Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ادفع لتدخل… 100 دولار بين المواطن السوري وبلده

عالقون على الحدود يرفدون خزينة النظام بأموالهم للسماح لهم بالدخول

لا يبيع المصرف المركزي السوري دولاراً واحداً في الداخل فيضطر المواطن لشراء المبلغ من السوق السوداء (أ ف ب)

ملخص

بات النظام السوري سبّاقاً في منع رعاياه من دخول بلدهم قبل دفع الرسوم.

يكاد يكون النظام السوري الوحيد في العالم الذي يجبر المواطنين التابعين لمناطق سيطرته على دفع مبلغ 100 دولار أميركي على الحدود البرية وفي المطارات خلال قدومهم إليها سياحاً أو عائدين من زيارات قصيرة، ولو كانت لساعات معدودة، كما هي حال الحركة الحدودية النشطة بين لبنان وسوريا التي يقصدها مئات بل آلاف يومياً لأغراض يسيرة الإنجاز زمنياً، مثل موعد في سفارة، أو زيارة طبيب، وغير ذلك.

القانون الأغرب!

لدى عودة ذلك الزائر "الخفيف" إلى بلده عليه تصريف 100 دولار أميركي على الحدود، ويعطى عوضاً منها ما يعادلها بالليرة السورية ولكن وفق تسعيرة المصرف المركزي، مما يعني خسارة ما بين 100 و150 ألف ليرة سورية، أي 10 في المئة بالحد الأدنى من قيمة الورقة النقدية الأميركية. وكم من ألف سوري يدخل ويخرج يومياً، وعلى رغم ذلك تظل خزينة النظام خالية من القطع الأجنبي.
وفي حال كان ذلك المواطن السوري لا يمتلك "الورقة ذات صورة بنجامين فرانكلين"، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، فسيظل محتجزاً على الحدود حتى يتصل بأحد في الداخل ليأتيه بالمبلغ.

معادلة مستحيلة

ولا يبيع المصرف المركزي حتى دولار واحد في الداخل، فيضطر المواطن السوري للتسلل مثل اللصوص لشراء المبلغ من السوق السوداء، بعد إجراء كثير من المكالمات عبر تطبيق "واتساب" خصوصاً، نظراً إلى صعوبة مراقبته. وإن ألقي القبض عليه فسيواجه عقوبة بالسجن قد تمتد لسبعة أعوام بحسب القوانين المرتبطة بالدولار والتعامل به في السوق السوداء.

 

 

تلك المعادلة المركبة تفضي في محصلتها الأسوأ إلى عالق على الحدود، وآخر في السجن، والنظام لن يتنازل عن جبايته للقطع الأجنبي من مواطنيه الذين يجبرهم على رفد الخزانة. وتكبر المشكلة حين يكون القادمون عائلات مكونة من عدة أفراد، فبدل دفع الـ 100 دولار، سيكون عليهم دفع مئات.

ادفع لتدخل بلدك

بدأت قصة التصريف تلك بقانون ملزمٍ صدر في مرحلة تفشي فيروس كورونا في أواسط عام 2020، وكان ولا يزال مشكلة ملحة يرفضها الجميع ويتحدثون عنها مطالبين بإلغائها، نظراً إلى ما تفرضه من شروط مقيدة للحرية، وهو ما يتنافى مع الدستور والمواثيق الدولية والأممية وحقوق الإنسان، وبخاصة أن الشخص الذي لا يتمكن من الدفع قد يظل محتجزاً حتى سداد المبلغ دون إتاحة استفادته من أي عذر وأي سبب قاهر، لتكون المعادلة "ادفع لتدخل بلدك"، بينما يدخل مواطنو جنسيات أخرى مجاناً، وآخرون برسوم مخفضة للغاية عما يدفعه السوري.

قرار لا نقاش فيه

وكان مدير إدارة الهجرة والجوازات، اللواء ناجي نمير ذكر في تصريحات سابقة أن "القرار المتخذ يمنع السوري من الدخول ما لم يملك المبلغ المطلوب تصريفه، ومن ثم لا يمكن له تجاوز الحدود نحو بلده، إذ يُعاد من حيث جاء"، أي باتجاه الأراضي اللبنانية، وهناك ترفض القوى الأمنية بدورها إعادة إدخاله بحكم أنه أكمل أوراق خروجه، وتتداخل في الأمر أسباب أخرى تتعلق بصعوبة الدخول إلى لبنان أساساً. في هذه الحال، وهي الحال العامة، يُقذف بالمواطن مجدداً نحو الأراضي السورية، تحديداً باتجاه أحد المعابر الحدودية من جهة بلده، على أن يستكمل حياته، فيُسمح له بالنوم والأكل والشرب وإجراء الاتصالات بل حتى ممارسة رياضة الصباح لو شاء، وسيبقى كذلك حتى تصله الأموال ليتمكن من الدخول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"ورقة إمبريالية"

ذلك الأمر حصل فعلياً مع كثر، كان من بينهم الشاب أحمد عجان، الذي لم تستغرق زيارته إلى لبنان سوى ساعات معدودة وكانت لموعد طبي حُجز سابقاً مع كل ما يثبته ويؤكده، وهو ما اعتقد أحمد أنه سيكون كفيلاً بإدخاله بلده بمجرد إبراز وثائقه وتحاليله الطبية على الحدود، مستنداً إلى أن ساعة خروجه معلومة، وكذلك ساعة عودته، وما بينهما من وقت قليل.

 

 

يقول أحمد، "تقاذفنتي الرُتَبْ والإدارات والأقسام في ما بينها، علمت سريعاً أنهم جميعاً ينفذون قراراً ليسوا مسؤولين عنه، بل حتى كثر منهم غير مقتنعين به، فعموماً وزارة الداخلية هي من تسيطر على المعابر مع الجمارك والمفارز الأمنية، فيما قرار منع الدخول مقرون بقرار صادر عن وزارة المالية ومتابَع من وزارة النقل ومؤيَّد من الحكومة". ويضيف، "لم أتعرض لأية إهانة، فأنا لست مجرماً، وأحظى بوظيفة جيدة في بلدي، ولست أتسول في هذا المكان، ثم كيف سيهينني أحد أكثر مما أنا فيه من إهانة وأنا أقف على أطلال بلدي التي تفصل بيني وبينها ورقة إمبريالية رجعية كما تعلمنا في صغرنا، ودون ذلك فأنا الذي فقد ثلاثة من أصابعه في انفجار مفخخة، صرت أفكر، أيعقل ألا يقبلوا أصابعي الثلاثة بدلاً من الـ100 دولار، ولكن القانون هو القانون، وافق الدستور أم خالفه، من يبالي أساساً؟".
وبعدما حلّ المساء، يئس أحمد من الانتظار وقد خيّم الظلام فوقه، وتأكد أنه سيدفع الآن أو غداً أو بعد عام، وقال بسخرية أنه أخيراً أجرى اتصالاً بصديق وقال له "اذهب إلى أي تاجر عملة واشترِ لي 100 دولار من السوق السوداء لأدفعها فتصير بيضاء وقانونية وأعبر إلى بيتي لأنام".

من أجل كل ذلك النعيم سندفع؟

كذلك كان على ميادة الشيخ وأسرتها العائدة من زيارة استغرقت بضعة أيام لأقاربها في لبنان، أن تصرّف 100 دولار عن كل فرد في عائلتها، وكانوا خمسة أشخاص. وتشرح كيف نظرت وأفراد عائلتها إلى بعضهم مستهجنين غرابة الموقف وفداحته خلال تجربتهم الأولى مع الوقوف على كوّة الدفع حيث ينتظم عشرات الأشخاص على عددٍ من الكوّات الحدودية.
ميادة الحاصلة على شهادة دراسات عليا في الأدب الإنجليزي كانت بالطبع تعرف القرار وقرأت عنه كثيراً، لكنها تشرح أن "آلية التنفيذ والموقف بحدّ ذاتهما كانا غريبين، خصوصاً مع بطء الإجراءات وتعطيلها أحياناً"، فيما كانت تلتفت حولها وتشاهد رعايا دول أخرى يدخلون دون أن يدفعوا مقابلاً، مستذكرةً –على حد تعبيرها- "مشاهد الحرب المريرة" التي مرت على بلدها وكانت شاهدةً عليها، متوقعةً، وهي التي رفضت مع أسرتها الهجرة مراراً، أن يقال لهم شكراً في الأقل بنهاية الحرب، لا أن يقال لهم إن لم يكن معكم المبلغ عودوا من حيث أتيتم.

 

 

وتتابع "لماذا سندفع الـ100 دولار؟ لأجل رواتبنا التي لا تتخطى الـ20 دولاراً، من أجل ساعتَي كهرباء في اليوم، أم من أجل مياه شرب لا تصل المنازل، وإن وصلت فهي تسمم مناطق بكاملها كما حصل في ريف طرطوس ومصياف سابقاً؟ أم من أجل انتظار ثلاثة أشهر للحصول على أسطوانة غاز، أو من أجل 50 ليتر بنزين شهرياً بسعر تفوق على الأعلى عالمياً، أم لنتنعم بمناظر الدمار وخراب الشوارع وغياب الخدمات؟".

مخالفة صريحة للدستور

وتحدث المستشار القانوني جورج كروما حول ذلك القرار وصوابيته القانونية، فبيّن أن "القرار بهيئته وشكله وموضوعه يشكل مخالفة صريحة للمادة (38) من الدستور السوري الذي يتفوق بسياديته القانونية على كل ما عداه". وأشار المستشار إلى أن المادة (38) تنص على "عدم منع المواطن السوري من دخول وطنه أو حتى دخوله بطريقة مشروطة"، وأن نصاً بهذا الوضوح يتنافى بصورة جذرية مع كل المبررات الحكومية التي سيقت في إطار تبرير قرار الدفع، عدا عن أنه يشتمل على جزئية قانونية مخالفة أخرى لا تقل أهمية عن نص المادة الدستورية، وهو المرسوم الذي يمنع التداول أو التعامل بالقطع الأجنبي لأغراض غير الحيازة الشخصية الخاصة".

ودعا كروما "ضحايا القرار ممن دفعوا وقتاً وجهداً وكرامةً خلال عدم تمكنهم من دخول البلاد، إلى رفع دعاوى قانونية بوجه الحكومة السورية بسبب مخالفتها الدستور"، مؤكداً أن "دور المحكمة الدستورية العليا لا يقل أهمية في هذا السياق بوصفها رقيباً قانونياً على القوانين الحكومية".
وليكتمل عقد غرابة القرار ذلك فوجئ السوريون القادمون مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري عبر مطار دمشق الدولي بمنحهم "شيكات" ليصرفوها من أفرع المصرف التجاري في المحافظات بقيمة المبلغ بالليرة السورية بدل ما كان معمولاً به من تصريف مباشر في المطار. مما أثار استياء شريحة كبيرة كانت تنتظر التراجع عن ذلك القانون لا تكبيله بمزيد من التعقيد وساعات الانتظار الطويلة أمام أبواب المصارف لصرف "شيكاتهم"، في واحدةٍ من السياسات غير الغريبة على النظام السوري.
ونشرت وزارة النقل التابعة للنظام على الفور بياناً مقتضباً قالت فيه "بهدف تبسيط وتسريع إجراءات صرف الـ100 دولار من كوات المصرف التجاري السوري، سيتم إعطاء القادمين شيكاً مالياً عوضاً عن المبلغ النقدي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير