Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة فردية بأدوات بدائية تعيد الحركة لمبتوري غزة

لا تتوفر لذوي الاحتياجات الخاصة عمليات تأهيل بسبب إغلاق المعابر وفصل الشمال عن الجنوب

ملخص

مبادرة بدائية تعيد قدرة المشي لمبتوري الحرب على غزة، وهذه قصة أخوين بادرا إلى صناعة أطراف من الأخشاب وأنابيب البلاستيك.

بعد رحلة بحث طويلة عثر المعالج الوظيفي صلاح سلمي على ماسورة بلاستيكية، حملها بحب إلى الخيمة التي يعيش فيها بغزة، وبسرعة أوقد في أعواد الحطب ناراً وشرع في صناعة طرف اصطناعي بلاستيكي بدائي ليساعد مبتوري الحرب في المشي مجدداً.

ومن أمام تنكة حديدية يستخدمها صلاح، جلس يزيد من ضراوة النار الذي يشتعل في الحطب يضحك ويقول إن "هذه الوسيلة من ابتكارات الحرب لعدم توافر غاز الطهي"، وما إن يرتفع اللهب حتى يمسك بيده التي تتصبب عرقاً ماسورة بلاستيكية ليقوم بصهر أطرافها.

الجنوب بلا مراكز أطراف

ومع بدء البلاستيك بالذوبان يبتسم صلاح ويشرع في تسوية الأنبوب، وبينما يفعل ذلك كان شقيقه عبدالله يسخن سكيناً على النار نفسها، وبواسطتها ينحت البلاستيك بطريقة معينة ليتمكن من تجهيز طرف اصطناعي بدائي.

وكان عبدالله يعمل قبل الحرب في مركز للأطراف الاصطناعية تابع لبلدية غزة، لكنه توقف عن صناعة الأدوات المساندة لذوي الإعاقة بسبب النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، ولكن مع تزايد أعداد المبتورين الذين يحتاجون إلى أطراف اصطناعية بادر إلى مساعدة هؤلاء على المشي مجدداً.

وفي شمال غزة الذي تعتبره إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة هناك ثلاثة مراكز لصناعة الأطراف الاصطناعية، لكن بسبب الحرب خرجت جميعها عن الخدمة وغير معروف ما إذا تعرضت مباني هذه المصانع لأضرار بسبب الحرب أو لا تزال سليمة.

ويقول "في جنوب غزة لا يوجد أي مركز لصناعة الأطراف على رغم أن هذه البقعة يعيش فيها معظم مصابي الحرب والمبتورون هنا يواجهون مصيراً صعباً في محاولة تأهيلهم، ولذلك حاولتُ أن أصنع بواسطة أدوات بدائية أطرافاً اصطناعية تساعد ذوي الإعاقة في المشي مجدداً".

أما شقيقه صلاح فقد كان يعمل قبل الحرب معالجاً وظيفياً في مستشفى تأهيل الأطراف، وبواسطة مهاراته العالية كان يساعد مبتوري غزة في استخدام الأطراف الاصطناعية، ويؤهل أجسادهم للتعامل مع الأطراف، سواء المشي أو الحركة أو استخدامات اليد.

مبادرة بدائية

في حرب غزة لم يحتمل صلاح وشقيقه عبدالله أن يشاهدوا المصابين والمبتورين والأشخاص الذين فقدوا أطرافهم بائسين يائسين وعاجزين عن توفير أطراف، ولذلك قرروا استخدام مهاراتهما في مساعدة هذه الفئة، ويضيف صلاح "في غزة من الصعب توفير الأطراف للمبتورين، فإسرائيل تفرض إغلاقاً على المعابر وتمنع خروج المصابين للعلاج في الخارج، ونحن بإمكاننا أن نقدم لهم ولو شيئاً بسيطاً من الإمكانات القليلة المتوافرة".

ومن خلال إعادة تدوير مواد محلية بسيطة بدأ الأخوان صناعة الأطراف الاصطناعية، ويقول عبدالله "نفذنا الفكرة وصنعنا أطرافاً بدائية بالإمكانات المتوافرة، ولكنها بالنسبة إلى ذوي الإعاقة إنجاز كبير يسهّل حياتهم".

ويتكون الطرف الاصطناعي الذي صنعه صلاح وشقيقه من الخشب وأنابيب بلاستيكية تستخدم في إمدادات الصرف الصحي، ويجري الأخوان على تلك المواد الخام عملية طويلة من إعادة التدوير لتهيئة المواد الخام لتخرج بصورة طرف مريح، ويساعد مبتوري الحرب في تأدية أمورهم الحياتية اليومية.

ويوضح صلاح أنهما نجحا في صناعة أطراف عدة ثابتة تحت الركبة أو متحركة بمفصل، وعلى رغم بساطة المواد المستخدمة إلا أن الحصول على الخام الضروري لصناعة الأطراف أمر ليس سهلاً، إذ باتت الأخشاب وأنابيب البلاستيك نادرة في الأسواق.

تجربة المشي مجدداً

يصنع الأخوان الأطراف في خيمة إيواء بسيطة حولاها إلى ورشة عمل متواضعة، وفيها كان يجهز صلاح طرفاً ثابتاً أعلى الركبة صُنع بعناية ليناسب شاباً بطول 170 سنتيمتراً ووزن 80 كيلوغراماً.

على عكازيه وبقدم واحدة يمشي سعد إلى خيمة صناعة الأطراف وعلامات الارتياح تظهر على تقاسيم وجهه، ويقول "عثرت على حل لمشكلتي التي لطالما عانيت منها منذ بتر رجلي".

جلس سعد إلى طاولة خشبية ومد ساقه، وفوراً أخذ المعالج الطبيعي صلاح يلبسه قطعة قماشية تميل للمطاط تشبه المشد في مكان البتر، سهلت له إدخال الطرف المبتور في أنبوب بلاستيكي أصبح بفضل الأخوين يشبه طرفاً اصطناعياً، ثم ثبت صلاح الطرف البدائي في القدم المبتورة بواسطة المسامير وشده برباط قوي، وبعد ذلك اختبر إذا كان الطرف قابلاً للطي والثني، وفجأة صفق المعالج الوظيفي وهتف "أصبح سعد قادراً على ارتداء ملابسه بنفسه وأصبح الطرف بديلاً عن عكازيه، وهو قادر على المشي مجدداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تكن فرحة سعد توصف عندما جرب الطرف الاصطناعي وبواسطته تمكن من الجلوس على مرتبة أرضية ثم يقف ويخطو أول خطوة له، ويقول "الآن أصبحت قادراً على الوقوف وارتداء ملابسي من دون مساعدة أحد، واصطحاب أطفالي للتجول وإحضار المستلزمات الأساس".

مبادرة يحتاج إليها الجميع

لم يكن سعد وحده من استطاع الأخوان صلاح وعبدالله تركيب طرف له، فمن قبله ركبا أطرافاً اصطناعية لمئات المبتورين وجميعهم شعروا بالراحة النفسية لإنهاء معاناة التليف والعضلات، وباتوا قادرين على السير مجدداً من دون عكاز طبي.

وفي غزة يحتاج المبتورون إلى مبادرة صلاح وعبدالله بشدة، إذ تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن الحرب تسببت في أكثر من 11 ألف حالة بتر أطراف، بينها 4 آلاف حالة بتر في أوساط أطفال لا تتوفر لهم أطراف اصطناعية أو متطلبات العلاج.

ويفتقر المبتورون إلى الرعاية الطبية والمرافق التي تساعدهم لاحقاً في التدريب وتأدية أدوار حياتهم بسهولة، إذ يتعرض هؤلاء لمزيد من الخطر بسبب عدم قدرتهم على الفرار من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير