Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا في مرمى نيران "مهاجري المناخ" الأفارقة

الكوارث البيئية وتردي الأوضاع المعيشية يدفعان السكان إلى اللجوء نحو القارة العجوز

فيضانات الكاميرون صيف 2024 (موقع المجلس النرويجي لللاجئين)

ملخص

تضرر أكثر من 2.3 مليون شخص في غرب ووسط أفريقيا من الفيضانات حتى الآن منذ بداية 2024 بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

أصبحت دول وسط وغرب أفريقيا في الخطوط الأمامية لعواقب تغير المناخ مع تعرض أجزاء واسعة لفيضانات غير مسبوقة خلفت عدة مئات من القتلى وآلاف المشردين الأمر الذي يعمق الأزمة الإنسانية التي تعانيها هذه المناطق بالفعل، نتيجة التوترات الأمنية والسياسية، ليطل من ثنايا الكوارث المدمرة ارتفاع في أرقام "المهاجرين المناخيين".

وتشتد الظواهر الجوية الشديدة من الجفاف والفيضانات وموجات الحر بصورة صارخة من حوض بحيرة تشاد إلى دول الساحل وغرب أفريقيا، لكن حدة الأمطار التي تسقط منذ يونيو (حزيران) الماضي في عدد من بلدان المنطقة وصولاً إلى الأسابيع الأخيرة، رفع حالة التأهب القصوى بعدما أظهرت هشاشة البنى التحتية التي تهاوت بسرعة أمام هول الكوارث الطبيعية.

وتضرر أكثر من 2.3 مليون شخص في غرب ووسط أفريقيا من الفيضانات حتى الآن منذ بداية 2024، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

وأكد المستشار الإقليمي لغرب ووسط أفريقيا بالمجلس النرويجي للاجئين عثمان درابو غياب أرقام حديثة على مستوى المنطقة حول عدد النازحين بسبب الفيضانات، لكنه أوضح في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن تحركات السكان في الساحل الأفريقي، ترجع بصورة رئيسة إلى الصراعات المسلحة ثم آثار تغير المناخ.

وتشمل البلدان الأكثر تضرراً السودان وتشاد وغينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر إذ سجلت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وفقاً للمذكرة الخاصة حول الفيضانات في منطقة الساحل التي نشرها نظام المعلومات الزراعية الإقليمية التابع لتكتل "إيكواس"، وتوصل إلى أن كميات الأمطار المسجلة في الأسابيع الأخيرة كانت أعلى بنسبة تراوح ما بين 120 في المئة و600 في المئة من المتوسط المرجعي للفترة 1991 و2020.

أما بالنسبة لتوقعات التكتل، فإن العقد المقبل يرجح أن يكون ممطراً، خصوصاً في وسط وشرق منطقة الساحل، بما في ذلك دول مثل موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ومعروف عن الساحل الأفريقي هذا الشريط الشاسع شبه القاحل الذي يمتد على طول الصحراء الكبرى، كان دائماً منطقة تتميز بدورات من التغير المناخي، ويقول القدماء إن هذه الأراضي شهدت منذ زمن طويل مواسم أمطار غزيرة، كانت الأنهار ممتلئة والحقول خصبة، وقام السكان بتكييف أسلوب حياتهم مع هذه الطبيعة الوفيرة، ثم بعد هذه الفترة من الوفرة أصبحت الأمطار نادرة وجفت الأنهار، ودخلت المنطقة في فترة جفاف طويلة.

 

 

ويوضح الباحث والناشط البيئي في الجزائر خالد فضيل في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، أن "التغيرات المناخية انتقلت منذ سنوات من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ظاهرة التطرف المناخي التي أفرزت مواسم جفاف قاسية ثم انتقلت إلى حدوث فيضانات وأعاصير ونسب عالية من التساقطات المطرية".

ومن خلال ما أوردته تقارير دولية وتوقعات خبراء، أشار الناشط البيئي الجزائري إلى ارتفاع حدة الكوارث الطبيعية، خصوصاً في دول البحر المتوسط وغرب أفريقيا، إذ إن 30 بلداً سيعاني من القلق المائي، بينما منظمة "فاو" قالت إنه في سنة 2023 إذا استمرت ظاهرة التغيرات المناخية سيتناقص الإنتاج الزراعي العالمي من 15 إلى 35 في المئة، مما يشكل تحديات للدول التي تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وتنبئ هذه التحديات بانتعاش ما يسمى "الهجرات المناخية"، في مناطق ساخنة سياسياً وأمنياً بالأساس، مستدلاً بتشاد التي تضرر منها أكثر من مليون شخص نتيجة السيول الجارفة، ويعني هذا المصطلح الهجرات الداخلية والخارجية وتحرك شعوب وقبائل إلى أماكن أكثر أماناً هرباً من الجفاف أو لغياب مصادر الغذاء والماء، وهذا يعاكس تماماً الأطر الدولية مثل إطار "سانداي للحد من أخطار الكوارث خلال الفترة من 2015 إلى 2030" الذي يضمن هجرة آمنة لكل شعوب الدول.

ويشاطر المتخصص في الشأن البيئي حمدي حشاد في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، هذا الرأي، مبيناً أن جزءاً كبيراً من المهاجرين الذين يرغبون في الوصول إلى البحر المتوسط أو من يطمحون لبلوغ جزر الكناري يمكن تصنيفهم "مهاجرين مناخيين" فروا من الجفاف وضعف فرص المعيشة.

وأكد حشاد أن التغيرات المناخية أصبحت تحدث بنسق متسارع وأكثر تدميراً تشهد فجأة جفافاً وأمطاراً غزيرة، وهي تقريباً تمس دولاً تعيش هشاشة نوعاً ما سواء أمنياً أو اقتصادياً أو مناخياً.

ومنذ فترة بدأت التغيرات البيئية في دفع المشكلات المحلية نحو الانفجار، إذ تعتمد المجتمعات الفلاحية بصورة كبيرة على الزراعة والرعي، وعندما تكون مدمرة تضر بنسق عيش هؤلاء وتدفع للهشاشة الحياتية وتضر بمحاصيلهم.

ولفت حمدي حشاد إلى أسباب الخسائر المادية والبشرية التي لخصها في ضعف الحوكمة والحكومة المركزية والتنمية واستشراء الفساد.

بدوره، يكشف الباحث في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا طارق لملوم، عن تناقض غريب إذ أصبح النازحون في مواجهته في ظل السيول العارمة الأخيرة التي ضربت البلاد، ولفت إلى مناطق الشرق والجنوب الليبي، خصوصاً الكفرة وسبها التي تعد موقعاً لعدد من مراكز الاحتجاز والاتجار بالبشر، غير أنه بعد التغير المناخي والسيول غير المتوقعة، أغرقت جزءاً كبيراً من المدينة الحدودية مع السودان، مما أفرز تغيرات حتى داخل ليبيا، فعندما فر السودانيون من بلادهم هرباً من الفيضانات وجدوا أماكن غير آمنة أيضاً في الجنوب الليبي جراء كوارث الأمطار الغزيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع لملوم في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أنه بعد الاضطرابات الجوية الأخيرة في الجنوب حتى على صعيد أماكن احتجاز المهربين اللاجئين الأفارقة المتدفقين من الساحل الصحراوي، تغيرت من سبها والكفرة إلى قرب السواحل البحرية لتسهيل تهريبهم إلى أوروبا.

لكن بالنسبة للخبير التشادي في الشؤون الأفريقية إبراهيم زين كونجي، فإن "الأزمات المناخية في القارة السمراء لا تقارن بالتوترات السياسية والأمنية"، وهي قضية مزمنة مع أفريقيا منذ قدوم الدول المستعمرة وتزايد الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والانفلات الأمني المصطنع ونشاط القوى المسلحة التي تشرد وتقتل، وذكر أن الأزمات البيئية ليست كثيرة في القارة الأفريقية مقارنة مع قارات أخرى تعرف الأعاصير والزلزال.

ويرى إبراهيم زين كونجي أن حجر الزاوية في كل المشكلات التي تعانيها دول المنطقة، "الفساد الإداري وغياب البنى التحتية وهو ما يفاقم من عناء السكان بسبب الظواهر المرتبطة بالمناخ"، واستشهد بما حدث مثلاً في تشاد والنيجر ومالي من تساقطات مطرية بمستويات قياسية، ولغياب الصرف الصحي وأنظمة صلبة للبناء إذ يشيد السكان منازلهم كما يشاؤون وقرب مجاري الأنهار مما أوقع فيضانات مدمرة.

وأعلن الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ سيمون ستيل، أخيراً أن تداعيات الاحتباس الحراري العالمي تكلف دول القارة ما يصل إلى خمسة في المئة من ناتجها الاقتصادي، في حين تتلقى أفريقيا التي تضم 54 دولة واحداً في المئة فقط من التمويل العالمي السنوي المخصص للمناخ، على رغم أنها تتحمل العبء الأكبر من تداعيات الظاهرة، فضلاً عن أنها تطلق انبعاثات ملوثة أقل بكثير من الدول الصناعية.

وفي هذا السياق، يسجل الباحث خالد فضيل خسارة البلدان الأفريقية سنوياً نحو اثنين إلى خمسة في المئة كتعويضات عن الكوارث الطبيعية أو ما خلفته الزلزال والفيضانات، في حين تستخدم البلدان الأفريقية نحو تسعة في المئة من موازنتها السنوية لمكافحة الأخطار المناخية.

وتتوقع الإحصاءات معاناة 118 مليون ساكن من فقر مدقع في أفريقيا بحلول 2050، وسيكون مدخولهم اليومي 1.5 دولار، وهذا ما ينتج صراعات وحروب أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة