ملخص
أشارت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بيان إلى تضرر جامعات كثيرة بكلياتها المختلفة في جميع أنحاء السودان وطالت الأضرار البنى التحتية من المعامل والورش والمكتبات، وكذلك القاعات والمكاتب الإدارية حرقاً ونهباً وتكسيراً، مع سرقة كل وسائل النقل والحركة في معظم الولايات.
يزخر السودان بعدد من الجامعات العريقة التي تميزت بحضورها الساطع في الداخل، وتالياً ضمن التصنيف العالمي خلال أعوام عدة، وباتت قاطرات للتقدم على الصعد كافة.
وعلى رغم مرورها بحالة من عدم الاستقرار الدراسي خلال الأربعة أعوام الماضية بسبب الاضطرابات السياسية فإنها تمكنت من الصمود في وجه الأزمات وصولاً إلى الحرب التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023، وتسببت في توقف منظومة التعليم العالي بالبلاد، فضلاً عن حجم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية وعمليات النهب والسلب والتخريب التي طالت الجامعات والمراكز البحثية والمكتبات إضافة إلى بعض مساكن أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
فداحة التدمير الذي تعرضت له 104 من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في السودان أسهم في تعطيل الدراسة لأكثر من 17 شهراً، مما خلق حالة من اليأس والإحباط لدى الطلاب وأسرهم، وخشيتهم من ضياع آمالهم وطموحاتهم، الأمر الذي دفع بعضهم إلى الهجرة بحثاً عن جامعات مستقرة لإكمال دراستهم الجامعية، في وقت غادر فيه كثير من الأكاديميين خارج السودان نتيجة الظروف الأكاديمية والاقتصادية والسياسية من أجل الحصول على فرص وخيارات جديدة.
النشأة والمنهج
عرفت الجامعات السودانية بنشأتها المبكرة ومناهجها المميزة، إذ تملك نظاماً تعليمياً يشمل التخصصات كافة، منها الآداب والاقتصاد والطب والإدارة، وكذلك النسق الجديد لما يعرف بالجامعات البحثية، باعتبارها جوهر نظام العلوم والتكنولوجيا وتمثل مراكز حيوية لأداء الأبحاث التي تعمل على تطوير المعرفة في جميع التخصصات العلمية والهندسية وتسهم في الاقتصاد الوطني وتتوفر فيها العناصر الضرورية لبناء الإنسان وتنشئته علمياً وثقافياً ومهنياً، وعلى رغم تميزها فإن طلابها يحصلون على مستويات أقل من متوسطة ضمن مستويات القياس العالمية.
وتعد جامعة الخرطوم التي تأسست على يد الاستعمار الإنجليزي وافتتحت في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 1902، كمدرسة ثانوية حملت اسم الجنرال الإنجليزي تشارلز جورج غردون باشا تخليداً لذكراه من حكومته من أوائل الجامعات السودانية، وخلال خمسة أعوام، افتتحت الجامعة كليات عدة، وهي القضاء الشرعي والهندسة وقسم للمعلمين وآخر المحاسبة والعلوم والمكتبة.
وبالوصول إلى عام 1955، أنشأت جامعة القاهرة فرعاً لها في الخرطوم، وتحول هذا الفرع في عام 1993 إلى جامعة النيلين، وبعد ذلك أنشئت جامعتا جوبا والجزيرة عام 1975، وكليات المعهد الفني السابقة التي أصبحت في ما بعد جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.
في حين تصاعد عدد الكليات بصورة كبيرة خلال عام 1990، ونمت لاحقاً الجامعات التابعة للدولة أو ما يعرف بـ"ثورة التعليم العالي" بشبكات من الجامعات المناطقية حول كل ولاية، ليصل عدد مؤسسات التعليم العالي في السودان إلى 155 منها 39 جامعة حكومية بينها ثماني جامعات في الخرطوم، إضافة إلى 116 مؤسسة تعليم عال خاصة، منها 17 جامعة و65 كلية في العاصمة بين أهلية وأجنبية، ويبلغ عدد طلاب هذه المؤسسات وفقاً لإحصاءات حديثة 719 ألفاً و575 طالباً.
ويدرس في الجامعات الحكومية نحو 300 ألف طالب والبقية يتابعون تحصيلهم العلمي في الجامعات والكليات الخاصة والأجنبية، وتحتضن كل من الولايات الـ17 الأخرى في السودان جامعة واحدة في الأقل.
من خلال مؤشرات تصنيف "ويبومتركس" العالمي للجامعات الذي صدر في النصف الثاني من عام 2023، احتلت الجامعات السودانية مراكز متأخرة للغاية، إذ جاءت جامعة الخرطوم في المركز 1869، وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا 2229، تليها جامعة الجزيرة 4256، ثم جامعة النيلين 4982، وبعدها جامعة أم درمان الإسلامية 5105، وجامعة أفريقيا العالمية 5503، وبعدها جامعة بحري 5612، ثم جامعة الزعيم الأزهري 6171، تليها جامعة العلوم والتكنولوجيا أم درمان 6213، وأخيراً جامعة كردفان 6619.
في حين لا تشمل التصنيفات العالمية الكبرى مثل "التايمز" و"شنغهاي" الجامعات السودانية، إذ يعتمد الثاني على بعض المعايير الدولية مثل عدد الخريجين والموظفين الحاصلين على جائزة "نوبل" وميداليات فليدز، في وقت تدخل فيه جامعتان فقط تصنيف "QS" الذي يعمل على التخصصات العلمية.
أضرار وإحصاءات
أشارت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السودان إلى حجم الأضرار التي تعرضت لها المؤسسات والجامعات السودانية، متهمة قوات "الدعم السريع" بالتدمير الممنهج للمؤسسات التعليمية على مستوى الأرواح والبنى التحتية والأصول الثابتة والمتحركة والممتلكات الشخصية، وطالبت المجتمع الدولي بإدانة هذه الممارسات.
وأضافت الوزارة في بيان "منذ بداية الحرب تكونت لجنة لحصر الأضرار المادية التي لحقت بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات الحكومية والخاصة ومنسوبيها والمراكز البحثية والصندوق القومي لرعاية الطلاب، واستقت معلوماتها من مصادر موثوقة ذات صلة"، لافتة إلى أنها فقدت عدداً من علمائها الذين قتلوا أثناء الحرب، فيما طال التخريب كل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بولاية الخرطوم وعدداً من الولايات الأخرى، وتأثرت هذه المؤسسات كلياً أو جزئياً، وعددها 104 جامعات منها الحكومية والخاصة، إلى جانب المراكز البحثية والصندوق القومي لرعاية الطلاب، إضافة إلى رئاسة الوزارة التي تضررت باشتعال النار في عدد من طوابقها، واحتراق عدد كبير من المكاتب.
وتابع البيان، "تضررت جامعات كثيرة بكلياتها المختلفة في البنى التحتية من المعامل والورش والمكتبات، وكذلك القاعات والمكاتب الإدارية حرقاً ونهباً وتكسيراً، وفي ولاية الخرطوم طالت الأضرار جميع الجامعات الحكومية بكلياتها، إلى جانب أكثر من 10 جامعات خاصة، و20 كلية جامعية وجامعتين أهليتين"، لافتاً إلى تأثر كليات ست جامعات حكومية وعدد من الكليات الجامعية الخاصة في الولايات.
ونوه البيان إلى "سرقة كل وسائل النقل والحركة في هذه الجامعات، وإتلاف وتدمير كبير في المباني والممتلكات، كما لم يسلم الصندوق القومي لرعاية الطلاب ومكاتبه والمراكز البحثية بمعاملها ومكاتبها وورشها من النهب والتخريب والحرق، إلى جانب استهداف ممنهج لممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات".
خيارات وبدائل
وإزاء هذا الوضع شرعت بعض الجامعات السودانية في البحث عن حلول لدعم الاستقرار الأكاديمي للطلاب، وأعلنت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا توافر فرص لطلاب الطب في دولة تنزانيا، وكذلك فعلت جامعات أخرى شراكات مع مؤسسات تعليمية في دول تركيا وروسيا والهند، إلى جانب جامعات دول الجوار الأفريقي في مصر ورواندا وأوغندا لاستيعاب مئات الطلاب في تخصصات عدة.
وفي هذا الصدد، يقول المحاضر بجامعة المشرق النور جادين، إن "جامعات دول الجوار قدمت تسهيلات وإغراءات عدة للطلاب السودانيين خصوصاً في إجراءات التقديم والقبول والرسوم الدراسية، مما أدى إلى هجرة الآلاف منهم والتحاقهم بمؤسسات التعليم العالي خارج البلاد".
وأضاف، أن "بعض الجامعات شرعت في مواصلة الدراسة من بعد، لكنها واجهت عقبات ومصاعب، منها انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت والتيار الكهربائي، علاوة على وجود غالبية الطلاب في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، إلى جانب عجزهم عن سداد الرسوم الدراسية بسبب نفاد مدخرات أسرهم المالية".
وتوقع جادين توقف عدد من الجامعات الخاصة والكليات الأهلية عن العمل بصورة نهائية وإغلاق دورها في فترة ما بعد الحرب نتيجة عدم عقد اختبارات الشهادة الثانوية المؤهلة لدخول الجامعات وتراكم الدفعات، مما يعني عدم وجود طلاب جدد لأن هذه المؤسسات التعليمية تعتمد في مواردها على الرسوم الدراسية.
فقدان الوثائق والشهادات
بين ليلة وضحاها فقد كثير من الطلاب شهاداتهم التعليمية ووثائقهم جراء قصف بعض مؤسسات التعليم العالي في العاصمة الخرطوم، علاوة على عمليات النهب والسلب التي تعرضت لها جامعات أخرى خاصة وحكومية.
ويرى المتخصص في مجال القانون الدولي بعدد من الجامعات السودانية نور الدين الشريف أن "العملية التعليمية في البلاد أصبحت معقدة للغاية، خصوصاً بعد تأثر بعض المؤسسات الأكاديمية نتيجة القصف والغارات الجوية مما يؤدي إلى تلف الوثائق، كما تعرضت 90 في المئة من الجامعات، لا سيما الخاصة لعمليات نهب وسلب مما يقود إلى فقدان مستندات مهمة للطلاب، وحتى وزارة التعليم العالي لم تسلم من الحريق".
وأشار الشريف إلى أن "الجامعات الولائية لم تتعرض حتى الآن لتخريب أو هجمات متعلقة بالحرب، ومجمل الأضرار حدثت لمؤسسات التعليم العالي في العاصمة الخرطوم".
ونوه بأن "كثيراً من الراغبين في الدراسة خارج السودان فشلوا في الحصول على مستندات رسمية من جامعاتهم تشير إلى القبول والتسجيل ونتائج التحصيل الأكاديمي حتى يتم قبولهم في المؤسسات الجديدة".
وشدد المتخصص في مجال القانون الدولي على أن "عدم وجود سجلات إلكترونية وأرشفة غير تقليدية وقواعد بيانات خاصة بالجامعات والطلاب لحفظ المعلومات والنتائج وتفاصيلها منذ السنة الأولى مع شهادات التخرج يهدد مستقبل الآلاف حال تعرض المستندات والوثائق الورقية للتلف والضياع نتيجة الحرب والنهب والسلب، لا سيما في مؤسسات التعليم العالي التي توجد مقارها بمناطق الصراع المسلح".
هل تستنهض من جديد؟
على صعيد متصل، أوضح نائب مدير جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا عبدالعظيم المنهل أن "إدارات غالبية الجامعات اضطرت إلى العمل من بعد وفي ظروف استثنائية، ونجحت كثير منها في عقد الاختبارات، وانتقلت بعضها إلى دول الجوار الأفريقي لمواصلة الدراسة، وكذلك هاجر الطلاب المقتدرون اقتصادياً للالتحاق بجامعات خارج البلاد، بخلاف مئات الأساتذة الذين استفادت من خبراتهم مؤسسات تعليمية في دول أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن كيفية نهوض الجامعات السودانية من جديد، قال المنهل إن "مؤسسات التعليم العالي ستبدأ من الصفر بعد توقف الحرب، وتحتاج إلى إعادة تأهيل وتأسيس، وتتطلب الخطوة توفير الموارد المادية والبشرية، ووضع الخطط لاستعادة البناء وفق الأولويات، وحال الوصول إلى سلام واستقرار ينبغي وضع خريطة تعليمية جديدة تشمل دمج بعض الجامعات الحكومية والخاصة، وكذلك تجميد أو إلغاء بعض الكليات التي لا تواكب حاجات المستقبل مع التركيز على التعليم التقني الذي يحفز الطلاب على الإبداع".
ومضى في حديثه قائلاً، "تستطيع الجامعات السودانية مواصلة الدراسة، ولكن في الفترة الأولى ستكون محصورة عبر العمل من بعد لفصل دراسي كامل نتيجة التدمير والتخريب، وبعد تأهيل البنى التحتية والمعامل والورش والمكتبات يمكن استقرار العملية التعليمية من داخل قاعات الدراسة في مؤسسات التعليم العالي".
تأثيرات ومعالجات
واعتبر وزير التعليم العالي السوداني محمد حسن دهب أن "التخريب والدمار اللذين حدثا للجامعات سيؤثران بالسلب على تعطل البحوث والنشاط التعليمي ومرتبة المؤسسات العلمية السودانية بين نظيراتها في العالم، وكذلك سيؤخران تخرج دفعات من الطلاب، مما يعطل التحاقهم بسوق العمل، فضلاً عن التأثير الكبير على مسار التطور العلمي والمهني في البلاد".
وأضاف دهب، "في الأشهر الأولى للحرب، توقفت الجامعات السودانية بالكامل لفترة قصيرة، بسبب نزوح الطلاب وأسرهم من المناطق التي تأثرت مباشرة بالمعارك، ثم أصدرنا قراراً باستئناف الدراسة بمؤسسات التعليم العالي الواقعة في المدن الآمنة، وشجعنا الجامعات التي لها مقار في مناطق الاشتباكات بإبرام اتفاقات مع الجامعات الآمنة لإتاحة الفرص لطلابها، خصوصاً من هم في أعوام التخرج النهائية، لمواصلة دراستهم حضورياً أو عبر الإنترنت".
وناشد وزير التعليم العالي السوداني المنظمات الدولية والإقليمية واتحادات الجامعات في جميع أنحاء العالم بالوقوف إلى جانب المؤسسات العلمية والجامعية والبحثية في السودان ودعمها مالياً وفنياً حتى تكون قادرة على النهوض من جديد.
تحديات واستراتيجيات
الأستاذ المشارك بكلية العمارة جامعة الخرطوم أكرم أحمد الخليفة قال، إن "مؤسسات التعليم العالي تعرضت لأضرار مباشرة لم يتسن حتى الآن حصرها على وجه الدقة لعدم وجود إحصاءات دقيقة نتيجة عدم الوصول لكثير من الجامعات في مناطق القتال، لكن أضرار بعضها كانت جسيمة بفعل النهب والسلب".
وأضاف، أن "تعطل العملية التعليمية يعد من أكبر الخسائر، فضلاً عن الخطر الذي تواجهه مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في استدامة النشاط، خصوصاً في ظل هجرة الأساتذة والطلاب والموظفين والعمال باعتبارهم الأساس في نجاح استمرار الدراسة".
وأوضح الخليفة أن "هناك تحديات عدة تواجه الجامعات حتى حال توقفت الحرب، منها صعوبة عودة الطلاب والأستاذة من جديد خصوصاً الذين التحقوا بمؤسسات تعليمية خارج السودان نظراً لارتباطهم بالدراسة والتزام مناهج ومعاهد بحثية، وكذلك أهمية الاستقرار والأمان، من ثَم فإن خطر فقدان الجامعات السودانية للطلاب والأساتذة قد يحول دون استعادة دورها من جديد".
وفي شأن محاولات بعض المؤسسات التعليمية استعادة الدراسة، أفاد الأستاذ المشارك بكلية العمارة جامعة الخرطوم بأن "هذه الجهود مطلوبة وضرورية، على رغم أن هناك كليات وجامعات تأخرت في تنفيذ الخطوة لاعتبارات مرتبطة بصدمات الحرب التي استغرقت وقتاً طويلاً، وبعد ذلك استوعب السودانيون أهمية العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية وأنشطتهم المختلفة".
ولفت إلى أن "عملية نهوض مؤسسات التعليم العالي من جديد في السودان معقدة للغاية، إذ يمكن إكمال الدراسة وتخريج الدفعات الموجودة حالياً داخل البلاد، لكن التحديات تتمثل في كيفية مواصلة الجامعات لنشاطها في المستقبل في ظل الوضع الحالي وحتى في فترة ما بعد الحرب، لذلك ينبغي وضع استراتيجيات محددة لعملية النهوض مستقبلاً".
وحول نظرته عن كيفية استعادة الجامعات لدورها بعد التخريب والدمار، قال الخليفة إن "الخطوة تحتاج إلى دعم كبير من جامعات الدول الأخرى، إلى جانب العمل الدبلوماسي السياسي، وحراك من الجهات كافة وخطط على مستوى الدولة السودانية، فضلاً عن تفعيل الشراكات مع مؤسسات التعليم العالي في دول العالم المختلفة لاستيعاب الطلاب والأستاذة وتنفيذ اتفاقات هجرة العقول المنظمة عبر عمليات الإعارة من خلال تنسيق الجهود بين الوزارات وإدارات الجامعات والكليات".
الدراسة خارج السودان
بدوره أشار مدير جامعة النيلين الهادي آدم محمد إلى أن "الجامعة شرعت في توفيق أوضاعها بعد إطالة أمد الحرب، إذ افتتحت مراكز اختبارات لطلاب الكليات الطبية والصحية والتطبيقية داخل السودان في ولايات عدة، فضلاً عن ترتيبات لافتتاح مركز في محلية كرري نظراً لوجود عدد كبير من الطلاب، وكذلك مراكز خارجية في الإمارات والسعودية ومصر وسلطنة عمان".
ونوه بأن "الجامعة تمكنت من تخريج 1100 طالب وطالبة، ونجحت ولأول مرة في استخراج الشهادات إلكترونياً عبر رابط يقدم به الطالب ويتابع جميع مراحلها حتى توثيقها بوزارة الخارجية والتعليم العالي وتسليمها له أينما كان سواء داخل أو خارج البلاد".
وأوضح محمد أن "اجتماع مجلس أساتذة الجامعة أجاز استئناف الدراسة من بعد في جميع الكليات بما فيها الدراسات العليا بعد تحديد مراكز المناقشة سواء في مقر البعثات السودانية أو الجامعات التي لها اتفاقات تعاون معنا".
خطة التأهيل
يرى المحاضر الأكاديمي في الجامعات السودانية مؤمن إبراهيم الفكي أن "معالجة آثار تدمير مؤسسات التعليم العالي تحتاج إلى كلفة مالية عالية للغاية وجهود كبيرة من أجل إعادة الجامعات إلى سيرتها الأولى"، منوهاً بأن التعليم العالي يشكل رأس الرمح في مستقبل البلاد، ولذلك فإنه في حال لم يتم تأهيل البنى التحتية والمعامل والورش ومراكز البحوث والمكتبات بصورة علمية فلن تفلح الجهود في عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة من جديد".
وطالب الفكي الدولة والمنظمات الدولية ذات الصلة بالتعليم بدعم "مشروع إعادة تأهيل المؤسسات والجامعات في فترة ما بعد الحرب من أجل إعادة الطلاب لمقاعد الدراسة وضمان عدم ضياع مستقبل الآلاف".
ودعا المحاضر الأكاديمي إلى البحث عن خطط فاعلة لنهوض الجامعات من خلال الدعم بواسطة صانعي السياسات والمسؤولين الرسميين، وكذلك المؤسسات في الخارج عبر برامج مصممة لمخاطبة حاجات الطلاب والأكاديميين، ويمكن تطوير المنح لمساعدة مؤسسات التعليم العالي في السودان من أجل إعادة أنشطتها من جديد".
من جهته لفت المحاضر في جامعة العلوم والتقانة حمدي صلاح الدين إلى أن "عدداً من الباحثين قدموا أوراقاً عن وضع الطلاب والطالبات في السودان"، مشيراً إلى ورقة متخصص الهندسة بجامعة الخرطوم أمجد عثمان عبداللطيف ترصد "توقف 120 جامعة تضم نحو 450 ألف طالب عن الدراسة لأنها تقع في مناطق غير آمنة بسبب الصراع المسلح في العاصمة، سواء في أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق".
ورهن صلاح الدين عودة الدراسة في الجامعات بتوقف الحرب وعودة الأمن والاستقرار في العاصمة الخرطوم والأقاليم الأخرى، خصوصاً المتأثرة بالصراع المسلح.
أثر مواصلة النشاط
تطرق المحاضر الأكاديمي في الجامعات السودانية أشرف فضل الله إلى أثر مواصلة بعض الجامعات نشاطها بعد الحرب من داخل وخارج البلاد، وقال إن "مؤسسات التعليم العالي تحتاج إلى إعادة إعمار البنى التحتية وإكمال النواقص في قاعات الدراسة والورش حتى تستعيد نشاطها من جديد خصوصاً بعد عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها".
وأضاف أن "مواصلة الدراسة تسهم في تخريج الدفعات المتراكمة وطلاب الأعوام النهائية في التخصصات كافة، إلى جانب إكمال طلبة الماجستير والدكتوراه دراستهم من أجل الحصول على رسائل علمية والانتظام في سوق العمل، علاوة على تطوير المعرفة في جميع التخصصات، وكذلك الإسهام في الاقتصاد الوطني".
وبين فضل الله أن "الجامعات السودانية التي استفادت من اتفاقيات التعاون والشراكات مع مؤسسات التعليم العالي خارج البلاد ووفرت فرص الدراسة، فضلاً عن الجامعات التي أنشأت فروعاً لها في دول الجوار الأفريقي، ستسهم في استقرار أكاديمي لآلاف الطلاب، إلى جانب حل مشكلات تراكم الدفعات".
ونبه إلى أن "الالتحاق بالجامعات السودانية خارج البلاد سيكون محصوراً على الطلاب المقتدرين اقتصادياً فقط، ومن ثم فإن أعدادهم قليلة مقارنة بمئات الآلاف من البقية، لذلك فإن مؤسسات التعليم العالي خارج السودان لن يكون لها أثر ملموس في حل الأزمات".
ولفت المحاضر الأكاديمي إلى أن "ارتفاع الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة والأهلية داخل البلاد مقارنة مع بعض جامعات دول الجوار سيشكل أحد أسباب عزوف الطلاب بعد توقف الحرب خصوصاً بعد معايشتهم الأجواء عن قرب في دول الجوار، إضافة إلى ضعف جودة التعليم العالي، فعلى رغم كثرة الجامعات السودانية، فإنها لا تنافس في المراكز المتقدمة في التصنيف الدولي والإقليمي".
وواصل القول، "هناك أسباب كثيرة أدت إلى عزوف الطلاب عن الالتحاق بالجامعات السودانية، خصوصاً الحكومية منها، من أهمها عدم الاستقرار الذي انعكس سلباً على مؤسسات التعليم العالي بكثرة التعطيل، مما أدى إلى تراكم وتداخل الدفعات بصورة كبيرة، إذ تجد ثلاث دفعات في مستوى دراسي واحد، وهو ما أزعج كثيراً من الطلاب الذين أبدوا تخوفهم من المستقبل، فهذا الوضع المتردي دفع أعداداً كبيرة من الطلاب إلى التفكير في الدراسة في دول مثل مصر وتركيا وماليزيا والهند، وغيرها".