ملخص
الفرق بين هذه الانتخابات وسابقاتها يبدأ من الجانب التشريعي إذ إن مهام الرئيس في ظل دستور 2022 تختلف عن مهامه في ظل دستور 2014، وهناك اختلاف آخر يتعلق بشروط الترشح للرئاسة في هذه الانتخابات، التي كانت محل جدل واسع لم ينته حتى اليوم.
أسدلت تونس الستار على الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وسط مشاركة وُصفت بالمهمة. هذه الانتخابات الرئاسية هي الثالثة بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وعلى رغم تشابه هذه المحطة في نقاط عدة مع المحطات السابقة، يرى عديد من المراقبين أنها مختلفة في كثير من التفاصيل الأساسية أو الثانوية. فهناك من يرى أنها غير ديمقراطية، إذ تم إقصاء عديد من الأطراف، بينما يرى آخرون أنها الأكثر شفافية في تاريخ البلاد لغياب المال السياسي المشبوه. ومع ذلك، يتفق الجميع على أنها تمثل صفحة جديدة في تاريخ تونس.
في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي مهدي المناعي إن الانتخابات جرت في ظروف طبيعية على رغم الأجواء المشحونة التي عشناها طوال الشهرين الماضيين، مضيفاً "اليوم نستطيع القول إنها انتخابات مختلفة عن سابقاتها، ويمكن وصفها بالأنقى منذ 2011، وذلك لغياب المال السياسي الفاسد والأجنبي، خلافاً لما شهدناه في المحطات الانتخابية السابقة عامي 2014 و2019".
القطع مع المنظومة السابقة
وتابع في السياق نفسه "أيضاً غاب الابتزاز والصفقات السياسية، كما في انتخابات 2014، عندما وعد المرشح الفائز ناخبيه بأن حزبه (نداء تونس) و(النهضة) خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً، لكن بعد فوزه تحالف مع (النهضة) ونكث وعد ناخبيه، وعشنا سنوات عجافاً عرفت فيها تونس أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وشهدت اغتيالات سياسية".
ويواصل المناعي "الفرق يظهر في قلة المرشحين عكس الانتخابات السابقة وهذا ما يجعل المواطن أكثر تركيزاً لاختيار المرشح المناسب"، معتقداً بأن "نتائج الانتخابات الحالية تعلن رسمياً القطع مع المنظومة السابقة لمن حكموا وعارضوا لأنهم أثبتوا فشلهم على كل الصعد"، وأضاف "لقد أظهروا أنهم يفتقرون إلى خزان انتخابي مقنع و يفتقرون أيضاً إلى الرصيد السياسي الذي يمكنهم من المنافسة".
ويرى أن "اليوم نستطيع القول إن المسار الذي تعهد بها قيس سعيد اكتمل بتركيز كل مؤسسات الدولة في انتظار تركيز المحكمة الدستورية آخر المحطات والبدء في البناء".
وعقب الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، قال الرئيس قيس سعيد، الفائز بولاية ثانية، إن ما تعيشه تونس اليوم "هو استكمال للثورة". وأضاف خلال زيارته مقر حملته الانتخابية بالعاصمة تونس "سنطهر البلاد من الفاسدين والمفسدين والمشككين والمتآمرين"، وفق تعبيره. وشدد سعيد على أن "الشعب التونسي أظهر وعياً عميقاً وصعوداً شاهقاً في التاريخ غير مسبوق".
يشار إلى أن قيس سعيد الفائز بولاية ثانية لرئاسة الجمهورية حصل على 90.7 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية حسب النتائج الأولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نهاية أحزاب ورموز سياسية
من جهته، كتب الصحافي عمار بن عزيز تدوينة على "فيسبوك" عبر فيها عما يمكن لهذه الانتخابات أن تخلفه، على عكس سابقاتها، معتقداً بنهاية شخصيات سياسية عدة طبعت المشهد التونسي منذ الاستقلال، وبخاصة رموز المعارضة التاريخية في تونس من كل العائلات السياسية، سواء كانت تقدمية أو إسلامية، مع نهاية أحزاب عدة أهمها الإسلامية.
كما يعتقد أن "الاتحاد العام التونسي للشغل لن يبقى بصيغته التاريخية، وسيتحول في الحد الأدنى إلى تجمع نقابي يدافع عن زيادة منحة الأكل أو الاستجمام"، بحسب تعبيره.
أما من الجانب القانوني والدستوري فيرى المتخصص في الجماعات المحلية محمد الضيفي أن الفرق بين هذه الانتخابات وسابقاتها يبدأ من الجانب التشريعي، موضحاً أن "مهام الرئيس اليوم في ظل دستور 2022 تختلف عن مهام الرئيس سابقاً في ظل دستور 2014، وهناك اختلاف آخر يتعلق بشروط الترشح للرئاسة في هذه الانتخابات، التي كانت محل جدل واسع لم ينته حتى اليوم".
وأضاف في تصريح خاص أن "الاختلاف يظهر جلياً أيضاً في المناخ الانتخابي"، موضحاً "غياب التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية، إضافة إلى حذف التمويل العمومي، والتشديد في القوانين المتعلقة بالجرائم الانتخابية من خلال رفع قيمة الغرامات وزيادة مدة السجن". وتابع "كما أصبح جمع التزكيات من دوائر انتخابية ضيقة أمراً إلزامياً، خلافاً لما كان عليه الأمر سابقاً".
أما من الجانب الحقوقي فيرى الضيفي أن "هذه الانتخابات مختلفة من جهة تواتر التضييقات على المرشحين للانتخابات وسجن بعضهم، وأيضاً التضييق على وسائل الإعلام والجمعيات بحجة التمويل الأجنبي وشح التمويل المحلي".
أما سياسياً فيقول الضيفي إن هذا الموعد الانتخابي كان مختلفاً تماماً من خلال غياب مرشحي العائلات السياسية الكبرى، على غرار العائلة الإسلامية والعائلة الدستورية وغيرها، مما أثر سلباً في ديناميكية الحملة الانتخابية".
استثناءات أخرى
إضافة إلى الاختلافات في الجوانب القانونية والسياسية لانتخابات 2024، شهدت هذه المحطة استثناءات أخرى، أبرزها إقامة ثلاثة مراكز اقتراع في مواقع إنتاج النفط في عمق الصحراء بمحافظة تطاوين، أقصى الجنوب التونسي، للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات التونسية.
يضم مركز الاقتراع في البرمة بالصحراء 106 ناخبين، بينما يضم مركز اقتراع وادي زار 127 ناخباً، ومركز اقتراع نوارة 44 ناخباً.
وأشار المنسق الجهوي إلى أن عدد الناخبين المسجلين في الجهة يناهز 131045 ناخباً، موزعين على 141 مركز اقتراع و188 مكتب اقتراع.
ولتسهيل عملية الاقتراع في المناطق الريفية والحدودية والبعيدة وذات العوامل الجغرافية القاسية، قامت الهيئات الفرعية المستقلة للانتخابات في محافظات عدة بتركيب خيام انتخابية للتصويت.