Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يخبئ مشروع أبناء ترمب لتبسيط تداول العملات الرقمية؟

يطمح أبناء الرئيس الأميركي السابق، عبر مشروعهم الجديد، إلى فتح عالم العملات المشفرة أمام الجمهور العام

مشروع العملات المشفرة الجديد يقف خلفه ويدعمه دونالد ترمب وأبناؤه الثلاثة (غيتي)

ملخص

مشروع "وورلد ليبرتي فاينانشال"، المدعوم من دونالد ترمب وأبنائه، يهدف إلى تبسيط استخدام العملات المشفرة للجمهور العام. على رغم طموحاته، يشكك الخبراء في قدرة المشروع على حماية المستخدمين من الاحتيالات، ويعتقد البعض أنه مجرد دعاية انتخابية.

"يمكنك حرفياً بيع القمامة في علبة ملفوفة بالبول، مغطاة بجلد بشري، بمليار دولار إذا كانت القصة مسوقة بصورة صحيحة لأن الناس سيقتنعون بها"

ينسب هذا القول، حسب وكالة بلومبرغ الإخبارية، إلى تشيس هيرو، وهو مسوق (رجل مبيعات) إلكتروني وصف نفسه بـ"الحقير"، في مقطع فيديو على يوتيوب عام 2018 من داخل سيارته رولز رويس.

بعد ستة أعوام، أصبح هيرو أحد العقول المدبرة وراء مشروع العملات المشفرة الجديد الذي يدعمه دونالد ترمب وأبناؤه الثلاثة. ويتولى الأبناء الأكبر سناً دونالد (دون) الابن وإيريك قيادة الترويج للمشروع، على رغم أن بارون البالغ من العمر 18 سنة هو من سيتولى دور "صاحب الرؤية" للمشروع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في بث مباشر على شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" مساء الإثنين الماضي، وصف دون الابن المشروع - المعروف باسم "وورلد ليبرتي فاينانشال" World Liberty Financial - بأنه "بداية ثورة مالية"، في حين قال إيريك إنه سيتحدى قوة البنوك التقليدية الكبرى من خلال جعل التعامل مع العملات المشفرة سهلاً على الأميركيين العاديين مثل النزول في أحد فنادق ترمب الشهيرة.

وصرح إيريك قائلاً "إذا كانت هناك مساهمة واحدة أريد تقديمها لعالم العملات الرقمية، فهي تبسيط استخدامها فعلياً".

وأضاف: "علينا فعلاً أن نتبنى [العملات الرقمية] كدولة بصورة جادة، لأنها قادمة لا محالة. وكل من يتجاهل العملات الرقمية ولا يريد فهمها أو حتى بذل الجهد لفهمها سيتخلف عن الركب. وفي الوقت نفسه، من واجبنا حقاً أن نجعلها مفهومة... علينا أن نجعلها بديهية وسهلة الاستخدام. وسنحقق ذلك".

وعلى رغم أن البث المباشر استمر ساعتين، لا تزال هناك تفاصيل غامضة تحيط بالمشروع إذ لم يتم الكشف عن آليات وخطط عمل المشروع أو حتى طبيعته.

ولكن على المعلومات القليلة التي نعرفها حتى الآن، فإن خبراء العملات المشفرة الذين أجرت "اندبندنت" مقابلات معهم كانوا متشككين في قدرة عائلة ترمب على حماية مستخدميها من المحتالين والمجرمين المنتشرين في عالم العملات المشفرة (ذات صلة: صدر حكم قضائي ضد دونالد ترمب وابنيه الأكبر سناً ومؤسسة "ترمب" بدفع غرامة مقدارها 454 مليون دولار في قضية احتيال مالي بمدينة في نيويورك).

ولكن هل يستطيع ترمب وشركاؤه التجاريون تحقيق ما كافح الكثير في الصناعة لأعوام لتحقيقه وتحقيق هدف إيريك المتمثل في جعل العملات المشفرة مفهومة وسهلة المنال للجميع؟

وصرح المستثمر المخضرم في مجال العملات الرقمية ومؤسس شركة "كاشه ليغال" Cache Legal، وهي شركة تخزين مستندات مدعومة بالتشفير، زاك هاملتون، قائلاً "لدينا عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جمعوا في تمويلات مليارات الدولارات [لشركاتهم]، وجميعهم يحاولون حل هذه المشكلة وجعل تعاملات العملات الرقمية سهلة مثل تعاملات بطاقة الائتمان؟"

وقال: "إنها معضلة شائكة صعبة الحل... لا أود التكهن بنجاحها من عدمه، فالمشروع لم يرَ النور بعد. قد يمتلكون مفتاحاً سرياً للنجاح، لكنني أشك في ذلك".

"شهدنا تحولاً من كوننا نخبة إلى التعرض للإلغاء التام"

كما سرد الأمر دون الابن، فقد انفتحت عيناه على عالم العملات المشفرة و"التمويل اللامركزي" - أو "دي فاي" DeFi باختصار [من المصطلح الإنكليزي ديسنترالايزد فاينانس] - عندما أوقفت البنوك التقليدية خدمة عائلة ترمب بسبب أنشطتها السياسية.

وقال الإثنين الماضي "لقد انتقلنا من كوننا النخبة في ذلك العالم إلى حالة إلغاء كاملة، وقد بدل ذلك تفكيرنا كثيراً. عندما تنظر حقاً إلى الطريقة التي نظم بها آباؤنا المؤسسون كل شيء، أعتقد أن ’دي فاي‘ هو ما كان تصورهم وليس في هذا النظام المتداعي والبيروقراطي الذي يقتات فيه الوسطاء على فتات لا يستحقونه".

تشير هذه التصريحات وغيرها من أشخاص لهم علاقة بـ"وورلد ليبرتي فاينانشال"، إلى جانب تسريبات لوثائق داخلية حصل عليها موقع "كوين ديسك" CoinDesk  المتخصص بالعملات المشفرة، إلى أن الشركة الجديدة تريد بناء نظام لامركزي للاقتراض والإقراض بالعملات المشفرة.

وفي النظام المالي التقليدي، تنحصر صلاحية تنفيذ التعاملات والتحقق منها في أيدي حفنة من المؤسسات المالية العملاقة، كالبنوك وشركات بطاقات الائتمان. عندما ترسل أموالاً عادية (تسمى الأموال الورقية  fiat money) في تحويلات دولية، لا تتحرك أي نقود فعلياً، بل يقتصر الأمر على تعديل السجلات لدى المؤسستين المرسلة والمستقبلة، بما يعكس ملكية الأموال وموقعها.

وتختلف العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثيريوم، عن العملات التقليدية، إذ إنها في جوهرها عبارة عن شبكات برمجية تعمل بصورة متزامنة على عدد من أجهزة الكمبيوتر حول العالم، مما يمكنها من تنفيذ التعاملات بصورة جماعية من طريق التعاون للتحقق من هوية بعضها البعض والتأكد من صحة العمليات الحسابية لكل منها.

ومن حيث المبدأ، هذا يعني أنه لا يمكن لأية جهة حكومية أو موظف بنكي منع أو عكس معاملة بالعملات المشفرة، والاستثناء الكبير هو منصات تبادل العملات المشفرة مثل "كوين بايس" Coinbase و"بينانس" Binance  التي تسمح لك بتحويل الأموال الورقية إلى عملات مشفرة أو العكس، التي يتعين عليها اتباع قوانين البنوك في معظم الاقتصادات الكبرى.

لكن بحسب زاك هاملتون، من المحتمل أن شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" لا تقوم ببناء منصة تبادل عملات. فمثل هذه المنصات مكلفة للغاية ويصعب إعدادها. وبدلاً من ذلك، يشتبه في أنهم سيقومون بتعديل بروتوكول إقراض قائم على العملات المشفرة مثل "آفي" Aave، الذي يستخدم "عقوداً ذكية" ذاتية التنفيذ لإتمام وتحصيل القروض دون أي إشراف بشري.

هذه ليست فكرة جديدة، يقول المحامي والمنظم السابق لسوق نيويورك الذي يقدم المشورة الآن للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية غاريث رودس، "هناك عدد من منصات الإقراض والاقتراض ’دي فاي‘ البارزة التي تعمل منذ أعوام في مجال العملات المشفرة، والتي بُنيت من قبل أشخاص يحظون باحترام كبير، وأثبتت العقود الذكية والتقنيات المستخدمة فيها كفاءتها ومرونتها. ولكن يبقى السؤال الأهم: ما الذي ستقدمه شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" لتميز نفسها في مجال تجربة المستخدم أو القدرات التقنية؟"

وفي هذا الصدد، فإن تاريخ فريق "وورلد ليبرتي فاينانشال" لا يبعث على التفاؤل. فعلى رغم الألقاب الوظيفية التي مُنحت لأفراد عائلة ترمب الأربعة في المستندات التقنية التي حصلت عليها CoinDesk، فإنهم لن يملكوا أو يديروا الشركة فعلياً، وإن كانوا قد يحصلون على منافع مالية منها.

أما القيادة الفعلية، فيبدو أنها بيد تشيس هيرو ورجل أعمال آخر هو زاكاري فولكمان، المعروفين بعلاقاتهما بنظام إقراض "دي فاي" السابق المسمى "داو فاينانس" Dough Finance. وهو نظام تعرض للاختراق وخسر 2 مليون دولار في يوليو (تموز) الماضي بعدما جمع بضعة ملايين، ويقال إنه متوقف عن العمل حالياً.

وبحسب تقرير سيرة ذاتية نشرته وكالة "بلومبرغ نيوز"، فقد جمع هيرو أمواله من خلال سلسلة من مخططات التسويق والتدريب عبر الإنترنت، التي بدا أن بعضها يخالف قواعد الإعلان في "فيسبوك"، في حين أن فولكمان هو فنان إغواء سابق كان يدير سلسلة ندوات تسمى "واعد فتيات أكثر جاذبية" Date Hotter Girls.

ونفى رودس وهاملتون معرفتهما بـهيرو أو فولكمان. ولم يسمع أي من المستثمرين في الأصول الرقمية الذين سألتهم بلومبرغ عنهما أيضاً. ولم تستجب "وورلد ليبرتي فاينانشال" ومنظمة ترمب لطلبات التعليق.

وعلى رغم ذلك، يشير هاملتون إلى أن "وورلد ليبرتي فاينانشال" تتمتع بميزة ملحوظة، وهي أن إنشاء بروتوكول إقراض مشابه لـ"آفي" Aave  يُعد الجزء الأسهل نسبياً، ويمكن تحقيقه "في غضون ساعات قليلة" من أي مكان في العالم. ويكمن التحدي الحقيقي في استقطاب عدد كافٍ من المستخدمين وجمع رأس مال كافٍ لضمان مستوى سيولة يتيح للمنصة العمل كسوق حقيقية فعالة.

ويضيف هاملتون "الميزة الوحيدة التي تمتلكها مؤسسة ترمب هي أكبر بوق إعلامي في العالم، فأي شيء يقوم به هؤلاء الأشخاص سيحظى بتغطية إعلامية مكثفة، عليك استقطاب أنظار الناس إلى ما تفعله، وإقناعهم بتحريك أموالهم".

لكن هذه الميزة الإعلامية، على رغم أهميتها، تمثل نصف التحدي فقط الذي يواجه مشروع "وورلد ليبرتي فاينانشال".

"ليست إلا مجرد دعاية انتخابية"

وفي غضون 24 ساعة من البث المباشر الإثنين الماضي، كشف المتخصص القانوني والأمني في مجال العملات المشفرة ألكسندر أوربيليس، عن إنشاء 41 نطاقاً إلكترونياً مزيفاً (مواقع إلكترونية) تنتحل هوية شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" وذلك في محاولة محتملة من قبل محتالين لاستغلال الضجة الإعلامية التي تسبب بها الحدث.

وفي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) الجاري، تعرضت حسابات تيفاني ترمب، ابنة دونالد ترمب وعمرها 30 سنة، ولارا ترمب زوجة ابنه إيريك، على منصة "إكس" للاختراق من قبل قراصنة إلكترونيين روجوا لمجموعة "وورلد ليبرتي فاينانشال" مزيفة على تطبيق "تيليغرام"، ووعدوا بمكافآت (وهمية على الأرجح) تصل إلى 15 ألف دولار بالعملات المشفرة لكل من يربط محفظته الرقمية بخدمتهم.

وهذه الإشكالات تسلط الضوء على حجم عمليات الاحتيال والسرقة التي لا تزال تعصف بعالم العملات المشفرة. فقد أشارت التقارير المقدمة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) إلى زيادة الخسائر من أقل من 4 مليارات دولار إلى ما يقارب 6 مليارات دولار بين عامي 2022 و2023.

وفي هذا السياق، صرح محقق جرائم العملات المشفرة المستقل الذي كرس العامين الماضيين من حياته لكشف شبكات العملات المشفرة المرتبطة بروسيا في أوكرانيا ريتش ساندرز، قائلاً "قطاعي لا يتسم بالشفافية، سواء مع الحكومة أو مع الجمهور العام، في شأن حجم جرائم الإنترنت".

ويفضل المجرمون العملات المشفرة لقدرتها على تجاوز الوسطاء التقليديين، إذ تتميز تعاملاتها بعدم القابلية للإلغاء أو الحظر، كما أن التداول الآمن يتطلب في الغالب معرفة تقنية متقدمة، وباستثناء الخدمات "الحافظة" مثل "كوين بايس" التي تحتفظ بالعملات المشفرة نيابة عنك على غرار البنوك التقليدية، لن تجد من يساعدك في حال ارتكبت خطأ أو وقعت ضحية لعملية احتيال. وعلى رغم إمكانية تتبع جميع تعاملات العملات المشفرة تقريباً بصورة علنية، فإن تحديد هوية المستلم الحقيقي يظل تحدياً في بعض الأحيان.

لذا، إذا كانت "وورلد ليبرتي فاينانشال" ترغب في جلب مستخدمين جدد غير متخصصين في التكنولوجيا إلى هذا العالم المحفوف بالأخطار، فكيف تخطط لحمايتهم؟ في هذا الصدد، قال مستشار "وورلد ليبرتي فاينانشال" كوري كابلان الإثنين الماضي "[في ما يخص] الأمن، لا يمكنك أبداً أن تكون مثالياً. كما تعلم أعتقد أن الأمن هو أقرب إلى رحلة، لذا فمن المهم حقاً ليس فقط بالنسبة إلي ولكن لهذا الفريق بأكمله أن نظل سريعين، وأن نتكيف، وأن نستمر في التعرف إلى المعلومات الجديدة بكثافة".

ومع ذلك، يشير كل من ريتش ساندرز وزاك هاميلتون إلى وجود تناقض حتمي بين جعل العملات المشفرة آمنة للمبتدئين ورفض لعب دور الوسيط أو الاحتفاظ بأموال المستخدمين.

وأكد ساندرز أنه "لا يوجد أي إجراء تقوم به شركة ’وورلد ليبرتي فاينانشال‘ ينفي حقيقة أن المستهلك هو من سيتحكم في مفاتيحه الخاصة، فمن غير الممكن توفير حماية للمستهلك في ظل خدمة غير حاضنة؛ ولا يمكن الجمع بين الأمرين."

ويتفق كل من ساندرز وهاميلتون على أن التأثير سيكون محدوداً، نظراً إلى أن شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" من غير المرجح أن تجذب الكثير من المبتدئين (أو أحداً منهم) إلى عالم العملات الرقمية. فالشخص الذي يختار استخدام بروتوكول إقراض لامركزي من دون القدرة على تحويل العملات التقليدية إلى عملات مشفرة هو بالفعل مستخدم متمرس ومغامر في هذا المجال.

وبدلاً من ذلك، يزعم ساندرز أن المشروع بأكمله مجرد تكتيك سياسي من دونالد ترمب لكسب تأييد مجتمع العملات المشفرة، ويضيف "شركة ’وورلد ليبرتي فاينانشال‘ نفسها بالكاد تستحق النقاش، إنها مجرد منتج وهمي لا مفر منه. ليس لديها رؤية ولا خطة ولا تلبي حاجة وليس هناك حاجة لإنشائها... فهي ليست إلا مجرد دعاية انتخابية".

وبالفعل، عندما زار ترمب حانة بتكوين في مدينة نيويورك وتحدث إلى متحمسي العملات المشفرة حول السياسة النقدية الأميركية، وسط حشد من الصحافيين تحت سقف منخفض ولكنه مزخرف بالبلاط، بدت الزيارة وكأنها محطة اعتيادية في حملة انتخابية.

غير أن هذا التوجه لا يخلو من الأخطار. فقد ناشد رائد الأعمال المؤيد لترمب والمتخصص في العملات الرقمية نيك كارتر، المجتمع التقني إيجاد طريقة لمنع إطلاق مشروع شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال"، محذراً من أن أي اختراق ناجح أو تحقيق حكومي قد يضر بالحملة الانتخابية للرئيس السابق.

ومن جانبه، يبدو زاك هاملتون أكثر تفاؤلاً، إذ يأمل أن يجذب شخص مثير للجدل كترمب انتباه الجهات التنظيمية، مما قد يدفعهم لوضع سوابق قانونية توضح ما وصفه بالمشهد القانوني الضبابي لرواد أعمال العملات الرقمية.

ويحذر هاملتون من أن أي اختراق لـشركة "وورلد ليبرتي فاينانشال"، على رغم أنه قد لا يكون ضاراً اقتصادياً، فإنه سيشكل ضربة كبيرة لسمعة صناعة العملات المشفرة. ويختتم قائلاً "آمل أن يكونوا قد أحكموا إجراءات الأمان وأجروا جميع عمليات التدقيق بصورة صحيحة، وإلا فسيجعلنا ذلك جميعاً نبدو أغبياء قليلاً".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير