمت ولاية كانساس التصويت بالبريد لموظفي السكك الحديد الذين يسافرون من أجل عملهم فحسب، وظهرت مسألة التصويت الغيابي للأفراد العسكريين المنتشرين مرة أخرى خلال الحرب العالمية الأولى، لكن لم يتم تطبيق التصويت الغيابي بالبريد للأفراد العسكريين الأميركيين في جميع الولايات إلا بعد الحرب العالمية الثانية بسبب قانون صادر عن الكونغرس، كما سمحت بعض الولايات للبحارة التجاريين بالتصويت كغائبين.

وواصل المشرعون ومسؤولو الانتخابات في أواخر القرن الـ20 تطوير قوانين وإجراءات استخدام البريد لتمكين المواطنين من التصويت الغيابي ومنح حق التصويت للمدنيين وأفراد الخدمة العسكرية القاطنين بعيداً من مناطقهم الأصلية أثناء وقت الانتخابات، ومنذ ثمانينيات القرن الـ20، قدمت بعض الولايات التصويت بالبريد، عبر إرسال بطاقات الاقتراع مباشرة إلى الناخبين المسجلين.

وأدت جائحة "كوفيد-19" إلى فرض تدابير موقتة وقوانين جديدة للتصويت بالبريد في غالبية الولايات، لكن مديرة الشؤون التنظيمية في معرض المتحف الوطني في واشنطن العاصمة المفتوح للجمهور كاري فيلار، تشير إلى أن الزوار لن يجدوا أي عناصر معروضة تمثل انتشار مزاعم حول تزوير بطاقات الاقتراع الغيابية على نطاق واسع خلال انتخابات عام 2020، أو كيف غذت هذه الادعاءات عدم الثقة في طريقة التصويت بين المحافظين، على رغم أن المعرض يشير إلى أن الوباء لفت الانتباه إلى المخاوف في شأن نزاهة الانتخابات التي كانت موجودة منذ بداية التصويت في مراكز الاقتراع ومن طريق البريد.

قلق جمهوري

لكن التصويت بالبريد كان مثيراً لقلق الرئيس السابق دونالد ترمب وغالبية الجمهوريين على اعتبار أن بطاقات الاقتراع بالبريد أو الغائبين هي الأكثر عرضة للسرقة والتغيير والتزوير، ولإجبار الناخبين على التصويت، ولأنها النوع الوحيد من بطاقات الاقتراع التي يتم تمييزها في بيئة غير خاضعة للإشراف والمراقبة بحسب ما تشير إليه مؤسسة "هيريتيج" المحافظة التي تقول إن حالات تزوير بطاقات الاقتراع الغيابية المثبتة في قاعدة بيانات تزوير الانتخابات التابعة للمؤسسة تبرهن على السبب الذي جعل إدارة إنفاذ القانون في فلوريدا تستنتج في تقرير صدر عام 1998 أن الافتقار إلى المساءلة الشخصية، في مراكز الاقتراع، يجعل بطاقات الاقتراع الغيابية أداة الاختيار للذين يميلون إلى ارتكاب تزوير الناخبين.

ويشير هانز فون سباكوفسكي مدير مبادرة إصلاح قانون الانتخابات في مؤسسة "هيريتيج" إلى بعض أمثلة تزوير الانتخابات بالبريد في ولايات مختلفة، وأنه حتى عندما لا يحدث تزوير، فإن التصويت بالبريد لا يزال فكرة سيئة لأسباب عدة، منها أن التصويت بالبريد لا يضمن وصول بطاقات الاقتراع واستعادتها بنسبة 100 في المئة، وأن معالجة البريد في أماكن مثل كاليفورنيا وإلينوي ونيوجيرسي لم تنجح إلا في توصيل هذا البريد الانتخابي بنسبة 84.2 في المئة، وهو سبب كافٍ للانزعاج، كما أن بطاقات الاقتراع بالبريد لديها معدل رفض أعلى من بطاقات الاقتراع التي يتم الإدلاء بها بصورة شخصية نظراً إلى عدم وجود مسؤول انتخابي في منزل الناخبين للإجابة عن الأسئلة أو معالجة المشكلات المحتملة.

ووفقاً لتقرير لجنة مساعدة الانتخابات الأميركية الصادر بعد انتخابات 2020، فقد رفض مسؤولو الانتخابات أكثر من نصف مليون بطاقة اقتراع غائبة مرسلة بالبريد أعادها الناخبون ولم يتم احتسابها، كما أنه من بين ما يقارب 91 مليون بطاقة اقتراع بالبريد أرسلها مسؤولو الانتخابات إلى الناخبين في جميع الولايات، لم يتم إرجاع سوى 70 مليون بطاقة فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حروب التصويت

ومع اقتراب انطلاق عملية التصويت بالبريد بعد نحو أسبوع واحد، بدت حروب التصويت مشتعلة بين الجمهوريين بقيادة ترمب والديمقراطيين، إذ رفعت اللجنة الوطنية الجمهورية عاصفة من الدعاوى القضائية التي تتحدى قواعد التصويت، ووعدت بأن مزيداً في الطريق، كما حشد الديمقراطيون فريقاً قانونياً للاعتراض على جهود الحزب الجمهوري لإزالة بعض الناخبين غير النشطين أو غير المواطنين من قوائم الناخبين، بحجة أن عديد من الناخبين الشرعيين سيحرمون من التصويت في عمليات التطهير بالولايات الخاضعة لسيطرة الجمهوريين.

ويزعم الديمقراطيون أن الجمهوريين صعدوا من خطابهم في شأن تصويت غير المواطنين، على رغم أن التحقيقات المتكررة أظهرت أن ذلك لم يحدث أبداً، كما يدفع البعض لمنح المجالس المحلية المنتخبة في الولايات القدرة على رفض التصديق على نتائج الانتخابات، مما يثير المخاوف من أن ترمب يضع الأساس ليزعم مرة أخرى أن الانتخابات سرقت منه إذا خسرها.

وأثار فريق ترمب عديد من المشكلات السياسية والنزاعات القانونية في شأن الولايات الـ17 التي تسمح بتلقي بطاقات الاقتراع بالبريد التي تحمل ختم يوم الانتخابات وفرزها في وقت لاحق بعد يوم الانتخابات المحدد فيدرالياً، وهو الخامس من نوفمبر هذا العام، مدعياً أن هذه الممارسة تمدد يوم الانتخابات بصورة غير قانونية، وأنه يجب أن تتم عمليات فرز الأصوات في ذلك التاريخ فحسب.

ولكن في الواقع وعلى مدى سنوات، كانت الولايات تكمل التصويت في يوم الانتخابات بما يسمى "التصويت الملائم" والذي يأتي في شكلين، أولهما بطاقات الاقتراع بالبريد التي صممت في الأصل على أنها بطاقات اقتراع غيابية ومنها بطاقات اقتراع بالبريد من دون عذر، حيث إذ لأي شخص الوصول إليها، أما الشكل الثاني فهو التصويت المبكر بصورة شخصية قبل يوم الانتخابات في مواقع الاقتراع في الدوائر الانتخابية أو المقاطعات عبر نوافذ محددة قبل يوم الانتخابات وبحسب ما تقرره كل ولاية.

الفرز المسبق

ويعتقد الجمهوريون أن فرز الأصوات مبكراً يزيد من احتمالية التلاعب، ومع ذلك فإن الفرز المسبق أي السماح للقائمين على الانتخابات بالبدء في فرز الأصوات المرسلة بالبريد قبل أيام من يوم الانتخابات، لا يبدو مثيراً للجدل، إذ كانت هذه الممارسة قائمة في 27 ولاية عام 2020، والآن امتدت لتشمل 43 ولاية قبل عام 2024، ويشمل ذلك الولايات الحمراء الجمهورية والولايات الزرقاء الديمقراطية والولايات الأرغوانية المتأرجحة.

لكن من بين الولايات الرئيسة المتأرجحة، تحظر بنسلفانيا وويسكنسن فقط هذه الممارسة، إذ تسمحان بفرز الأصوات بالبريد فقط بدءاً من يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر، ما يؤدي إلى امتداد عملية فرز بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد، والتي تستغرق جهداً ووقتاً لأيام عدة، ما يعني أسبوعاً انتخابياً طويلاً ومزعزعاً للاستقرار نظراً إلى أن الفرز البطيء للغاية لأصوات البريد من شأنه أن يعطى صدقية للمخاوف في شأن نزاهة الانتخابات الأميركية، والتي استغلها دونالد ترمب وحلفاؤه عام 2020 في ولاية بنسلفانيا على سبيل المثال، عندما كان متقدماً بعد فرز الأصوات التقليدية بالتصويت الشخصي يوم الانتخابات أو في التصويت المبكر، قبل أن يتقدم عليه جو بايدن خلال الأيام التالية بعد فرز الأصوات بالبريد والتي وصلت إلى نحو مليون و200 ألف صوت، مما دفع ترمب إلى الادعاء بأن الأصوات بالبريد مزورة.

وعلى رغم دفع مجلس النواب بولاية بنسلفانيا الذي يسيطر عليه الديمقراطيون لمشروع قانون يجعل فرز بطاقات الاقتراع بالبريد قبل يوم الانتخاب، فإن مجلس الشيوخ بالولاية الذي يسيطر عليه الجمهوريون عرقل المشروع حتى الآن.

وكما كانت الحال عام 2020، من المرجح أن تكون هناك فترة من عدم اليقين بعد يوم الانتخابات عندما لا تزال الأصوات تحصى في الولايات المتأرجحة الرئيسة مثل ويسكنسن وبنسلفانيا، مما يثير القلق بحسب ريتشارد بيلدس الأستاذ المتخصص في قانون الانتخابات في جامعة "نيويورك"، والذي اعتبر أن استمرار جهود تعطيل عملية فرز الأصوات حتى وقت متأخر ينذر بالأسوأ بالنظر إلى الجدول الزمني للتصديق على التصويت، لأنه بموجب القانون الفيدرالي، يجب أن تحصل الولايات على نتيجة رسمية للانتخابات بحلول الـ11 من ديسمبر (كانون الأول)، أي قبل ستة أيام من اجتماع الهيئة الانتخابية (ممثلي المجمع الانتخابي)، بالتالي فإن تأخير جهود التصديق على المستوى المحلي قد يعرض الولايات لخطر تفويت هذا الموعد النهائي.

صناديق الإسقاط

ويثير المحافظون والرئيس السابق ترمب مخاوفهم مما يسمى صناديق الإسقاط، وهي صناديق كبيرة نسبياً توضع في أماكن محددة كي يسقط فيها الناخبون بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد، إذ ينظر إليها كثر من الجمهوريين نظرة سلبية ويعدونها أداة أخرى من أدوات تزوير الانتخابات، بخاصة في الولايات المتأرجحة والحاسمة مثل ويسكنسن التي تعد واحدة من بين 30 ولاية في الأقل تستخدمها، وفقاً لمؤسسة التصويت الأميركية.

وفي حين تم تقييد وصول الولايات المتأرجحة الرئيسة، بما في ذلك جورجيا وبنسلفانيا وأريزونا إلى صناديق الإسقاط بعد نتائج انتخابات عام 2020 بسبب المخاوف في شأن أمن الانتخابات، وتوقف استخدام ولاية ويسكنسن لها عام 2022 باعتبار صناديق الإسقاط غير قانونية، فإن المحكمة العليا في ويسكنسن تراجعت وأعادت صناديق الإسقاط إلى العمل في الولاية التي ستكون بالغة الأهمية لمحاولات دونالد ترمب وكامالا هاريس للوصول إلى البيت الأبيض.

بذور الشك تزدهر

ومع رفض ترمب مراراً الالتزام بقبول نتائج الانتخابات بدا أن هذا الجهد يشكل تحدياً من شأنه أن يختبر مرة أخرى قوة نظام التصويت في الولايات المتحدة ومؤسساتها الديمقراطية، وربما يمتد من مسؤولي الانتخابات في المقاطعات إلى الكونغرس، مما يشير إلى أن محاولة ترمب الطعن في نتيجة الانتخابات عام 2024 ستكون مشابهة إلى حد كبير لجهوده عام 2020، إذ بدأ بزرع الشك حول نزاهة الانتخابات، وقد يستمر بعد ذلك.

ولكن الأهم أن فكرة سرقة انتخابات عام 2020 انتقلت من الهامش إلى كونها ركيزة للحزب الجمهوري، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث الرأي العام في يناير (كانون الثاني) الماضي أن 66 في المئة من الجمهوريين يعتقدون أن انتخابات 2020 سرقت، وهو ما أكده ترمب في مقطع فيديو مسجل مسبقاً تم بثه طوال الليالي الأربع للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو (تموز) حين قال "أهم شيء يتعين علينا القيام به هو حماية التصويت، عليك أن تبقي عينيك مفتوحتين لأن هؤلاء الناس يريدون الغش وهم يغشون بالفعل، وبصراحة، هذا هو الشيء الوحيد الذي يجيدونه".

المزيد من تقارير